• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مكانة العفة في بناء الشخصيّة

عمار كاظم

مكانة العفة في بناء الشخصيّة

ان العفة هي طلب العفاف والكف عما حرم الله سبحانه والاكتفاء بما أحله تعالى وان كان قليلاً، فهي خُلق ايماني رفيع، هي صبر وجهاد واحتساب، انّها قوة وتحمل وارادة، العفة صون للأسرة المسلمة من الأهواء والانحرافات وانتصار على النفس وتقوية لها على التمسك بالأفعال الحميدة. العفة هي اقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات. انّها عفة الاسلام، التي تضبط سلوكيات البشر عن الانحراف الى مهاوي الرذيلة والانحطاط ، وتحفظهم عن الانخراط في الزلل وعدم ضبط أهواء النفس.

تُساهم العفة مساهمة فعّالة في بناء شخصيّة الانسان من خلال ما يتفرّع عنها من صفات أخلاقية. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من عشق وكتم وعفّ وصبر، غفر الله له وأدخله الجنّة» ويقول الامام الباقر (عليه السلام): «ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج». وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة» وعنه (عليه السلام): «أفضل العبادة العفاف». وقد ذكر علماء الأخلاق الفضائل المتفرِّعة عن العفّة وأوصلوها الى ستٍّ وعشرين فضيلة، وممّا ذُكر من فضائل العفّة: «الحياء، والخجل، والمسامحة، والصبر، والسخاء، وحسن التقدير، والانبساط، والدماثة، والانتظام، وحسن الهيئة، والقناعة، والهدوء، والورع، والطلاقة، والمساعدة، والسخط، والظرف».

وبما أنّ العفّة تصدر عن القوّة الشهوية ولها حالتا افراط وتفريط وهما الشره والخمود، فانّه يصعب انقيادها للقوّة العاقلة فلا تأتمر بأوامر العقل ونواهيه، وانّما بامكان القوّة الغضبيّة قهرها وزجرها. فكان للصفات الأخلاقية الصادرة عنها، فضائل كانت أم رذائل، دور مهمّ وخطير في بناء أو هدم شخصيّة الانسان، فهو سرعان ما يقع فريسة لملذّاته وشهواته ويستجيب للاغراءات الدنيوية. فاذا تبع شهوته كما جاء في الرواية أصبح أخسّ من الحيوان، والقرآن الكريم شبّه متّبعي الشهوات بالأنعام: (أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ 179).

ولهذا عُدّت مجاهدة النفس عن الصفات الرذيلة وتحويلها الى ملكات حسنة راسخة في النفس الجهادَ الأكبر. وهو أمر يحتاج الى معرفة ومِران وممارسة، لا أثناء تحصيل الملكات فحسب، بل بعدها من خلال المواظبة على حفظها ومراقبتها من التزلزل والتبدُّل. وهذه الملكات الصادرة عن قوى النفس، وما يتفرّع عنها من ملكات، تستدعيها الطبيعة الفردية المجهّزة بأدواتها: «وهي كلّها حسنة لأنّ معنى الحسن الملاءمة لغاية الشيء وكماله وسعادته، وهي جميعاً ملائمة مناسبة لسعادة الفرد».

درجات العفّة:

الأولى: فالعفّة اللازمة الواجبة هي العفّة عن المحذورات الشرعيّة المتعلِّقة بالشهوات، فبالنسبة لعفّة البطن في هذه المرتبة هي أن يرتدع المكلَّف عن أكل الأشياء المحرّمة، أو شرب المشروبات المحرّمة كأكل لحم الخنزير أو اللحوم غير المذكّاة التذكية الشرعية أو كشرب الخمر وكلّ مسكر، وكذلك يرتدع عن أكل الأموال المحرّمة التي تكون نتاجاً للمعاملات المحرّمة كالربا والغشّ والنصب والاحتيال والقمار...

الثانية: وأمّا العفّة بالمرتبة الثانية فهي التورّع عن المذمومات والمكروهات في الشريعة، مثلاً: اذا ترك الامتلاء من الطعام أو ترك الطعام في المواضع العامّة، أو دافع شهوة الطعام كي لا تذهب مروءته فهي عفّة بمرتبة ومقام آخر.

الثالثة: والعفّة في مرتبة ومقام آخر تتجلّى في أن يترك ما اشتبه عليه من الطعام فهو الورع، مثلاً: اذا اشتبه في اللحم هل هو مذكّى أم لا فانّه لا يأكله، واذا اشتبه في المكسب أنّه ربا أم لا فانّه يتورّع ويتعفّف عنه مع أنّه قد يُقال انّ الأصل العمليّ البناء على الحلّيّة.

ارسال التعليق

Top