• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ملحمة عاشوراء.. إرث للبشريّة جمعاء

عمار كاظم

ملحمة عاشوراء.. إرث للبشريّة جمعاء

إنّ الثورة الحسينية لم تكن في يوم من الأيام إرثاً للمسلمين فحسب، وإنما إرث للبشرية جمعاء. فالأُمّة التي لا تعود لقراءة تاريخها ولا ترتبط بجذورها ولا تقتدي برموزها لهي أُمّة لا يمكن أن تعيش الحاضر مع بذور القدرة على اللحاق بموكب الحضارة والرقي في المستقبل. والأُمّة التي لا تجعل نصب عينها ضرورة الاقتداء والامتثال لتعاليم عظمائها، خاصّة إذا كان عظماؤها من المعصومين الذين يمثلون سُفن النجاة ومصابيح الهدى، فلن يمكنها أن تفلح في السير على نهج التقدم ولا يمكنها أن تعيش السعادة والرفاهية المطلوبتين، تلك الرفاهية والسعادة القائمتين على مبدأ التوازن بين احتياجات الدنيا ومتطلبات الآخرة.

المصائب التي تحملها ثورة الحسين (عليه السلام) في طريق إحياء دين جده تفوق كثيراً على مصائب أرباب الديانات السابقين، ولم ترد على أحد منهم. صحيح إنّ هناك رجالاً قُتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين (عليه السلام)، فإنَّه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده، وأخوانه، وأقربائه، وأحبابه، وأمواله، وعياله ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة بل وقعت متتالية الواحدة بعد الأخرى، ويختص الحسين دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ. إذا كانت الحاجة إلى الفداء تنتهي في يوم من الأيّام، فإنّ عطاء الحسين قد انتهى، ولكن ما دام الفداء ضرورة يومية لدحر العدوان القائم يومياً، فعطاء الحسين لن ينتهي. وتبرز أصالة الأُمّة واضحة من خلال دروس يوم عاشوراء، فقد علّمنا الحسين (عليه السلام) كيف نعيش، عندما علّمنا كيف نموت.

هكذا أثرت ثورة الحسين (عليه السلام) في النفوس، وحركت القلوب، وهزت الضمائر، فأصبحت شعاراً للمظلومين من بني الإنسانية جمعاء. فسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً. لقد أراد الإمام الحسين (عليه السلام) الإصلاح على مستوى الأُمّة كلّها لا على مستوى الوطن الذي يتأطّر فيه الإنسان. لقد انطلق (عليه السلام) ليقول لنا: "فكّروا في قضايا أُمّتكم من خلال الإسلام الذي حمله جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)". إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان ينظر في ثورته إلى الساحة الإسلامية الواسعة، وإلى الخط الإسلامي الممتد في حياة المسلمين جميعاً.

قدّم الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه وأصحابه وآل بيته قرباناً من أجل نشر العدالة والوقوف مع الحقّ مهما كان الثمن، فكانت ثورة الحسين ثورة عالمية لا تخص أتباعه فقط. فلكلّ ثورة في كلّ زمان ومكان أسباب من أجلها تقوم، وأهداف من أجل تحقيقها تسعى.. والثورة (أي ثورة) هي تحرّك ضد مفاهيم أو انقلاب على واقع، لهذا فالثورة بهذه المميزات غالباً ما تكسب التفافاً جماهيرياً شعبياً، تكون العاطفة جزءاً من مقومات ذلك البركان الغاضب، وبالخصوص منها تلك الثورات التي تقوم على أساس إحقاق الحقّ في وجه الباطل.

وربّما لا نجد في الواقع الإسلامي مناسبة أخذت تأثيرها وحجمها في العقل وفي القلب وفي التقاليد وفي حركة الواقع وفي الشعارات... التي تتَّسع في مسيرة الواقع منذ الماضي وحتى الحاضر وانطلاقاً بالمستقبل كما هي قضية الإمام الحسين (عليه السلام).

ونبقى في خط الحسين (عليه السلام).. خط الإسلام فكراً وحركة وحياة ويبقى النداء (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105). فإنسان كربلاء هو إنسان عهد الله، فمن أراد أن يكون كربلائياً فليعرف كيف يصدق الله في عهده، بأن يكون المسلم الرسالي المجاهد والمنفتح على كلّ قضايا الإسلام والمسلمين.

ارسال التعليق

Top