• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

من غايات الصوم المهمة.. صحة التقوى

من غايات الصوم المهمة.. صحة التقوى

تقوى الله هي الحصن والملاذ والطريق إلى الجنّة، وهي التي ترتفع بالإنسان إلى الله. هي حياتنا الفعلية التي من خلالها نمارس العلاقة المنفتحة والعملية والطيبة مع الله تعالى، عبر التزام حدوده ورفع كلمته والتخلّق بأخلاقه، مهما كانت التضحيات في كلّ ذلك، فالله تعالى هو من يعوِّضنا مزيداً من الرّحمة والفضل والرّضا في الدُّنيا والآخرة. يقول تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، فالصوم بكلِّ أجوائه الروحيّة والأخلاقيّة الساميّة، يصقل الإيمان ويغذّيه ويجذِّره في النفوس، وصولاً إلى أن يؤكِّد التقوى في الإنسان، التقوى التي تترسّخ في النفوس، فتجعلها محلِّقةً في أجواء الله؛ أجواء الطهارة والنظافة والورع عن كلّ المحارم والذنوب والآثام.

إنّ القيمة الأساسية في حياة الإنسان هي «التقوى» التي تتيح درجة التنافس والتفاضل، وتتيح الالتزام بأوامر الله تعالى، وبالتالي تخلق إنسان سوي مستقيم، لا يحتاج إلى حسب أو نسب أو مال أو شكل يقوّمه أمام الله، مادام هو قادر على ذلك بنفسه وفعله وإيمانه وعقيدته. فالتقوى هي الدعوة التي يدعو الله إليها عباده في أغلب الآيات، لممارستها كأسلوبٍ تربوي في نطاق العمل الإنساني، من خلال مراقبة الله والإحساس العميق بوجوده. أجمل ما يوثق في التقوى تعريف الامام عليّ (عليه السلام) لها إذ يقول: «هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل»، أو يصفها بأبسط ما يجسّدها في الواقع: «بأن يراك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك». إنّ الإسلام لا يرى في التقوى تقييداً للحرّية، بل على العكس من ذلك، يرى أنّها هي التي تمنح الإنسان حرّيته من شهواته وغرائزه، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فإنّ تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ مَلَكة، ونجاة من كلّ هلكة».

إنّ الصوم كعبادةٍ من العبادات، يهدف إلى إثارة التقوى في الإنسان، كي يعمل على أن يعيشها وينفتح على تجلّياتها وآثارها التي تفتح قلبه وعقله على الله، وعلى الإيمان الذي يوصله إلى سعادة الدُّنيا والآخرة، وأن يكون في جوار الله ومن أهل مراضيه. ولذلك، لابدّ من أن نكون الأتقياء في القول، ولا نلهج إلّا بالصِّدق، والأتقياء في الفكر، فلا نفكِّر إلّا في النّفع والخير، والأتقياء في المشاعر، فلا نشعر إلّا بالرّحمة والمحبّة للآخرين، عندما نصل إلى التقوى كحالةٍ ثابتةٍ وأصيلةٍ فينا، نتعرّف حقيقةً إلى عمق الإيمان وصفائه، ونتعرّف إلى روح العبادة وما لها من آثارٍ معنويّةٍ وروحيّةٍ تتعدّى الشّكل، لتتّصل بكلِّ مضمونٍ يرفع من مستوى حضور الإنسان المتعدِّد في كلِّ جوانب الحياة.

الصوم له غايات عديدة، فغايات الصوم مثل ما ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «لكلّ شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام».

لذا، علينا أن نحرص على الوصول إلى صحة التقوى، التي هي من غايات الصوم، بترك سائر الذنوب، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 102): لا معين إلّا الله، ولا دليل إلّا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا زاد إلّا التقوى، ولا عمل إلّا الصبر، من أراد أن تصح له التقوى فليترك الذنوب كلّها. وقد جاء عن أحد أهل العلم أنّه قال: من التزم التقوى اشتاق إلى مفارقة الدُّنيا، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (... وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأنعام/ 32).

ارسال التعليق

Top