• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

من فضائل القرآن الكريم وآداب تلاوته

إيمان إسماعيل عبدالله

من فضائل القرآن الكريم وآداب تلاوته
(...إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس/ 69). إن فضائل القرآن لاتنتهي، فيه يتعلم الجاهل ويتنبَّه الغافل ويعمل العامل ويتذكر اللاّهي ويتّعظ الساهي، يُوقظ القلوب الغافلة ويُنقذ البصائر الجائرة ويشفي القلوب العليلة ويشحذ الأذهان الكليلة. إن القرآن الكريم نُور في الظلمة وأنس في الوحشة وصديق في الوحدة وسمير في الخلوة، وهو مادة لذيذة للعقل وتنوير للفهم لا تبليه الأيام ولاتؤثر فيه العصور، فهو معجزة الله تعالى الخالدة. كتاب الله المعجز القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز، قال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ. أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ. أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (الطور/ 30-34). والمعنى، بل يقولون عن رسول الله (ص) هو شاعر ننتظر له حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء، قل لهم انتظروا هلاكي فإني معكم من المنتظرين هلاككم، أم تأمرهم عقولهم بقولهم له إنه ساحر كاهن شاعر مجنون؟ بل هم قوم طاغون بعنادهم. أم يقولون إنه إختلق القرآن الكريم ونَسَبَه لنفسه؟ بل لايؤمنون استكباراً، فإن قالوا اختلقه فليأتوا بحديث مختلق مثله إن كانوا صادقين في قولهم. وقال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الحاقة/ 38-43). أي، فلا أقسم بما تشاهدونه وما لا تشاهدونه من الموجودات، على أن القرآن الكريم قول رسول الله، مبلغاً عن ربه، وما هو بقول شاعر كما تفترون، ولا بقول كاهن كما تدعون، إنكم تتذكرون تذكراً قليلاً جداً ولا ينفع، وتُفكرون تفكيراً خاطئاً، بل هو تنزيلٌ من رب العالمين. وقال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) (يس/ 69-70). أي، وما علمناه الشعر وما ينبغي له تعلم الشعر، وما هذا المُنزل على رسولنا، إلا تذكير لعاقل وقرآن واضح يُتلى لينذر من كان عاقلاً أو مؤمناً، فهو الذي ينتفع بالإنذار والتحذير، ويحق القول على الكافرين، فهم الذي يستحقون العذاب. افتراء وادعاء وقد توالت ادعاءات الكفار، بأن القرآن الكريم من عند محمد (ص)، في حين أن من يتدبر القرآن الكريم ويتفكر في أسلوبه وعباراته، وما اشتمل عليه من المعاني والأفكار بعقل سليم، يؤمن بأن القرآن كلام الله عز وجل، وليس كلام محمد (ص)، ولا يستطيع البشر مهما أوتوا من الفصاحة والبلاغة أن يأتوا باقصر سورة منه، وقد أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد (ص)، فيلغه الى الناس كافة كما أنزل عليه من جبريل. وقد حاول الكفار والمشركون أن يحاكوه وأن يأتوا بمثله، فعجزوا كل العجز وأخفقوا كل الإخفاق، وقد بين الله تعالى ذلك فقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة/ 23-24). والمعنى المراد من الأيتين، أنه إن ارتبتم في ما نزلناه على محمد (ص)، وهو القرآن الكريم، فأتوا أنتم بسورة من مثله، في جمال النظم وروعته، وبلاغة الأسلوب وفصاحته، وسمو أفكاره وصحة إخباره عن الغيب، وادعوا آلهتكم التي تعبدونها من دون الله، لتُعينكم إن كنتم صادقين في أن محمداً قاله من عند نفسه، فإنكم عرب فُصحاء مثله، فإن لم تفعلوا ما ذُكر لعجزكم، ومُحال أن تفعلوا ذلك ابداً لإعجاز القرآن، فآمنوا بالله تعالى، وبأن القرآن كلام الله وليس من كلام البشر، كي تَّقُوا النارَ التي وقودها الكفار والأصنام، لشدة حرارتها ولا تتقد تلك النار بالحطب كنار الدنيا، وقد أُعدت وهُيئت لتعذيب الكافرين فيها. وقد عجز جميع الشعراء والخطباء والكتّاب والأدباء من العرب وغيرهم، عن الإتيان بما يُشبه أقصر سورة من القرآن الكريم. وقال تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء/ 9). تلاوة القرآن إن الغرض من تلاوة القرآن الكريم، هو أن يتدبر العبد ويتفكر في معانيه، وقد كان رسول الله (ص)، يتدبر ويُفكر دائماً في معنى كل آية من آيات القرآن الكريم. قال أبو ذر الغفاري : قام رسول الله (ص)، بنا ليلة، فقام بآية يُرددها وهي : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة/ 118). والغرض أيضاً، أن يتعظ القارىء بالعظات الواردة في آيات القرآن الكريم، وأن يستكين لأحكامه، ولا يكون كثير الصياح والصخب، أو غافلاً وهو يقرأ. فالغرض من قراءة القرآن الكريم، هو العمل بما فيه والتأثر به، ومعرفة الحلال من الحرام، والانتفاع بما فيه من عظات وعبر، والتفكير في كل كلمة أو حرف منه، والإقبال عليه بالقلب والعقل، وتأمل ما فيه من التهديد والوعيد. قال علي بن أبي طالب (ع) :"لا خير في عبادة لافقه فيها، ولا في قراءة لا تدبُّر فيها". ..وآداب تلاوته من آداب تلاوة قراءة القرآن الكريم، أن يقرأه القارىء وهو متوضىء، مستقبلاً القبلة، ومُطرقاً رأسه، وفي الصلاة يقرأ وهو واقف، وفي غير الصلاة يقرأ وهو جالس. فإن قرأ وهو غير متوضىء، فثوابه أقل، قال علي بن أبي طالب (ع) :"من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة، كان له بكل حرف مئة حسنة، ومن قرأه وهو جالس في الصلاة، فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأه في غير صلاة وهو على وضوء، فله بكل حرف خمس وعشرون حسنة، ومن قرأه على غير وضوء فله بكل حرف عشر حسنات". وتلاوة القرآن حق تلاوته، هي أن يشترك في التلاوة اللسان والعقل والقلب. فحظ اللسان من التلاوة هو تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتّعاظ والتأثر بالزجر والأمر، فاللسان يُرتل ويقرأ، والعقل يُترجم ويفكّرـ والقلب يتعظ ويشعر. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وهدى ورحمةً. آمين.

ارسال التعليق

Top