◄تعتبر القراءة هي نافذة للعقل على حقل المعلومات سواء منها الإنسانية أو التكنولوجية فالأُمّة التي تقرأ هي أُمّة نافعة لأبنائها وإلى العالم كافة. إنّ قراءاتنا تفتح لنا منافذ العقل وترشدنا إلى الطُّرق التي تنمي وعينا الفكري والثقافي فالأُمّة التي لا تقرأ لا تجد الحلول للعديد من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لقد تعلمنا أنّ التاريخ يعيد نفسه على مدار العصور المختلفة، فالبلدان المتخلفة إنّما هي البلدان التي لا تهتم بالقراءة أو بتعليم الناشئة فيها وتوعيتهم بأهميّتها حيث ينتشر الجهل وما يترتب عليه من تخلف ثقافي لهذه الأُمم حيث تزداد تخلفاً يوماً بعد يوم. أمّا الأُمّة التي تقرأ هي أُمّة تملك مقدراتها وحرّياتها، فالجهل هو ملاذ الفقر ومخبؤه وهو من ألد أعداء الحرّية.
من أهم مصادرالثقافة لدى أفراد المجتمع: القراءة والشخص القارئ، إنسانٌ عالمُ بماضيهِ وحاضره وأمين على مستقبله وكلّما ازدادت رغبة القراءة لدى الفرد نمت أفكاره وتوسعت مدارك عقله واتّسعت آفاق رؤاه.
من هنا نجد أنّ تعريف القراءة هو:
القراءة هي عملية استرجاع شيء منطوق أو ذهني لمعلومات مخزنة، سواء كانت تلك المعلومات على شكل حروف، رموز، أو حتى صور، وذلك عن طريق النظر أو اللمس كما في لغة برايل للمكفوفين، وهناك أشكال من القراءة لا تكون للغة، وذلك كقراءة النوتات الموسيقية أو الصور التوضيحية.
وفي مصطلحات علم الحاسوب، فإنّ القراءة هي استرجاع معلومات من أماكن تخزينها على الحاسوب كالأقراص الصلبة والمرنة وغيرها.
أهمية القراءة في الثقافة:
إنّ ترسيخ عادة القراءة في ناشئتنا هي من أهم السلوكيات التي لابدّ من غرسها في نفوس أبنائنا، فالدول الغربية التي لا ننظر إلّا إلى سلبياتها نجد أنّ كلّ فرد فيها لا يكاد الكتاب يغادر يده سواء في الحدائق أو وسائل المواصلات المختلفة، فقد تبيّن في أحد الإحصائيات أنّ الطفل الغربي يقرأ في العام الواحد ما يربو على 50 كتاباً في حين يقرأ الطفل العربي 100 صفحة كلّ عام، وهذا الاهتمام بالقراءة إنّما يساهم في تنمية ثقافة الأطفال الذاتية. هذا بالاضافة إلى أنّ الاستزادة من المعلومات تدفعه إلى التعلّق بالكتاب والقراءة لإدراكه من خلال المعلومات المطروحة عليه أنّه المصدر الذي يمكن الاعتماد عليه للتنمية الفكرية التي تؤتي ثمارها كلّ حين. إنّ أهم وسائل التشجيع على القراءة هي الاهتمام بالكتاب كوسيلة للتعلّم وبالتالي القراءة هي التعريف بقيمة الكتاب وجعله من أهم الجوائز التي تُهدى للأطفال في المناسبات المختلفة.
إنّ ثقافة الأُمّة ما هي إلّا مجموعة من الطرق والوسائل التي تتضمَّن أساليب الإدارة وآلياتها، ونمط التفكير، وآداب السلوك والمعتقدات، إنّ الأخلاق والقيم التي تحكم الجماعة، وكذلك اللغة، ونمط العيش بما يتضمّنه من علاقات وأنظمة سلوك بين الأفراد من جهة وبين الأفراد والجماعة من جهة آخرى. لكنّ مَن يتأمل واقع المجتمعات العربية ومَن يتابع الدراسات والتقارير التي أُجريت في السنوات الماضية عن واقع القراءة وتأثيراتها يدرك التراجع الذي تشهده القراءة بشكل رهيب في كافة البلدان العربية يُضاف إليه قلة عدد المكتبات وتضاؤل أعداد دور النشر وهذه مؤشرات خطيرة تدل على الإهمال الذي تناله القراءة في زماننا من أبناء أُمّة (اقرأ) التي هي أوّل كلمة خاطب بها جبريل (عليه السلام) سيِّدنا محمّداً (ص).
وفي المقابل نجد الاهتمام الكبير بالقراءة بشتّى أنواعها في المجتمعات الغربية وتشجيع الفرد هناك على اقتناء الكُتُب والمجلات المختلفة وهذا الاهتمام تجده عند الفرد الغربي في صورمتعدّدة منها استغلاله لوقته في تصفح كتاب أو مجلة حتى في حالات السفر، أمّا هذا الخمول والإهمال الذي يتصف به الإنسان العربي تجاه القراءة فيُهدّد الأُمّة بحدوث عواقب خطيرة في المستقبل كفقدان الهُويّة وضياع الموروث التاريخي الأصيل وضمور الأُمّة عن إنتاج المعرفة والوصول إلى القدرات العالية في التصنيع والإنتاج وإيجاد الأعلام الفاعلين في شتّى مجالات الحياة.
إنّ المتابعة لاهتمام الأُمم المتقدّمة بالقراءة هي تعويد الأطفال على حبّ الكتاب والتعلّق به منذ الصغر وكأنّما نجد أنّ مقولة "إنّ التعليم في الصغر هو كالنقش على الحجر" هي مقولة ناجحة وصحيحة لا يختلف عليها حيث يتعلّق بتلك العادة الكبار ممّن تعوّدوا عليها منذ صغرهم. من هنا نجد أنّ جميع المتخصّصين في مجال تربية الأطفال وثقافتهم قد تعاونوا في وضع البرامج المتميزة التي تهتم بتعليم الأُمّهات والآباء وتوعيتهم بما يقدمونه لأطفالهم من المواد المقروءة التي تقدّم إليه خلال سنوات عمره المختلفة مع مراعاة الجرعات المناسبة لسنه حيث تُعطى له تدريجياً.
إنّ الجرعة القرائية التي تُعطى لطفل قبل المدرسة أو في السنوات الأُولى من عمره حتى السن قبل دخوله المدرسة أي حوالي (6-5) سنوات كُتُب يُراعى فيها عالمه الخاص أو الأشياء التي يشاهدها فيما حوله والتي تتناسب مع طبيعة البيئة التي يعيش فيها فمن المناسب إعطاؤه كُتُباً عن الطيور والحيوانات المحيطة التي يتبعها بعض الأسطر أو الكلمات البسيطة إضافة إلى قصص الجدة والأُم في الفراش قبل النوم. وهذا ممّا يفتح مدارك العقل في تلك السن المبكرة ومساعدته على عدم الانصراف كلّية لألعاب الفيديو ومشاهدة التلفزيون بما فيه من أفلام تعلم النشء على العنف والإقلال من القيم والعادات التي نتبعها في بلادنا، فكيف نشجّع العائلات على زرع حبّ القراءة لدى أبنائها في وجود هذا الزخم الهائل من الألعاب الإلكترونية التي يمضون أمامها الساعات الطوال كأداة لشغل الفراغ؟ لكن علينا أن نتابع بكلّ حواسنا تلك الألعاب ونشجّع أطفالنا على التخلّص منها أو على الأقل الإقلال منها لخلق الوعي الثقافي من خلال الوسائل الصحيحة قرائياً حتى ولو لم يستطع من خلال فهمه البسيط استيعابها كلّيا من خلال الأسلوب المبسّط لها ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة للمساعدة في وجود جيل مُثقّف بمساعدة الأُم والأب والمدرسة بالإضافة إلى جميع المؤسّسات التعليمية والإعلامية.
أمّا في مرحلة تعلّم القراءة وكيفيتها وهي بدايات التعلّم المدرسي حتى سن 10 أعوام فيُفضل أن يتجه الأطفال إلى عالم الخيال والشخصيات الأسطورية حيث يكون لديه الرغبة في البُعد عن عالمه والإبحار في بحر الخيال مع المخلوقات الأسطورية التي تدفعه إلى القدرة على التخيل والابتكار والتعرُّف على كلّ جديد حتى لو ابتعد عن عالم الواقع إلى عالم أكبر من صُنع خياله حيث يجد المتعة في فهم الدلالات والرموز في القصص من خلال قراءاته.
يلي ذلك السن الخطر سن المراهقة بما تحويه من تغيرات نفسية وبدنية مصاحبة لهذه الفترة وهي الفترة التي يتجه فيها الشباب من الجنسين إلى حياة الواقع وما فيها من قصص مغامرات وقصص رومانسية قد تكوّن البعض منها خيالياً عن المغامرين والجواسيس والفرسان وما إلى ذلك من الموضوعات التي يحلم بها ويتمناها في واقعه حيث تكون قريبة منه ومن الواقع الذي يتخيله بعيداً عن القصص الأسطورية حيث لابدّ من دفعه نحو التفكير الواقعي العميق في تسلسل الحوادث منطقياً والتأثّر بالشخصيات حيث يقرأ الشخصيات التاريخية وقصص البطولات التاريخية والمغامرات البوليسية حيث يبحث عن القدوة التي يحاول الوصول إليها والتشبّه بها.
إنّ خير جليس في الزمان كتاب، لذا فالقراءة هي الوسيلة الأساسية لتثقيف المرء وتوعيته بما يدور، وهي الوسيلة التي تنقل الفرد من الجهل والظلام إلى النور والعلم ومن ثمّ الوصول به إلى درجات النضج الفكري والعقلي وتكوين شخصيته بأبعادها المختلفة وهذا يكون نتاجه الحنكة في التعامل مع الحياة ومع المواقف المتعدّدة التي تمرّ بنا.
إنّ من أهم خصائص القراءة الجيِّدة هي ما يمدّنا بالتنوّع في الموضوعات التي تحبّب القراءة إلى المستفيدين حيث تقوم بتنشيط الذاكرة وفتح أبواب المعرفة للاستفادة من تجارب مَن سبقونا حيث يتم تعريفنا على بلاد لم نزرها وأزمان لم نكن فيها كما تمدّنا بالحكمة في التعامل مع المواقف المختلفة.
القراءة المستمرة والصحيحة تحتوي على أُمور ثلاثة مهمّة: الملاحظة - الاستكشاف - البحث الذاتي عن المعرفة التي تمثّل الطريق السليم نحو الثقافة الشخصية بالإضافة إلى التطوّر الثقافي الذي يصاحب الفرد عبر فترات حياتهم المختلفة والتي تتزامن مع الغرض من أهداف القراءة ؛ إذاً تطوّر القراءة الفردية يلعب دوراً في تطوير الفرد معرفياً وتغيير ميوله ونظرته نحو الحياة. وهي السبيل نحو الثقافة الشخصية التي تعرف بأنّها كلّ ما يتعلّمه المرء ليكتسب مجموعة من المعلومات والحقائق المفيدة في مختلف العلوم والآداب شاملاً أيضاً ما يحمله الفرد من تراث متمثّل في العقائد والطقوس والقيم والعادات والتقاليد والموروثات، ولا يقتصر تكوين هذه الثقافة على مبدأ تحصيل العلم فحسب، بل تشكّل القراءة أهم عوامل ظهور الثقافة الشخصية ثمّ تأتي تباعاً العوامل الأخرى: القنوات الفضائية، الإنترنت، المنتديات والحوارات الأدبية والعلمية، التراث، المسرح والقراءات الأدبية .
إنّ إهمال القراءة نتيجة طبيعية لانتشار ثقافة غير سليمة كانت ولا زالت تعزّزها عدّة أسباب وهي:
أوّلاً: وسائل الإعلام بما تبثه من برامج غير هادفة مع وجود تيار في الإعلام يسعى إلى هدم القيم والمبادئ الفاضلة بما ينشره من برامج ومشاريع إعلامية فاسدة.
ثانياً: استبعاد المثقف العربي عن المشهد الثقافي وتراجع دوره المؤثر في طبقات المجتمع ودخوله في صراعات مع السلطة الرسمية.
ثالثاً: تراجع دور الأُسرة في التمسك بالقيم والمبادئ الأصيلة واستسلامها أمام المدنية الحديثة مع صعود قيم ومبادئ المادّة واللهث وراء مكاسبها.
إنّ هذا النتاج الثقافي الضعيف ينعكس على واقع الثقافة العامّة لدى أفراد المجتمع بحيث تتجرد من الإبداع الأدبي والفني والفكري كما أنّها تكون خالية من أي ابتكارات وإبداعات جديدة في مجالات عدّة تمكّن الأُمّة من تيسير الأُمور وتسيير الحياة وحل المشكلات، لذا فإنّ الترابط وثيق جدّاً بين القراءة والثقافة الفردية والتي نجد العلاقة طردية فيما بينها فكلّما تضاءلت القراءة في حياة الفرد أصبح مستواه في إدراك وتحليل وفهم الأُمور ضعيفاً جدّاً، على سبيل المثال هذا يبدو واضحاً لدى أبناء اليوم الذين يعيشون حالة من الخواء الروحي والفكري والنفسي عدا ما يمتلكونه من ثقافة غثة.
إنّ القراءة في الوطن العربي لها صورة قاتمة ولكن تدارك هذا الموقف الحرج الذي يمرّ به الفرد العربي يكون بالتفكير نحو بناء جيل مثقف محبّ للقراءة قادر على المبادرة والبناء لأنّ مفهوم القراءة والثقافة مرتبطتان بمسألة الهُويّة والحفاظ على الموروث الحضاري. إنّ التفاعل بين هذين المفهومين ينتهي بمعرفة إيجابية صالحة أو معرفة سلبية مدمرة للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء.
من هذا المنطلق فإنّ غرس بذور التجديد والإصلاح تعويض يتم من خلال بناء الشباب العربي بناءً سليماً من خلال تعليمهم مهارات القراءة الحديثة والسعي نحو نشر الكُتُب وارتياد المكتبات وإعطاء المثقف العربي مساحة أكبر والتركيز على دور الوالدين في توثيق الصلة بين الطفل والقراءة منذ نشأته، كما أنّ هذه الانطلاقة تتطلّب إستراتيجية شاملة تجتمع فيها أدوار جهات متعدّدة من أُسرة ومدرسة وإعلام ومراكز ثقافية وجهات حكومية.
فما هي أسباب الابتعاد عن: القراءة أو الثقافة؟
ابتعد العديد من الشباب والطلبة في مجتمعاتنا عن قراءة الكُتُب والمطالعة بشكل كبير حيث أثر ذلك في نشر الكُتُب إضافة إلى عدد الكتّاب وعدد الكُتُب المطبوعة.
فنادراً ما تجد شاباً حتى من طلبة الجامعات قد قرأ كتاباً خارج المنهج المقرر ممّا يعني تدني المستوى الثقافي العام للمجتمع وخاصّة لدى شريحة المجتمع التي يمثِّلها الشباب بشكل خاص والنتيجة: أن يسير هذا المجتمع إلى الخلف أو إلى التخلّف.
إنّ هذا التخلّف يؤدّي إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين: الأُولى قليلة العدد ذات كفاءات علمية وثقافية كبيرة جدّاً والثانية كثيرة العدد وليس فيها من هو ذو كفاءة علمية، لكنّ هناك قاسم يجمعهما ألا وهو قلة القراءة وبالتالي الثقافة العامّة وهذا الأمر يعدّ كارثة حقيقية للمجتمع العربي ككلّ.
فما هي الأسباب التي تقود لمثل هذه الظاهرة؟
أوّلاً- السبب المادّي:
في البلدان الفقيرة أو النامية كما تُسمّى لا يملك الشخص ما يمكنه من العيش مع عائلته دون العمل على زيادة دخله الذي يستغرق الكثير من ساعات العمل بحيث لا تكون القراءة والمطالعة من أولويات اهتماماته، لكنّ هذا السبب ليس مقياساً ففي بعض الدول مثل دول الخليج العربي نجد دولاً غنيّة جدّاً وفيها نفس الحالة، كما نشاهد دولة مثل موريتانيا فقيرة في اقتصادها لكن أهلها جميعهم مثقفون يكتبون ويقرؤون ويشاركون في النشاطات السياسية.
ثانياً- ثقافة الجهل ومصادرة الأفكار:
وهذا ينبع من ثقافة الجهل التي ورثناها من الاستعمار حتى تمنع الشعوب المستعمرة من الثوره... وقد بقي هذا المبدأ قائماً إلى الآن في كثير من الدول هذا بالإضافة إلى الأفكار الرجعية التي قد تتشعب وتتفرع كثيراً متعللة بالدِّين وأكثر مظاهرها السياسة التي تسلط سيفها على رقاب المفكرين والكتّاب.
ثالثاً- سياسة بعض الحكومات العربية:
في الماضي كانت هذه هي السياسة الرائجة فلا يحقّ لك أن تقرأ إلّا ما تقّدمه لك هذه الحكومات، ولا يحقّ لك أن تفكر إلّا فيما تسمح لك به، لا يحّق لك إبداء الرأي إلّا بموافقتها لكن الوضع تغيرالآن نظراً لانشغال غالبية المجتمع بالتفاهات والأخبار التي تصرف النظر عن السياسة والاقتصاد والأحوال المجتمعية.
رابعاً- ارتفاع الاسعار:
العديد من شباب الجامعات يواجه العديد من الضغوط خاصّة ضخامة المناهج الدراسية فلا يتسنى له الوقت للاطلاع الخارجي أو لقراءة أي كتاب خارج المنهج الدراسي اللّهُمّ إلّا في العطلات الصيفية الطويلة التي يبحث فيها الشباب عن الترفيه من عبء العام الدراسي. اضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الكُتُب التي تصبح في غير متناول الطالب العادي.
إنّ القراءة هي الدعم الأساسي للثقافة مهما كانت صورها فالثقافة تكتسب تدريجياً ولا يمكن فرضها على أي كان فمتى نكون شعباً قارئاً والمقصود هنا ليس قراءة الأبجدية اللغوية أو أن نكون أميين أو لا إنّما القصد هي القراءة التي تميز بين الأشخاص أنفُسهم والآخرين وتهيئ لهم حبّ الاستطلاع والمعرفة وهو ما يقضي على التعلل بضيق الوقت وقلة المادّة المتوفرة هذا بالإضافة إلى العامل النفسي ونوعية الكتاب المقروء. إنّ التهافت على شراء الكُتُب يتبع دائماً ثقافة القراءة وهي التي تجعل مشاغل الحياة لا تحجب تلك المتعة القرائية واقتناء الكُتُب لأنّ ثقافة القراءة عندنا قد توقفت عند الكُتُب المدرسية التي أثرت عامل الجهل وقضت على الثقافة القرائية في مهدها.
يعتقد الكثير من المثقفين في العالم أنّ القراءة هي أفضل وسيلة لتنمية الثقافة ونشر التنوير.. لكن ما نوع هذه القراءة التي تسمح بتعزيز الثقافة، هل هي قراءة الصحف والدوريات أم هي قراءة المجلات الجادة والكُتُب؟ ولا شك أنّ هناك من يعتقد بأنّ التطوّرات التقنية الحديثة مثل الإنترنت قد تحد من قراءة الكُتُب، كما أنّ وسائل الاتصالات والإعلام ربما عطّلت مَلَكة القراءة لدى أفراد عديدين في مجتمعات. إنّ بيانات دُور النشر في الدول المتقدّمة تؤكّد أنّ الإقبال على الكُتُب مازال قوياً، وهناك مئات الآلاف من النسخ تطبع لأي رواية كتاب جذاب، بل إنّ طبعات عديدة تظهر لمثل تلك الكُتُب، بل أكثر من ذلك أنّ عدداً من الكتّاب الذين أصدروا بعض الكُتُب تمكّنوا من جمع ثروات طائلة مقابل إنتاجهم الفكري والثقافي.. بيد أنّ مسألة القراءة تتفاوت من مجتمع إلى آخر وكلّما ارتفعت درجة التحضر ومستويات التعليم زاد الإقبال على القراءة الجادة، وهذا يحدث حتى داخل المجتمع الواحد.. لا يعني ذلك أنّ أُولئك المنهمكين في القراءة لا يتابعون ما ينشر في الصُّحف أو يطبع على شاشات الإنترنت أو أنّهم لا يشاهدون ما يبث على القنوات التلفزيونية، بل على العكس من ذلك فأغلبيتهم متابعون جيِّدون يحرصون على التعرُّف على ما يجري حولهم.
يقود هذا الاسترسال في موضوع الثقافة والقراءة إلى مسألة نوعية القراءة وأؤكد أنّه بصرف النظر عن طبيعة القراءة، فإنّ القارىء الجاد سيجد طريقه إلى الثقافة الجادة والتي تمكّنه من تطوير مَلَكاته الفكرية وتعزز قدراته على إنتاج الثقافة في المجالات والتخصصات التي يجيدها، ولا يمكن لأي كاتب أن يكون قادراً على تعزيز قدراته في الكتابة إذا عجز عن القراءة والمتابعة للإصدارات الثقافية.. وليس الكتّاب وحدهم تلزمهم القراءة، بل إنّ جميع المهنيين لابدّ أن يراعوا المتابعة لما يُصدر وما يُكتب في مجالات تخصصهم، كما أنّ الثقافة العامّة والمتنوّعة يحتاج إليها الفنانون والممثلون والرسامون، ولا يمكن أن يكون هناك إنسان قادر على الإبداع في تخصصه أو مجال عمله دون أن يقرأ ويتابع ما ينشر، من دون ذلك ستبدو السطحية في أدائه.. وربّما تفسّر هذه الحقائق ما يبدو من عدم قدرة المحاورين ومقدمي البرامج الحوارية في تلفزيونات المنطقة على الإلمام بالقضايا التي يستعرضونها ويتحاورون حولها، إنّ عدم التحضير والقراءة حول المواضيع تفسر الكثير من نقاط الضعف في تلك البرامج وتجعلها مرهونة برغبات المشاهدين والمستمعين دون التزام بالحد الأدنى من تكريس الوعي وضمان نشر الحقائق، وعندما نتحدث عن الثقافة والقراءة لابدّ من التطرُّق إلى معارض الكُتُب التي تنتشر في البلدان الخليجية والعربية والتعرُّف على نوعية الكُتُب التي تجذب رواد هذه المعارض.
بعد ذلك تأتي مسألة اللغة حيث إنّ مَن يمتلك ناصية القراءة باللغات الأجنبية، وخصوصاً الإنجليزية أو الفرنسية، يستطيع أن يطوّر قدراته الثقافية بشكل أفضل، ولسوء الحظ لا توجد في البلدان العربية حركة ترجمة مقتدرة تستطيع أن تمكن قارىء العربية من متابعة الإنتاج الثقافي في البلدان المتطوّرة، ولا يمكن اعتبار ما يُترجم من تلك الإصدارات الأجنبية كافياً لنشر الوعي والمعرفة. وأستطيع القول إنّ جزءاً كبيراً من التخلّف الثقافي الذي نعاني منه في عالمنا يعود لعدم التواصل ولفقر الترجمة، وإذا كان المثقفون العرب بأغلبيتهم لا يقرؤون ما يُكتب بتلك اللغات فكيف يمكن أن نلوم القرّاء العاديين على تدني درجة ثقافتهم ومعرفتهم بما يدور في العالم؟ إنّ إشكالية القراءة، إذاً متشعبة ومعقدة تستلزم وعياً بمتطلبات الانتقال إلى مرحلة متقدّمة في الواقع الثقافي، وهذا يستوجب الاهتمام بالتعليم والثقافة كعناصر أساسية في العملية التنموية وتحرير الإنسان من الخرافة والعبودية الفكرية وتمكين العرب من التواصل مع الإبداع المعرفي في مختلف البلدان.
وهناك العديد من الأساليب لتنمية المهارات القرائية:
1 - التدريب على القراءة المعبرة والممثلة للمعنى.
2 - الاهتمام بالقراءة الصامتة.
3 - التدريب على القراءة السليمة، من حيث مراعاة الشكل الصحيح للكلمات ولا سيما آخرها.
4 - معالجة الكلمات الجديدة بأكثر من طريقة مثل: استخدامها في جملة مفيدة، ذكر المرادف، ذكر المضاد، طريقة التمثيل، طريقة الرسم.
5 - التدريب على الشجاعة في مواقف القراءة ومزاولتها أمام الآخرين بصوت واضح وأداء مؤثر دون تلجلج أو تلعثم أو تهيب وخجل.
6 - التدريب على القراءة بسرعة مناسبة، وبصوت مناسب.
7 - التدريب على الفهم وتنظيم الأفكار في أثناء القراءة.
8 - التدريب على القراءة جملة جملة، لا كلمة كلمة.
9 - التدريب على التذوق الجمالي للنص، والإحساس الفني والانفعال الوجداني بالتعبيرات والمعاني الرائعة.
يقول أحد الكتّاب العرب: إنّ الاهتمام بالقراءة عند العرب أقل من أي شعوب أخرى في العالم، خاصّة عند الجيل الحالي إذ إنّ مبيعات الكُتُب قد تراجعت بشكل ملفت للنظر حسب الإحصائيات، كما قلّ عدد المكتبات مقارنة بزيادة عدد السكّان في الدول العربية، فأهم مصدرين للكُتُب والكتابة كانتا مصر ولبنان، مع ذلك لم يتعد عدد المكتبات الجديدة فيهما خلال الخمس والعشرين سنة الماضية عدد أصابع اليد.
وبعض الاحصائيات تقول: إنّ القاهرة عاصمة الكتاب بين الدول العربية، لم يزد عدد مكتباتها منذ بداية السبعينات مقارنة بزيادة عدد سكّانها، وحسب هذه الإحصائية فإنّ عدد المكتبات بقي كما هو عليه منذ 20 عاماً، أمّا المكتبات العامّة فلم تنشأ منذ 30 عاماً، مقابل ذلك تُطبع وتُصدر وتوزع سنوياً مئات الألوف من الكُتُب في مختلف الدول حتى الأقل منّا إمكانية.
وحسب تقرير اليونيسكو، فأعلى نسبة للأُمّية في العالم هي في الوطن العربي، والقراءة لا تأتي في المرتبة الأولى عند المواطن العربي خاصّة في العصر الحالي حيث تعدّدت الهوايات واختلفت، وتأتي القراءة في أدنى مرتبة منها.
فلا غرابة أنّنا لم نقرأ أو نسمع أنّ المبدعين من الكتّاب العرب أمثال طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي، وغيرهم الكثيرين الذين أبدعوا في نقل أحداث تاريخية عبر العصور، وأحداث معاصرة تعبر عن واقع الحياة، تفاعلنا معها من خلال كتبهم وروائعهم التي أصبح بعضها من أشهر الأفلام العربية، والمسلسلات التلفزيونية.. مع ذلك لم نقرأ أو نسمع عن مكسب مادّي حقّقه أحدهم يوازي ما يحصده الكتّاب في الغرب والذين أغلبهم يحصد ثروة حتى لو كتبَ مسيرة حياته أو قصصاً للأطفال، هل لأنّ الاهتمام بالعلم والمعرفة عندهم يأتي فوق كلّ شيء، لأنّه أساس التقدّم والازدهار؟►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق