• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ميزة اللطف وحُسن المعاملة

ميزة اللطف وحُسن المعاملة

 

"نعم، إنّها امرأة لطيفة جدّاً أو إنّه شخص لطيف". هذه العبارة على ألسنة البعض قد يعنون بها "نعم إنّها ساذجة" أو "إنّها مسكينة" أو إنّه شخص "ساذج" أو "مسكين". فلماذا يعتقد الناس أنّ الذكاء يتعارض مع اللطف والطيبة؟ ولماذا أصبح البعض يتجنب إظهار طيبته للآخرين؟ إليك ستة أسباب علمية وجيهة لتكون طيب القلب ولطيف؟

كان المفكر الفرنسي الشهير فولتير يقول: "اللطف هو ميزة تقوم على الذكاء"، أي أنّ الشخص الذي لا يتميز بالذكاء، لا يمكن أن يكون لطيفاً، وأنّ الشخص اللطيف هو بالضرورة شخص ذكي، يعرف كيف يكسب محبة الناس من حوله. فاللطف وحُسن المعاملة مع الناس من الفضائل التي تفتح العقل، وتُغني العلاقات الإنسانية وتنشر السلم بين الشعوب. وإذا بحثنا من وجهة نظر علمية، نجد أن هناك مجموعة من الدراسات أثبتت أنّ الإنسان اللطيف لا يُسعد الآخرين فقط، بل يُسعد نفسه أيضاً، وربما من دون أن يدري أو يقصد ذلك. نتائج هذه الدراسات هي رد قاطع على كلّ مَن يبحث عن السعادة في الأخذ، بدل أن يبحث عنها في العطاء. وما نذكره هنا ما هو إلا البعض من هذه الدراسات.

    

- يولد الإنسان لطيفاً منذ المهد:

بعد بضع ساعات من ولادتهم، يُبدي الأطفال الرضع حساسية وتعاطفاً تجاه حزن الآخرين. إذ يكفي أن يسمع الرضيع بكاء رضيع آخر لكي يبدأ هو أيضاً في البكاء، ويشتد بكاؤه أكثر إذا سمع تسجيلاً لصوت بكائه هو نفسه. لهذا، استنتج الباحثون الأميركيون الذين أنجزوا هذه الدراسة، أنّ الطيبة أو التعاطف مع الآخرين، حتى وإن كان يمكن أن يتم حفزه لدى الطفل من خلال التربية، هو أيضاً شيء غريزي في نفس كلّ إنسان يولد معه عند ولادته.

    

- القردة تتضامن مع بعضها:

في مركز علم الفصائل في ويسكونسون الأميركية، راقب العلماء نسناسة صغيرة اسمها أزاليا، ولدت عام 1988 في المركز نفسه، وهي من فصيلة نسناس الماكاك الأمازيغي، وموطنه الأصلي جبال الأطلس في المغرب والجزائر وجبل طارق. بدأت أزاليا تُصدر أصواتاً متميزة ولوحظ لديها عجز في الحركة، وبعد التشخيص اتضح أنها تعاني مرض المنغولية. فأصبحت كلّ الحركات والأنشطة العادية التي تقوم بها القرود، مثل الأكل، الجري، القفز.. صعبة بالنسبة إلى أزاليا وربما مستحيلة. مع ذلك، فإنّ أسرتها من النسانيس لم تلفظها أو تتخلّ عنها، بل إن نسانيس أُخرى من مجموعتها ومن غير أسرتها بدأت تهتم بها وتساعدها حتى في قضاء حاجتها (استعمال المرحاض) مرتين في اليوم أكثر من أقرانها الصغار. النتيجة التي توصلت إليها هذه الدراسة لم تكن الأولى من نوعها، فقد توصل علماء سلوك الحيوان من قبلُ إلى أنّ القردة الكبيرة تبدي تسامحاً وتعاطفاً ورعاية أكبر للحيوانات المعاقة، إذا وجد حيوان مُعاقِ داخل جماعتها. ففكر للحظة، ماذا لو تَشبَّهنا بالقردة وعدنا إلى التعاطف والتعامل بلطف مع بعضنا بعضاً؟

    

- مساعدة الآخرين هي مساعدة للذات:

هل تعلم أنّ الأطفال الذين يبدون اجتماعيين، بمعنى أنهم يحبون الاختلاط بالناس، ويهتمون بالآخر ويعاملون غيرهم بلطف، ليسوا فقط محبوبين أكثر من غيرهم، بل إنّهم أيضاً متفوقون في المدرسة؟ فقد بيّنت دراسة نُشرت في (سيكولوجي بريس عام 2002) وأجريت على مجموعة من الأطفال يواجهون صعوبات في الدراسة، بيّنت أنّ الأطفال الذين يتطوعون لمساعدة الآخرين لإنجاز واجباتهم المدرسية، يُحسّنون نتائجهم الدراسية ويحصلون على علامات أعلى في المدرسة. وفي تجربة أجريت على أطفال كان مستواهم المدرسي متساوياً في البداية، تبيّن بعد سنتين، أنّ الأطفال الاجتماعيين والذين يساعدون غيرهم، أصبحوا يحصلون على علامات، أفضل من أولئك الذين لم يكونوا يساعدون سوى أنفسهم. إذن، ألا ترى أن حُسن تقدير الأطفال ذواتهم، وصورهم الإيجابية في عيون مَن حولهم هي أيضاً من فضائل أن يكون المرء لطيفاً مع من حوله؟ ألا يثبت لنا هذا أنّ الشخص اللطيف لا يفيد غيره فقط، بل يفيد نفسه أيضاً؟

    

- التسامح مفيد لصحة القلب:

ماذا لو علمت أنّ التسامح مفيد لصحة القلب والشرايين؟ أجريت تجربة (نشرت في سيكولوجي ساينس، 2001) على متطوعين وُضعوا في موقف اعتداء عليهم مرتين، بحيث يصدر عنهم في كل مرة رد فعل مضاد للمرة الأخرى. في المرة الأولى طُلب منهم أن يتخيلوا أنفسهم وهم ينتقمون من شخص ما. ولتأجيج مشاعرهم، طُلب منهم أن يفكروا في جراحهم والألم الذي تسبب لهم فيه ذلك الشخص. وفي المرة الثانية طُلب منهم أن يتخيلوا أنهم يتسامحون مع ذلك الشخص ولا ينتقمون منه، وقيل لهم إنّ المعتدي هو أيضاً بشر مثلهم، وإنّ له عيوبه وإنه هو أيضاً يعاني ضغوطاً ومشاكل في حياته اليومية، حتى يدفعوهم إلى التعاطف مع الشخص الذي اعتدى عليهم. وتم توصيل المتطوعين، كل واحد منهم، بجهاز تخطيط القلب، إضافة إلى ربطهم بأجهزة أخرى لقياس الضغط في كلّ مرّة من المرتين، وبيّنت النتائج أنّ الأحاسيس السلبية، مثل الحقد والرغبة في الانتقام، أدت إلى ارتفاع إيقاع نبضات القلب وارتفاع الضغط الشرياني. بينما في حالة التسامح والتعاطف مع الآخر، حتى لو كان مُعتدياً، فإنّ المؤشرات الجسميّة لدى الأشخاص أنفسهم كلها تكون معتدلة وطبيعية. ألا يعني هذا أنّ الحقد وكره الآخرين يُؤذيان صاحبهما قبل أن يؤذيا أي أحد آخر؟

    

- الطيبة تولّد الطيبة:

هل قرأت يوماً ما أن ألعاب الفيديو يمكن أن تؤثر في حُسن سلوك الطفل ومعاملته للآخرين؟ نعم هذا صحيح. في تجربة أجريت في اليابان (نشرت في سيكولوجيكال سانيس، 2009)، اقترح العلماء على مجموعة من الأطفال بين سن 12 و16 سنة، بالتناوب، ألعاباً إلكترونية عنيفة وأخرى غير اجتماعية وثالثة محايدة، وبعد ذلك قاموا بقياس درجة تَقبُّل الأطفال للآخر. وكان الفرق واضحاً لا يقبل الشك، فالأطفال الذين لعبوا بالألعاب التشارُكية والاجتماعية حصلوا على أعلى الدرجات في الطيبة واللطف من الآخرين.

    

- العمل التطوعي يقلل الكآبة:

عندما يتجه الإنسان نحو الآخرين في أعماله وسلوكياته، وعندما يتطوع للعمل في مساعدة الجمعيات الخيرية، فهذا أيضاً عمل يُفيد صاحبه كما يفيد الآخرين، إن لم يكن على المدى القصير فعلى المدى الطويل بالتأكيد. ففي دراسة تم نشرها في "بروسيدين أوف ذي ناشونال أكاديمي أوف ساينس، 2001)، أجريت على مجموعة من مرضى الزهايمر، تَبيّن أنّ الأشخاص الذين يشاركون في أنشطة تطوعيّة حصلوا على علامات أكثر من المتوسطة، من حيث التقييم العلمي لمدى شعورهم بالسعادة، ومستوى جودة الحياة وتقدير الذات. وثبت أيضاً أنهم أقل تعرُّضاً للاكتئاب من غيرهم، وبَدَا أنهم أقل تأثراً بمرض ألزهايمر، وأن صحتهم العامة أفضل وأن مستوى الوفيات بينهم أقل. صحيح أنّ العمل التطوعي مفيد، كما أثبتت هذه التجربة، لكن على أن لا يزيد على 100 ساعة في السنة، وهو ما يعادل ساعتين في الأسبوع تقريباً. فهناك فرق بين العاء ونكران الذات وإهمالها.

ارسال التعليق

Top