على الرغم من أنّ مشاهدة التلفزيون تعتبر عملاً سلبياً، بمعنى أنّ المشاهد يمكنه أن يشاهد البرامج التلفزيونية دون أن يقوم بأي نشاط، بل يستطيع الجلوس ويشاهد دون أن يضطر للحركة أو حتى لتحليل أو التفكير أحياناً فيما يشاهده، بل يتلقاه هكذا دون مناقشة.
بخلاف نشاط القراءة، الذي يعتبر نشاطاً إيجابياً، ذلك أنّ القارئ يستحضر ذهنه وفكره وخبراته في الحياة حين يقرأ، وإذا فاته شيء، فإنه يعود لأوّل الفقرة أو الصفحة للقراءة مرّة أخرى، لكي يستوعب ما يقرأه، ويفهمه ويهضمه.
تتحدَّث بعض الأدبيات الإعلامية في الفترة الأخيرة حول تشجيع عملية المشاهدة الإيجابية أو النشطة للتلفزيون، وذلك عبر "صنع" المشاهد الإيجابي أو النشط، وذلك للحد من "أو للتقليل" من أضرار المشاهدة الكثيفة، والمستمرة للبرامج التلفزيونية، والتي أثبتتها نتائج الكثير من الأبحاث النفسية والاجتماعية والعلمية، وحتى الطبية التي أجريت في هذا الشأن.
ولكي نفهم الصورة كما يجب، فقد حاول كثير من المؤسسات الاجتماعية المهتمة بعلاقة الإعلام بالمجتمع مخاطبة وسائل الإعلام لكي ترتقي بمضمونها، وتقلل من مشاهد العنف والإباحية التي يتم عرضهما في سياق مضامين إعلامية كثيرة؛ ولكن هذه المخاطبات لم تؤثر كثيراً، لذا اتجهت تلك المؤسسات الإجتماعية إلى توعية المشاهدين لكي يصبحوا هم بأنفسهم الرقيب على أنفسهم، وذلك من خلال مفهوم الجمهور النشط.
بإمكان المشاهد أن يكون مشاهداً نشطاً وإيجابياً، وذلك من خلال تنمية حاسّة المشاهدة النقدية لديه منذ الصغر، بحيث لا يتقبل أي شيء يشاهده هكذا على عواهنه، بل يحاول أن يناقش ما يشاهده، وأن يحاول أن يفهم هدف الرسالة الإعلامية، وهدف المؤسسة الإعلامية من وراء بث هذا البرنامج.
كما يمكنه أن يتعلم فنّ الاختيار من بين المئات من القنوات الفضائية المتاحة أمامه، ومن بين الآلاف من البرامج التلفزيونية المعروضة أمامه في هذا البوفيه الإعلامي، وهذا النشاط ليس بالأمر السهل، إذ يحتاج الدربة والتعليم حتى يتقنه الشخص. لذا من الأمور المعينة خلق المشاهد النشط هو في تخصيص وقت محدد يومياً للمشاهدة النوعية، وأقصد بالنوعية أن يكون ما يشاهده مفيداً وهادفاً، وبذلك يحصل على كلا الحسنيين: تحديد وقت المشاهدة، وتحديد مضمون المشاهدة.
هناك أمر آخر يساهم في خلق المشاهد النشط، وهو مسألة إبداء الرأي فيما يشاهده، والتفاعل معه بحيث يمكنه من إرسال رد فعله إلى المؤسسة الإعلامية، لكي يعبر عن رفضه أو قبوله لما تثبه من برامج. هذه التغذية العكسية لها تأثير إيجابي في توعية المؤسسة الإعلامية بما يظنّه الجمهور في برامجها. ومع الاستمرار في التعبير عن الرأي فيما تبثه القنوات التلفزيونية، فإنها في نهاية المطاف سوف تغير من سياستها الإعلامية لكي تتلاءم مع رغبات وحاجات الجمهور، لأنها في الأخير مؤسسات ربحية، تهدف إلى كسب الجمهور لكي تستقطب شركات الإعلان.
فمثلاً، في كندا تقدم ما يقرب من 000/200 من الكنديين بالتماسات للحد من مشاهد العنف، إلى اللجنة الكندية المختصة بالراديو والتلفزيون والاتصالات، وذلك بعد مذبحة مونتريال في عام 1989م، والتي راح ضحيتها 14 طالبة في جامعة مونتريال رمياً بالرصاص.
كما قام 3/1 مليون كندي بالتوقيع على التماس آخر يطالب بعمل تشريع ضدّ العنف، كما انضمّ إليهم ما يقرب من 000/350 معلم يلحون في طلب إجراء سريع، الأمر الذي ساهم في إصدار قوانين اختيارية والمتعلقة بالعنف بوساطة الشبكات الإذاعية (1992)، على الرغم من أنّ المنتجين لم يتقيدوا بها لأنها إجراءات اختيارية؛ ولكن احتجاج المشاهدين والجمهور ساهم بإصدارها.
يجب أن يساهم الجميع بخلق جمهور واع لما يستقبله من رسائل إعلامية على مدار اليوم، بحيث نستطيع أن نُرشِّد عمل المؤسسات الإعلامية، ولا ندع لها الحرية الكاملة فيما تفعله، دون أن نبدي حتى رأينا في طريقة عملها.
ضعف الحاسة النقدية لدى الجمهور، والمشاهدة الكثيفة، وانعدام ردّ الفعل من الجمهور نحو ما تبثه وسائل الإعلام، كلها أمور ساهمت في تعظيم أضرار وسائل الإعلام على الأفراد، لذا تبدو الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى، في أن نروج لفكرة الجمهور النشط، ولنبدأ بأنفسنا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق