• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نحو وهج الضوء

رونا صبري

نحو وهج الضوء
كلّ تلك التفاصيل الصغيرة العالقة في ذهني لن تبرحه. منذ انسدال طيفها وخفقة الحب في قلبه، ثمة نظرة خاطفة التقطها من عينينها ليطمئن إلى أنّه في الطريق الصحيح. لكأنّه يجعل نظراتها وسط الجموع مصدر أمام له. تبثه الثقة وتدفعه إلى التقدم، كأنها تقول له بعينيها: استمر لا تتوقف يا حبيبي لا تهب أعينهم، فعيني تحرسك. هذا ما لمحته بينهما في تلك الأمسية التي حضرناها أنا وهي في شركته، وكان فيها العديد من الخبراء الأجانب، وكنت أنا بمثابة الصك الشرعي لخروجها من المنزل للمشاركة في حفل يبدأ في الثامنة مساءً حين ترجتني أن أمرّ عليها وأصعد حتى يراني والدها، اعتقاداً منها أنّه وقتها سيخجل من منعها أمامي.

كلّ شيء فيها يتغير بسرعة كبيرة، لكأنها أقسمت أن تتشكل من جديد لأجله، حتى تليق بحبه الذي يغمرها ويشدها إلى منطقة الغرق فيه. شعرها الذي صبغته بلون أخبرها ذات أمسية أنّه يعجبه، لأن نجمته المفضلة كاميرون دياز تلون به خصلاتها. هو يخبرها مرة تلو الأخرى أنّ الجمال الخارجي لا يعنيه بقدر ما تعنيه الروح الرائعة التي تحمل. أي عالم مسحور ذاك الذي نقلها إليه؟ أي صخب روحي جديد بعث في أوصالها الحياة؟ باتت تدعو الله في السجود أن يديم هذا الحب الذي يهون الكثير من ألمها وبغضها للأشياء والناس. لم تعد العزلة بهجتها كما كانت. لكم احتفظت بكل ملابسها التي التقته بها من دون غسل أشهراً عديدة. كانت تتنشق طيفه في غيابه. تحتضن اللحظات قبل فرارها في أمسياتها الهادئة. تنام مبكراً لتحلم به، ثمّ تستيقظ مع أوّل خيوط النور ترسل إليه على بريده الإلكتروني صوراً لعصافير صغيرة أو فنجان قهوة وتكتب للصباح رسالة تبدأ من عينيه وتنتهي إلى قلبها.

هي تحدثني عنه كثيراً، لا تكف ولا تمل، كأنها نحلة تعمل في خلية لبناء الأحلام. صحيح أنني لبعض الوقت شعرت بغيرة، ولكن ليس منها، بل من المشاعر الجميلة التي غيّرتها تماماً حتى إنها غيرت من مظهرها الخارجي وملابسها وتلك البسمة التي علت محياها. فلا يمكن لشخص أن يراها إلا ويعلم أن هناك حباً في الأفق أشاع بنوره عليها. هاتفها تغيّر لكيلا يحادثها زملاؤنا في العمل. رتبت أحلامها ومستقبلها عليه ومنه وفيه. لم تخجل من كلمة "حبيبي"، تلك التي تغرد من شفتيها حين تختطف هاتفها كنورس مهاجر يختطف طعامه من أمواج عاتية، ثمّ بلهفة مجنونة تقول: "ألو حبيبي وحشتني أوي". الحب الذي اجتاح صديقتي لم يكن شيئاً عادياً. رأيت محبين كُثراً لكني لم أرَ الملامح تتغير بالحب، والصفات تختلف وتصبح من إنسانة حزينة قلقة إلى هادئة وادعة مطمئنة ومبتسمة.لطالما سألت نفسي: هل يستحق حبها وقلبها الذي تعطي بلا تفكير؟ لكني أعود وأقول: ومن يدري أنّ الرجل الصحيح سيظهر في الوقت الصحيح أو الوقت الخاطئ؟ بعد كم تجربة حب نشعر بأننا أمام القدر السعيد؟ فحولنا سيدات متزوجات وفي قمة التعاسة، وأزواج أيضاً لا يفكرون إلا في أنفسهم، يحاولون الهروب وأبداً لم يحاولوا الإصلاح، لعله نوع من فقدان الأمل.

ذات نهار، نظرت من نافذة المكتب فوجدته واقفاً بسيارته ينتظر خروجها قبل موعد انصرافنا بعشر دقائق، انتبهت أنا إلى وجوده، لكني لم أظهر معرفتي بالأمر. رأته هي بعد برهة، فابتسمت والتفتت في عفوية طفولية للغاية، ثمّ قالت: "النهارده كام في الشهر؟ فقلت لها 21 يونيو (شهر 6)". ثمّ صرخت وقالت: "أنت مش بتنسي حاجة أبداً يا عمري، تعرفي أنّ النهارده ذكرى أوّل لقاء لنا؟". ثمّ التقطت حقيبتها على عجالة ودخلت إلى دورة المياه وخرجت ورائحة العطر تفوح منها والكحل يتراقص على جفونها.. أتعلمون؟ وقتها دعوت الله أن يرزقني جزءاً من هذا الحب، أود تجربة هذه النشوة لبعض الوقت، حتى وإن لم تدم. فيكفي أنها ستجعل السعادة تطرق أبواب العتمة يوماً.

 

*كاتبة من مصر

ارسال التعليق

Top