◄من الحق أن أفهم نفسي، وأعرف شخصيّتي وقيمتي في الحياة.. إنّني إنسان، وللإنسان قيمة كبرى في هذا الوجود، وعليه مسؤولية خطيرة في هذه الحياة.. لقد ولدتُ على هذه الأرض مكرّماً محترماً.. لقد منحني الله سبحانه كلّ هذه الحقوق، كما وهبني حقّاً ونصيباً في هذه الحياة، قال تعالى: (وَلَقَد كَرَّمْنا بَني آدَمَ وحَمَلْناهُم في البَرِّ والبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلى كَثير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70).
كما ولدتُ على الفطرة، وجوداً نقيّاً، خالصاً من الشرِّ والسّوء، وولدت معي غرائز ومشـاعر ووجـدان وأحاسيس. فنمت كما ينمو جسمي وتفتّح عقلي، وبالعقل والغريزة بدأتُ أتعامل مع الحياة.. ومن الحقّ أن اُعبِّر عن كلّ ذلك تعبيراً سليماً.. واُدرِك جيِّداً أنّ على عاتقي مسؤولية الحفاظ على صفحتي بيضاء ناصعة في سجلّ الحياة..
إنّ شخصيّتي ومُستقبل حياتي أمانة بيدي، أتصرّف بهما كيف أشاء، وأقود نفسي كيف أشاء.. فطرق الحـياة كثيرة مُتشـعِّبة، فيها التِّيه والضّياع، وفيها الخير والرّشاد.
لقد انحدر اُناس كثيرون وما زالوا في سنّ مبكِّرة، بعضهم لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، فذهبوا فريسة النّزوات، والتعامل السيِّئ مع الدوافع الغريزية..
لقد استولى على هؤلاء الجهل أو الغرور، أو استسلموا للأوهام وعالم الخيال، أو قادتهم اللّذّة والمُتع نحو الهاوية، فتلوّثت صفحاتهم، وثبّت القضاء ودوائر التحـقيق الجـنائي تلك الأعمال لوثة عار في ملفّاتهم، وصار الناس ينظرون إليهم نظرة الاحتقار.. وقلّ ما نجد مَن يعطف عليهم، ويسعى لإنقاذهم ممّا هم فيه.
احترام الشخصية:
إنّ أعزّ ما يملك الإنسان هي شخصيّته وهويّته الذاتيّة، وهي أمانة في عنقه، قد كرّمه الله بها، وحرّم عليه أن يهين نفسه، أو يذلّها، أو يستهين بما عنده من كفاءة. شرح الإمام الصّادق (ع) هذا المبدأ الهام بقوله: «إنّ الله تباركَ وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلاّ إذلاله نفسه»[1].
إنّ مسؤوليات الإنسان تجاه نفسه أن تحتفظ له الدوائر المختصّـة بملف شخصي نظيف يُشكِّل تأريخه الإجتماعي، ومثل هذا الملف يكوِّنه الناس عنه في ذاكرة المجتمع، وليس ملفّاً ملوّثاً سيِّئ السّمعة، ويستحي منه صاحبه..
إنّ مجالات احترام الذّات وتوفير الكرامة للشخصية كثيرة، كما أنّ مجالات استهانة الانسان بشخصيّته وقدراته وكفاءاته وقيمته كثيرة أيضاً..
فالكذب والاعتداء على الآخرين؛ سبب لجلب الإهانة على النفس..
وارتكاب المخالفات الأخلاقية سبب لجلب الإهانة، والحطّ من قيمة الشخصية..
وقبول الذِّلّ والمهانة والإحتقار سبب لتحطيم الذات، وفقدان قيمتها؛ سواء قَبِل الإنسان ذلك من أجل المال أو الجنس أو اللّذّة، أو الشّهرة، أو بسبب الجبن أو النِّفاق... إلخ.
والشعور بالنقص، والإيحاء للنّفس بالعجز عن تحمّل الأعمال، والمشاركة في العطاء والإبداع والإنتاج، وخدمة المجتمع، هو تحطيم للشّخصية من قِبَل صاحبها.
فقد وهب الله كلّ إنسان طاقة وكفاءات ومواهب، وعليه أن يستثمرها ويوظِّفها، ولا يستهين بما عنده من طاقة وكفاءة..
إنّ الله سبحانه لم يحرم النّاس من المواهب.. فللبعض مواهب وقدرة على تلقِّي علوم الطِّب، وآخـرين على تلقِّي علوم اللّغة، وثالث على الإنتاج والإبداع الفنِّي والثّقافي، وآخر على العمل التجاري، وغيرهم على الأعمال الحرفيّة واليدويّة، وآخرين على الأعمال الإداريّة، ولبعضهم القدرة على الجهد العسكريّ أو العمل السياسيّ... إلخ.
وهكذا فإنّ الفرد يكتشف طاقته من خلال التجربة، ولا يستهين بما عنده من قدرة وكفاءة.
وكم من الناس يضيِّع ما عنده من طاقة وقدرات فكريّة وعمليّة واستعدادات نفسيّة للعمل والإبداع بسبب التشاؤم، والإحساس بالنّقص والإنطواء على الذّات، فيقتل بذلك إمكانيّاته الذاتيّة، ويبخس نفسه حقّها، ويفوِّت عليها الفرصة للتقدّم والنجاح.
إنّ الثِّقة بالنّفس والأمل والتفاؤل قوى نفسيّة تمنح الذّات ديناميكية وتصنع من الإمكان والإستعدادات الكامنة طاقة خلّاقة تعمل على تنمية الذّات، فإنّ التوكّل على الله، والثِّقة بالنّفس، مفتاح العمل والنجاح.►
.......................................
[1]- ميزان الحكمة/ ج3/ باب الذلة.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
mona ahmed
"إنّ الثِّقة بالنّفس والأمل والتفاؤل قوى نفسيّة تمنح الذّات ديناميكية وتصنع من الإمكان والإسـتعدادات الكامنة طاقة خلّاقة تعمل على تنمية الذّات، فإنّ التوكّل على الله، والثِّقة بالنّفس، مفتاح العمل والنجاح". شكراً للكاتب المحترم.. (كلام راقي وعميق).