• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نعم الله عز وجل لاتحصى

مركز نون للتأليف والترجمة

نعم الله عز وجل لاتحصى
تمهيد: قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (المائدة/ 6-7). إنّ من أعظم النعم الإلهية على الإنسان نعمة الإسلام وولاية الله عزّ وجلّ؛ حيث صفاء القلوب وطهارة الأعمال. ولا سيّما إذا عرفنا أنّ من هذه النعمة العظمى تشعّ كلّ النعم الإلهيّة على العالمين. ولذا أخذ الله سبحانه ميثاقاً على الإنسان لكي يتذكّر هذه النعمة العظمى ويشكره عليها، (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران/ 144)، وشكر الله سبحانه على هذه النعم يزيد في نماء النعم الإلهية وتكاثرها على الإنسان (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7)، ولكن من المحزن أن يكون الشاكرون لله سبحانه هم قلّة بين الناس (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ/ 13).   - نِعمُ الله لا تُحصى: لقد منّ الله عزّ وجلّ بِنِعم يعجز الإنسان عن أن يُحصيها أو يعدّها، قال تعالى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 34). وقال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل/ 18). وعن الإمام علي (ع): "الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يُحصي نعماءه العادون". وعنه (ع) – أيضاً –: "أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله ما لا نُحصيه، مع كثير ما نُحصيه، فما ندري أي نعمة نشكر أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر؟!".   - أنواع النِّعَم الإلهيّة: تُقسم النِّعَم الإلهيّة على الإنسان بين نِعَم ظاهريّة ونِعَم باطنيّة، قال عزّ وجلّ: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (لقمان/ 20). وورد عن ابن عبّاس في تفسير هذه الآية الكريمة، "قال: سألت النبي (ص) عن قوله تعالى: (ظاهرة وباطنة). فقال: يابن عباس! أمّا ما ظهر فالإسلام، وما سوّى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق، وأمّا ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به. يابن عباس إنّ الله تعالى يقول: ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ما له أُكفِّر به عنه خطاياه، والثالث: سترت مساوئ عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتُها عليه لنبذه أهله فمن سواهم...   - من مظاهر النِّعَم الإلهيّة: إنّ نِعَم الله عزَّ وجلَّ على الإنسان كثيرة لا تحصى – كما أشرنا مسبقاً – نذكر هنا بعض مظاهرها وتجلّياتها في حياة الإنسان المؤمن، والتي من أبرزها وأعظمها: 1- نعمة خلق الإنسان وأصل إيجاده في عالم الوجود، فعن رسول الله (ص) لعليّ (ع): "قل ما أوّل نعمة أبلاك الله عزّ وجلّ وأنعم عليك بها؟ قال: أن خلقني جلّ ثناؤه ولم أشك شيئاً مذكوراً، قال: صدقت". 2- ومن نِعَم الله تعالى على الإنسان الرزق والسعة في المال "اللّهمّ اعطني السعة في الرزق". وهنا لابدّ أن يقطع الإنسان بأنّ مصدر الرزق هو الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) (هود/ 6)، بالتالي لابدّ أن يسعى الإنسان نحو الرزق الحلال الطيِّب وأن يكون السؤال والطلب من الله سبحانه. ولكنّ الأفضل من الرزق والسعة فيه هو "الصحّة في الجسد والقوّة في البدن"، قال الإمام الصادق (ع): "العافية نعمة خفيّة إذا وُجدت نُسيت، وإذا فُقدت ذُكرت والعافية نعمة يعجز الشكر عنها". وأمّا أفضل من كلّ ذلك وأهمّ هو (السلامة في الدين)، أي تقوى القلوب وإخلاصها إلى الباري عزّ وجلّ. وهذا ما أكّد عليه الإمام عليّ (ع) حينما قال: "إن من النِّعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحّة البدن، وأفضل من صحّة البدن تقوى القلب". 3- نعمة الأمان في الوطن، وهي من النِّعم الأساس في حياة الفرد والمجتمع. وإذا كانت نعمة الأمان في الدنيا هي نعمة مطلوبة ومهمّة، فإنّ أمان يوم القيامة ويوم الفزع الأكبر هو أكثر أهمية من أمان الدنيا والوطن. وهنا نسأل أنفسنا: هل تهيّأنا واستعددنا لذلك اليوم؟ وما هو المطلوب منّا لننال نعمة الأمان والرحمة الإلهيّة يوم القيامة؟ إنّ أهل الأمان يوم القيامة هم المحسنون في الدنيا، وأهل العمل الصالح، قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (النمل/ 89). 4- نعمة الزوجة والأولاد والحياة الأُسريّة السعيدة. وهذا ما أكّد عليه المولى عزّ وجلّ: (.. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان/ 74). وهنا لابدّ أن نسأل: كيف تكون الحياة الزوجية والأُسريّة سعيدة بنظر الإسلام العزيز؟ نُلاحظ أنّ روايات أهل البيت – عليهم السلام – جاءت بالعديد من النصائح والتوجيهات لكلا الزوجين، ودعتهم للأخذ بها عند الإقبال على بناء بيت الزوجية، بُغية التمتّع بنعمة الحياة الأُسرية المليئة بالحبّ والعاطفة والسعادة. فعلى سبيل المثال ورد عن النبي (ص) أنّه قال: "إنّ خير نشائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرِّجة مع زوجها، الحصان على غيره؛ التي تسمع قوله وتُطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يُريد منها". وعنه (ص): "من سعادة المرء الزوجة الصالحة". وفي المقابل قال رسول الله (ص): "إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". وممّا سبق نستنتج: أنّ رؤية الإسلام للحياة السعيدة في الأُسرة لا تقوم على المال فقط وعلى الجمال فقط، بل الحياة السعيدة هي التي تجمع بين الجانب المادي والجانب الأخلاقي معاً. فعن الإمام الصادق (ع) قال: "إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وُكِلَ إلى ذلك، وإذا تزوّجها لدينها رزقه الله الجمال والمال.   - من الأمور التي تُديم النِّعم وتزيدها: لقد سخّر الله تعالى جميع مخلوقاته في خدمة الإنسان والرقيّ به نحو الكمال، وهي نِعَم لا تدوم ولا تزيد إلا بوجود أسبابها وأداء الواجب نحوها، كما يقول أمير المؤمنين (ع) في صفة الإسلام: "فيه مرابيع النِّعم، ومصابيح الظُلَم، لا تُفتح الخيرات إلا بمفاتيحه، ولا تُكشف الظلمات إلا بمصابيحه". لذا كان لابدّ للإنسان من أن يقوم بما يفي لهذه النِّعم الإلهية ولو بالقليل، كالقيام على سبيل المثال بـ: 1- أداء الشكر لله على هذه النِّعم، لأنّ الشكر يزيد في النِّعم والبركات. قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف/ 96)، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (المائدة/ 66).  2- الدوام على ذكر نِعَم الله وعدم الغفلة عنها؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر/ 3). وعن رسول الله (ص) في قوله تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) (إبراهيم/ 5)، (أي): "بنعم الله وآلائه"، وعن الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى/ 11): "الذي أنعم عليك بما فضّلك، وأعطاك وأحسن إليك، ثمّ قال: فحدّث بدينه وما أعطاه الله وما أنعم به عليه".  أيضاً: معناه اذكر نعمة الله وأظهرها وحدِّث بها، وفي الحديث: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، والتحدُّث بنعمة الله شُكر وتركه كُفر"، عن الإمام عليّ (ع): "أحسنوا صحبة النِّعم قبل فِراقها، فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها". 3- القناعة بنِعَم الله تعالى وعدم الإسراف فيها، قال الإمام الكاظم (ع): "من اقتصد وقنع بقيت عليه النِّعمة، ومن بذّر وأسرف زالت عنه النِّعمة". 4- السعي في قضاء حوائج الناس، قال الإمام علي (ع): "من كثُرت نِعَم الله عليه كثُرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء". 5- الامتناع عن ظلم الناس والاستعانة بنعم الله على معاصيه لا سيّما التكبُّر على عباده، قال الإمام علي (ع): "ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم فيها، إلّا كان حقيقاً أن يُزيلها عنه". وورد في زبور داود (ع): يقول الله تعالى: "يابن آدم! تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثمّ تُلحّ عليَّ بالمسألة فأُعطيتك ما سألت، فتستعين به على معصيتي". وعن رسول الله (ص): "يقول الله تبارك وتعالى: يابن آدم ما تنصفني! أتحبّب إليك بالنِّعم وتتمقّت إليَّ بالمعاصي، خيري عليك منزَل وشرّك إليَّ صاعد"، ويقول الإمام عليّ (ع): "بالتواضع تتمّ النِّعمة". 6- إظهار النِّعم التي أنعم الله بها على الإنسان، قال الإمام علي (ع): "إنّ الله جميل يُحبُّ الجمال، ويُحبُّ أن يرى أثر النِّعمة على عبده". وعن الإمام الصادق (ع): "إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُمّيَ حبيب الله محدِّثا بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سُمّيَ بغيض الله مُكذِّباً بنعمة الله"، وعنه (ع): "إنّ الله تعالى يُحبُّ الجمال والتجميل، ويُبغض البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه، ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره، ويكنس أفنيته، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق".

ارسال التعليق

Top