• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نمو الذات عند المراهق

محمد حاوي

نمو الذات عند المراهق
  ◄"النَّفس من الوجهة السيكولوجية هي مجموعة الوجدنات والأحاسيس والانطباعات والعمليات العقلية بجوانبها الثلاثة من تعرف ووجدان ونزوع. فهي- النَّفس- تنطوي على ما يكونه المراهق من إدراكات حسية عن نفسه وعن بيئته، وعما يكونه من صور عقلية عن مظهره وعمن يؤلفون محيطه الاجتماعي، وتحقيق الذات عملية تمتد إلى ما بعد فترات المراهقة ولا شك، ولعل المهم في الأمر هو أنه ينبغي على المراهق أن يعيد تنظيم ذاته وفقاً للتغيرات الجديدة الطارئة على نفسه وتبعاً للتكوين الجسمي والوظيفي الذي لم يكن قد ألفهما من قبل، إلى جانب هذا عليه أن يكيف علاقته بأقرانه وبالراشدين ضمن (المجال الاجتماعي)".

"وتحقيق الذات وإدراكها يستوجب من المراهق الإجابة على أسئلة شتى يطرحها على نفسه، فكأن يتسائل في قرارة نفسه: من أنا؟ ما هي أهدافي التي أسعى إلى تحقيقها في الحياة؟ ماذا سأكون بعد أعوام من الآن؟ ولا ريب في أن أسئلة كهذه قد تأخذ به إلى سُبل متشعبة المناحي تتفاوت بين السداد والارتباك والحيرة، والأمر معقود بنوع التوجيه الذي يتلقاه سواء في البيت أو في المدرسة أو في المجتمع ككل. كما يتوقف الأمر كذلك على ضروب الاتجاهات التي كان قد كونها إزاء نظرته إلى الحياة".

"ويمر المراهق خلال بحثه عن ذاته وإثباتها بمراحل مختلفة بمكن تلخيصها على الوجه الآتي:

1- مفهوم الذات كأساس واقعي ويراد بهذا نظرة الفرد المراهق إلى ذاته نظرة واقعية متأملاً ما لديه من قدرات وقابليات واستعدادت وما هو عليه من دور ومكانة في عالمه المادي.

2- إدراك الذات وهي في دور انتقال وتحول وهي نظرة المراهق إلى نفسه بوضعها الذي تكون عليه وقت تأمله ووضعه بالنسبة إلى البيئة كافة. وتنطوي هذه التأملات على حالاته النفسية التي يكون عليها وقت الرجوع إلى ذاته ومقدار ما يكون قد تعرض له من مؤثرات إيجابية أو سلبية اصطبغت به انطباعاته الخاصة. ووجه الخطورة في هذه المرحلة هو أن معظم المراهقين لا يدركون أنهم في حالة ذات تنقب عن نفسها وهي في طور تحول. فهم يظنون خطأ بأن ما هم عليه من انشراح أو اكتئاب، من تفاؤل أو تشاؤم سيستمر إلى الأبد، ولهذا يتصف هذا الدور من أدوار حياة المراهق بالسلبية ومن خصائصها أن المراهق يكون متخوفاً من حياته ومما يحيط به ونظرته إزاء الحياة تتسم بالشك والربية.

3- الذات الاجتماعية: في المرحلة الثالثة هذه من مراحل تنقيب المراهق عن نفسه يبدأ يفكر كيف ينظر الآخرون إليه. ولا يشترط في هذا بأن تنسجم نظرة الآخرين إليه كما يرى ذاته هو. وهنا يرتبك ويسود تصرفه الحيرة لأنّه متشكك فيما إذا كان سلوكه مسايراً للنزعة الاجتماعية بجانبيها المحدَّد والعام. فإذا كون المراهق انطباعاً عن نفسه بأن الآخرين يعتقدون بأنه متخلف دراسياً مثلاً، أو أنه غير مرضي عن تصرفه من الوجهة الاجتماعية، فإنه ينظر إلى ذاته ولا ريب من خلال هذه الجوانب السلبية التي قد تحمله على الجنوح عملاً بمبدأ التعويض على هذا يجب إشعاره بأنه مرغوب فيه اجتماعياً وتوفير عنصر الطمأنينة النفسية له.

4- والبعد الرابع من أبعاد نمو الذات عند المراهق هو بعد الذات المثلى وهو ما يرغب أن يكون عليه المراهق وما يجب أن يكون. وقد تكون هذه النزعة واقعية وربما تكون خفيضة واطئة، أو لعلَّها تكون متسامقة جداً. فهي نزعة تتوقف كثيراً على مستوى طموح المراهق وعلى علاقة هذا الطموح بما هو عليه من قدرة عامة وقدرات خاصة وعلى ما يتاح له من فرص لإدراك الذات العامة.

فإذا كان المثل الأعلى الذي يسعى إليه المراهق غامضاً فربما يفضي ذلك إلى تحطيم عاطفة اعتبار الذات التي اعتبرها أنصار الشخصية من الركائز الأساسية في نموها وتكوينها. وإذا كان الهدف أبعد من أن يكمن تحقيقه فمن المحتمل جداً أن يمر المراهق بخبرات يعبر عنها في عالم النفس باسم (الإحباط) ولا شيء يحطم النفس البشرية أكثر من الإحباط هذا لا سيما إذا كان مستمراً ولازم الفرد فترات طويلة.

وهنا يأتي دور الأسرة والمدرسة والمرشد الاجتماعي الذي يتولى توجيه الشباب ورعايتهم في وجوب رسم مثل الحياة والأهداف. وتوجيه الناشئة إزاءها وذلك بغية تخليصهم مما يتعرضون له من حيرة نفسية في هذه المرحلة من مراحل حياتهم".

"فإتجاه المراهق إزاء ذاته يكون قد وصل إلى حد بعيد متأثراً بنظرة الآخرين نحوه أيام طفولته المبكرة، فإذا كانت تلك النظرة إيجابية موسومة باللطف والتوجيه والرصانة يكون الطفل قد انتقل إلى فترة المراهقة بنظرة إيجابية متزنة إزاء نفسه وإزاء المجتمع والعكس صحيح، فيكون تقبل المراهق لذاته كما هي عليه أو عدم الاكتراث لها وطيد الصلة بما تلقاه من رعاية واهتمام خلال مراحل طفولته".

"ويجب التمييز بين عدم تقبل الذات وبين النقد الذاتي. فالأول منهما سلبي غير بناء كثيراً ما يأخذ بالمراهق إلى الهروب من وجه الحياة بدلاً من مواجهتها. وهنا يتجلى الفرق بين من كان قد عرف قابلياته وتقبل نفسه كما هي وبين من لم يدرك حدود قدراته فكّون نظرة سلبية إزاء ذاته. الضرب الثاني من المراهقين ينقد ذاته ويتقبل النقد الموجّه إليه من الآخرين، في حين أن الضرب الأول لا يعلم مقدار مواهبه وطاقته العقلية، فلا ينقد ذاته ولا يستطيع أن يقوى على مواجهة النقد".

"وتعتمد اتجاهات المراهق على العناصر الأساسية التالية:

- ما يكّونه عن نفسه من نظرة صائبة أو خاطئة.

- ما يكّونه إزاء ذاته من اتجاهات شعورية أو لا شعورية.

- فروق في التنشئة عوَّدت المراهقين على تكوين نظرة إيجابية إزاء مواقف الحياة بوجه عام.

- مرونة المراهق على تقبل التوجيه الصادر عن الآخرين إليه بصدد تغيير الصورة التي كّونها عن نفسه إلى ما هو أمثل.

 خلاصة الكلام هي ان الذات هي أسمى شيء في حياة المراهق، فهي محور أغراضه ومحط آماله ومجال نشاطه في الحياة. فإن كان هناك معنى فهي في حياته فإنَّه في نطاق ذاته يدركه ويتبينه، وإن كانت هناك قيم يتطلع إليها فإنه في مجال نفسه يحتضنها ويعتز بها".►

 

المصدر: كتاب التوجيه التربوي للمراهق وأثره على علاقته بأسرته 

ارسال التعليق

Top