• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هيبة وعظمة الإمام الحسن المجتبى (ع)

عمار كاظم

هيبة وعظمة الإمام الحسن المجتبى (ع)

ولد في الخامس عشر من شهر رمضان سنة ثلاث بعد الهجرة، نشأ الإمام الحسن (ع) في أجواء خاصة تملؤها المحبة والحنان والرعاية الفائقة من لدن جده المصطفى (ص). ناهيك عن الاهتمام الكبير الذي بذله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) في تنشئته ورعايته. وهذا كلّه من سابق لطف الله وحكمته في اصطفاء أوليائه وحججه على خلقه. إلّا إنّ الناظر إلى هذه الأجواء الخاصة يرى بوضوح العلاقة التي ربطت رسول الله (ص) بالإمام الحسن (ع) ابتداءً من ولادته.. فقد تلقاه (ص) بيده المباركتين وسماه وأذّن باذنه اليمنى وأقام باذنه اليسرى. وحلق رأسه وتصدق بوزنه. وعق عنه بكبشين أملحين. فما أن ترعرع الإمام الحسن وأخذت قدماه تدبان على الأرض حتى وجد من صدر رسول الله (ص) الحب الذي لم يلقاه مولود من قبل فكان يلاعبه ويعلن عن حبه ومنزلته للأمة. ويروى أنّ النبيّ (ص) كان حاملاً الحسن بن علي على عاتقه، فقال رجل: نِعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي (ص): "ونِعم الراكب هو". ويمكن التعرف على شخصية الإمام الحسن المجتبى (ع) وصفاته من خلال أقوال رسول الله (ص) فيه. فمن حيث الشخصية فقد قال (ص): "أشبهت خَلقي وخُلقي".  ومَن كان خلقه خلق المصطفى (ص) فكيف بالقلوب لا تحن إليه والنفوس لا تأنس بجواره حتى من خالفه وانصرف عنه إلى غيره. كما  كان  الإمام الحسن (ع)عليه سيماء الملوك وهيبة الأنبياء كما تم وصفه.  فكان (ع): (حليماً، ورعاً، فاضلاً، سيِّداً، كريماً، ذا سكينة ووقار وحشمة، جواداً ممدوحاً). وقيل له (ع): "فيك عظمة"، قال (ع): "في عزّة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(المنافقون/ 8)". قالت فاطمة (عليها السلام): "يا رسول الله هذان ابناك فأنحلهما"، فقال رسول الله (ص): "أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي". وهذه الهيبة كانت تدخل على نفس القريب والبعيد ممن عرفوا الإمام الحسن (ع). وحين بدأ الأجل يقترب منه (ع) حيث كانت وصيته (ع) لجنادة بن أبي أمية، حيث قال: دخلت على الحسن بن علي (عليهما السلام) في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي سُقي له، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: "يا عبد الله بماذا أعالج نفسي؟". قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم التفت إليّ وقال: "ما منا إلّا مسموم أو مقتول". ثم رفعت الطشت واتكئ (ع)، فقلت: عظني يا بن رسول الله. قال: "نعم، استعد لسفرك وحصّل زادك، قبل حلول أجلك. واعلم أنّك تطلب الدنيا، والموت يطلبك. ولا تحمل همّ يومك، الذي لم يأتِ، على يومك الذي أنت فيه. واعلم أنّك لا تكسب ــ من مال ــ شيئاً، فوق قوتك، إلّا كنت فيه خازناً لغيرك. واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب. فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً، كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً، لم يكن فيه وزر، فأخذت منه، كما أخذت من الميتة. وإن كان العتاب، فالعتاب يسير، وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وإذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله، على عز طاعة الله عزّ وجل. وإن نازعتك إلى صُحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا أخذت منه صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت، صدق قولك، وإن صُلت، شد صولتك، وإن مددت يدك بفضل، مدها، وإن بدت منك ثلمة، سدها، وإن رأى منك حسنة، عدها، وإن سألته، أعطاك، وإن سكت عنه، ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمات، واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسما، آثرك". وكانت شهادته الشريفة في السابع من شهر صفر سنة 50 هـ. وهكذا عاش السبط الأكبر لرسول الله نقيّاً، طاهراً، مَقهوراً، مُهتَضَماً، ومضى شهيداً، مظلوماً، مُحتَسِباً.. فَسَلام الله عليه ما بقي اللَّيل والنهار .

ارسال التعليق

Top