• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وسائل الإتصال الاجتماعي

د. تيسير مشارقة

وسائل الإتصال الاجتماعي
◄يعتبر كثير من العلماء والمفكرين في مجال الإعلام أنّ الاتصال هو الحياة، والحياة هي الاتصال. وبانتقاء أحدهما ينتفي الآخر. وفي هذا الرأي كثير من الصحة.
فالاتصال هو عملية إنسانية مثمرة، مرتبطة بوجود الإنسان في المجتمع، وهي وسيلة لنقل المعلومات والأفكار والأحاسيس من شخص إلى شخص آخر يتأثر به، وبالتالي فهي عملية تفاعل مستمرة والاتصال عملية ديناميكية تبادلية قائمة على التواصل بين طرفين بهدف التأثير والتأثر من تبادل المعلومات والأفكار والاتجاهات. وهناك معوقات، وتحتمل هذه العملية تشويشاً وبما أنّ الاتصال مرتبط بوجود الإنسان، فيمكن الافتراض إذن أن تقدّم الإنسان هو من تقدم وسائل الاتصال.
ويمكن أن نفترض أيضاً، أنّ التاريخ يتطوّر إلى الامام بتطور وسائل الاتصال. ويفسر (ماكلوهان) و(هارولد لاسويل) وهما عالمان في قضايا الاتصال أنّ التطور التاريخي يحدث بحجم التطور في وسائل الاتصال. وهذا باعتقادي صحيح. فالتاريخ ترسمه وتحدد معالمه التطورات التي تطرأ على وسائل الاتصال. وأطلق ماكلوهان على العصر الذي نعيشه مصطلح "العصر الإلكتروني".
ونستطيع أيضاً أن نطلق على هذا العصر تعبير "عصر الاعلام" أو "عصر المعلومات" وقد يكون مصطلح "عصر الكلمة الإلكترونية" معقولاً للكثيرين.
ومن الجدير بالذكر، أن علم الاتصال علم حديث، وان كان يستند إلى جذور تاريخية تعود إلى أرسطو وجورجياس الصقلي، فإن تطوره لم يكن متصلاً، ولم يتخذ أبعاده الحالية الا في النصف الثاني من القرن العشرين. وفي غمرة الاتصال الإلكتروني وسطوة الاتصال بعيد المدى والاوتستراد المعلوماتي – الإعلامي، تبقى هناك أهمية للمثقّف الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة، لكي يقوم من خلال اتصاله بالآخرين بتوضيح وتبسيط منجزات الحداثة وما بعد الحداثة وتحقيق الانسجام الاجتماعي.

- وسائل الاتصال الاجتماعي أم الجماهيري؟!
يعترض بعض علماء الاجتماع "الاجتماعيون" ومفكرون آخرون على مصطلح "وسائل الاتصال الجماهيري" واعتراضهم على كلمة "جماهيري" على اعتبار أنها مبهمة وأيديولوجية وغير واقعية، وهذا صحيح. واقترح هؤلاء – ونحن هنا نؤيد ذلك – مصطلحاً بديلاً وهو (وسائل الاتصال الاجتماعي) أو (وسائل الاتصال الجمعي) أو (المجتمعي) على اعتبار أنّ الاتصال يتم في المجتمع بين الناس والأفراد وليس بين الجماهير.
لقد تطورت وسائل الاتصال الاجتماعي (أو الجماهيري) بسرعة مذهلة، نستطيع القول أنها خيالية، أذابت كل الحدود والحواجز والمعوقات بين الأرجاء، بين الريف والحضر، وبين الناس. وتطور وسائل الاتصال كان له آثاره الاجتماعية، فقد قلب أسلوب الحياة رأسا على عقب، فانقلب أسلوب الحياة في القرية، ووصل الاعلان إلى الفلاحين، فتّح أعينهم على التقنيات الحديثة. أما وسائل الاتصال الإلكترونية (الراديو والتلفزيون) فقد لعبت دوراً تعليمياً وتثقيفياً في ظل غياب المدرسة.
ولا ينبغي علينا الخلط بين وسائل الاتصال الاجتماعي، أي وسائل الإعلام التي تستند إلى نظرية (المسؤولية الاجتماعية) ووسائل الاتصال الجماهيري التي تستند إلى نظريات إعلامية مختلطة (سلطوية أو ليبرالية أو أيدلوجية أو...).


- المثقَّف الاجتماعي: مهارات أساسية:
وفي ظل التطوّر الذي حدث على صعيد الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة (التي رافقت الاتصال كأحد أنشطته وحقوله) يكون على المثقّف الاجتماعي (أو الجماهيري) بحاجة إلى الالمام بمجموعة من المهارات الأساسية، ومنها:
أوّلاً- "دقة الملاحظة وجمع الحقائق والتحليل والتقييم" وتقوم هذه المهارة على القدرة والمواظبة والاهتمام بالوصول للحقائق ونقلها بأمانة لما في الأمانة من مصداقية.
وثانياً- مهارة القدرة على التخطيط بوضع الأهداف ووضع السبل الكفيلة للوصول إلى هذه الأهداف.
وثالثاً- الإلمام بمبادئ وأساليب العمل مع الأفراد والجماعات.
ورابعاً- المهارة في كيفية اتخاذ القرارات.
وخامساً- المهارة في القيادة والمبادرة والمرونة والاطلاع والإبداع.
فالجريمة والعنف والأميّة – مثلاً – كقضايا هامة في التنمية، ينبغي تدارك مخاطرها، تحتاج لعاملين في مجال التثقيف الاجتماعي، يكون لديهم خبرات ومهارات عالية وأساسية لتوصيل المعلومات والاقناع بأهمية المعرفة. فمهما كانت وسائل الاتصال حديثة، ولديها امكانات هائلة في التعليم والتثقيف الاجتماعي، الا أنّ الأمر لا يغني عن وجود المثقف الاجتماعي الذي يكون دوره موازياً أو مصاحباً. ويحتاج المثقف إلى اللغة والعلم والمعرفة للوصول إلى المعلومات، كي يؤدي دوره، وكذلك يحتاج إلى فهم مضمون أو محتوى وسائل الاتصال وقد يتطلب ذلك تعلم اللغات الأجنبية. ويمكن الافتراض أيضاً، أنّه لا يمكن أن تُنجز عملية التنمية الاجتماعية الا بوجود المثقف الاجتماعي صاحب الكفاءة وثيق الصلة بوسائل الاعلام المختلفة والعليم بدورها. فلا تستطيع وسائل الاعلام وحدها أن تنهض بمهمات التنمية. ويلخّص عالم الاتصال الأمريكي (الكسيس تان) لبعض المهارات الاتصالية التي ينبغي أن يتحلّى بها الاعلامي، ووضعها في العناصر الأساسية التالية: المصداقية Credibility، الجاذبية Attractiveness، والقوة Power. أمّا المصداقية فتعني أن يكون المثقّف الاجتماعي (خبيراً وثقة) في عمله، وتنبع الخبرة من العناصر التالية: التدريب، التجربة، المقدرة والذكاء، والاحترافية. بينما الثقة تتوفّر في الأشخاص الذين لا يميّزون بين شخص وآخر ويبتعدون عن التحيّز في الاتصال مع الآخرين. والجاذبية لا تعني فقط الجاذبية الجسمانية (الشكل والمظهر) بل جاذبية أخرى تتلخص في القدرة على إزالة القلق والوحدة عند المتلقي، والتقليل الضغط وعدم الأمان عن الأشخاص الذين علينا الوصول إليهم. فالجاذبية من جانب آخر تكون عندما يقترب المتّصل منا، أو حينما يكون شبيهاً بنا من الناحية الديمغرافية أو الأيديولوجية. والجاذبية أيضاً نجدها في الأشخاص الذين يمكن أن يساعدوننا على اكتساب الموافقة الاجتماعية (أي قبولنا اجتماعياً).
والجاذبية – أيضاً – تعتمد على عدة عوامل منها شخصية المرسل وقدرته على جذب انتباه الناس وباستخدام لغة الاشارات وادامة النظر في أعين الناس، بالإضافة إلى المظهر الجذاب، وأن تكون العلاقة بين المثقف والمستقبل وديّة وحبّية، وأن يكون المظهر العام مقبولاً من الناحية الفيزيائية بتناسق الطول مع العرض، والتشابه بين المصدر (المثقف) والمستقبل (الجمهور المستهدف) في المعتقد وفي الخلفية وفي الجنس وفي الوضع الاجتماعي وفي الشخصية.
أمّا القوة فلا تعني السطوة أو الغطرسة، لكنها تعني إمكانية الثواب والعقاب وامكانية تقديم المساعدة وإيجاد الحلول المناسبة ومحاسبة المخالفين أو الغاء الأسباب التي أدّت إلى حالة غير مريحة. والمقصود هنا القوة الفكرية والعلمية والأدبية والمالية والجسمية والشخصية.

- وسائل التعبير والاتصال (الإلكترونية): مسيرة نصف قرن:
لا يتجاوز عمر وسائل الاتصال والتعبير الحديثة عن خمسة قرون فقط، بينما وسائل الاتصال الالكترونية فلا يتجاوز ظهورها وازدهارها عن نصف قرن من الزمن.

أوّلاً- وسائل الاتصال الإلكترونية:
ازدهرت الإذاعة في النصف الأوّل من القرن العشرين، وفي الستينات والسبعينات ازدهر التلفزيون، وبدأ الكمبيوتر يدخل البيوت مطلع الثمانينات. ودخلنا بشكل واسع النطاق في عصر البث التلفزيوني بعيد المدى عبر الأقمار الصناعية وعصر شبكات المعلومات العالمية (الإنترنت مثلاً) وطريق المعلومات السريع في التسعينات من القرن العشرين.

ثانياً- الصحافة المكتوبة أو المقروءة:
بدأ ظهور الصحف في القرن الخامس عشر باختراع آلة الطباعة على يد السويدي (يوحانان جوتنبرغ) عام 1456 وتمت طباعة أوّل نسخة من الانجيل على تلك الآلة التي اخترعها ذلك العالم. وخرج الإعلام بذلك من عصور الفوضى والسرية وبلغ مرحلة الحرفة.

ثالثاً- التلغراف:
بدأت فكرته باختراع ماركوني للإشارات السلكية.. لقد خدم هذا الاختراع الصحف من قطر لآخر، وكان وسيلة هامة بدلاً من إيصال المعلومة بالمواصلات العادية.

- المثقِّف الاجتماعي: إدراك ومسؤولية:
إنّ عمق تأثير كل وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري يخضع للتجريب ولطبيعة ونوعية الجماهير الموجَّهة إليها هذه الوسائل، ولحقيقة مستويات هذه الجماهير الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعيش في نطاقها.
وتقوم وسائل الإعلام بالتأثير على الناس. ويكون فعل تأثيرها عميقاً وقوياً في توجيه اتجاهات الأفراد والجماعات في نطاق المجتمعات المعاصرة وذلك من خلال طبيعة ما توجهه من قضايا إعلامية إلى هؤلاء الناس، ومن خلال طبيعة ونوعية البرامج الإعلامية التي تتبناها هذه الوسائل وما تتضمن من أهداف وأغراض محددة يُراد إيصالها إليهم.
فكلما كانت البرامج صادقة وقوية ومباشرة ومتحررة ومتلاحمة مع آمال وطبيعة ونوعية هذه الجماهير ولجوهر خلفياتها وأحوالها، كلما استطاعت هذه البرامج الإعلامية ان تكتسب لذاتها النجاح الذي تنشده وان تضمن الانتشار والتأثير الذي تبتغيه.

- دور وسائل الإعلام الاجتماعي (الجماهيري) والمثقِّف الاجتماعي في التغيير الاجتماعي والتقدم الاقتصادي:
لوسائل الإعلام الاجتماعي (الجماهيري) دور واسع في تحقيق التغيير الاجتماعي، فتقوم بوظيفة تعليم الناس بطبيعة المتغيرات التي يراد الأخذ بها أو اقرارها على صعيد اجتماعي. ووسائل الإعلام (وبالتالي – المثقِّف الاجتماعي) تمهِّد فعلاً لحدوث هذه المتغيرات ولوقوعها بأن تشرح للناس، أفرادا وجماعات، مدى ضرورة احداث هذه المتغيرات ومدى ضرورة تنفيذها، وذلك بغية تسهيل مرور هذه المتغيرات في المجتمع من ناحية ولحصر المعوقات التي تقف أمام وقوع هذه المتغيرات مع العمل على إزالتها أو حتى التخفيف من حدّتها من ناحية أخرى.
وينبغي إعلام الناس (الجماهير) بحقيقة أهداف هذه المتغيرات وبمدى ارتباطها بحقيقة مصالها التي تسعي إليها.. كما يجب أن تستعين وسائل الاعلام بالقيادات الاجتماعية المحلية (المثقفين الاجتماعيين) للمعاونة في احداث هذه المتغيّرات المطلوب تحقيقها.
وفي نطاق تنفيذ المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التنموية الجديدة.. على وسائل الإعلام الاجتماعي بمعاونة المثقف الاجتماعي أن تبصّر الناس بمدى أهمية المشروعات المنوي إنجازها وبمدى الحاجة إليها وبحقيقة أبعادها وبمدى ارتباطها بمصالحهم.
ووسائل الإعلام (بوجود المثقف الاجتماعي) بامكانها أن تكون بمثابة الرقيب على هذه المشروعات وان تعمل على متابعة تنفيذها.. وخاصة في مجالات التنمية.
كما يمكن أن تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في اكتشاف القيادات المحلية والوطنية الواعية اللازمة للمعاونة في متابعة تنفيذ المشاريع التنموية العامة، والتي تستلزم بالضرورة تضافر الجهود الشعبية ومنها القيادات المحلية.

- المقومات الأساسية لدور وسائل الإعلام التي ينبغي على المثقف الاجتماعي مراعاتها:
يستند المثقف الاجتماعي في نشاطه بشكل كبير على وسائل الإعلام وهو بالتالي، يراعي أهمية هذه الوسائل في المجتمع ودورها في التنمية:
1- الدور الأساسي لوسائل الإعلام هو بناء المجتمع وتحقيق التقدم فيه (لا يعقل أن تقوم وسيلة الإعلام على هدم المجتمع).
2- يستند الإعلام على الناس وبدون علاقة جيِّدة مع الناس وتلاحم وثيق مع قضاياهم تفقد وسائل الإعلام مبررها للوجود..
3- تلتزم وسائل الإعلام بمبدأ اشراك الناس في صنع الحياة – صنع القرار، وبالتالي صنع التقدم المنشود للمجتمع.
4- وسائل الإعلام هي القادرة على معرفة حقيقة الامكانات الوطنية المتاحة وبالتالي تعمل مع المواطنين (الناس أو الجماهير) لتحقيق التقدم المنشود في المجتمع.

- وسائل الإعلام (والمثقف الاجتماعي) والتنمية: جدلية العلاقة:
يمكننا إدراك الدور الهائل الذي تلعبه وسائل الاتصال الاجتماعي (الجماهيري) في حياة الأفراد والمجتمعات وبالتالي فإن دور المثقف الاجتماعي يكون مكملاً أو تكميلياً ومرافقاً أو ملازماً في عملية التنمية المستدامة. ولكن لابدّ من مراعاة ما يلي:
أوّلاً: على المرشد الاجتماعي أن يستوعب وسائل الاتصال الحديثة ويدرك التغييرات في مجال الاتصال. حتى لا يقع في فخ "الاغتراب" وبالتالي الشعور بالعجز. فالتطور الهائل لوسائل الاتصال خلق عند الناس حالة من الاغتراب.
ثانياً: على وسائل الاتصال الاجتماعي ان تستجمع الموارد والامكانيات والجهود الذاتية، المتاحة، وذلك من أجل استغلالها بشكل مناسب لدعم تنفيذ المشروعات التنموية، والتي من خلالها تضع المجتمعات اللبنات الأولى لتقدمها اجتماعياً واقتصادياً.
ثالثاً: وسائل الإعلام تسعى وتعمل على اذابة ومحو الأفكار والعادات والقيم والممارسات السيِّئة والضارة التي تقف عثرة في سبيل تحقيق المشروعات التنموية. مع تشجيع وبث القيم والأفكار والممارسات الإيجابية المتفقة مع آمال ومتطلبات التقدم والتنمية والعمل.
رابعاً: تستطيع أجهزة الإعلام ومن خلال برامجها رفع المستويات الثقافية والصحية والاجتماعية للأفراد وذلك عن طريق اكسابهم المزيد من الخبرات والمهارات الثقافية والفنية والمهنية الجديدة التي تساعدهم على ترقية أحوالهم وأحوال مجتمعاتهم، وتزيد من فاعلية مشاركتهم في برامج ومشروعات التنمية. لاحظوا مثلا أن رؤساء كثير من الدول المتقدمة يحرصون على تعيين مستشارين اعلاميين في مجالات التنمية البشرية.
خامساً: وسائل الإعلام الحريصة على التنمية، هي التي تُبصّر الناس بحقيقة ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وبطبيعة المشكلات التي تواجههم وبحقيقة الامكانات المتاحة لحل هذه المشكلات. إنّ معرفة هذه المشكلات يولد الثقة لدى الناس وبين الناس ووسائل الإعلام. فالمصارحة قضية هامة ويطلق البعض عليها اسم (العلنية). ولكننا لا نلمس ظاهرة المصارحة بصورة واضحة في مجتمعات العالم الثالث. ولا نلمس هذه الظاهرة في المجتمعات ذات الرقابة الصارمة على وسائل الإعلام أو المجتمعات التي لم تتطور وسائل الإعلام فيها بشكل جيِّد.
سادساً: وسائل الإعلام الناجحة هي التي تعمل على دعم الكيان الأسري والتعرف على أهم مشكلاته وإيجاد الحلول اللازمة لها (علاج تفكك أو تصدع الأسرة يقع على وسائل الإعلام والمثقف الاجتماعي إلى جانبها).
سابعاً: لقد تبين أن وسائل الإعلام "لها تأثيراتها القوية على اتجاهات كل من النظم الأسرية من ناحية والجماعات المرجعية وعملية التنشئة الاجتماعي من ناحية أخرى، بقدر ما لها أيضاً من تأثيرات قوية على التشكيلات السياسية القائمة في المجتمع".
ثامناً: تقوم وسائل الإعلام الاجتماعي من خلال أنشطتها وبرامجها بترسيخ المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية الفاضلة والهادفة لتحقيق تقدم المجتمع مثل قيم الحب، حب العمل، وقبول التغيير والرغبة في تحقيق التقدم والاعتزاز بالوطن والمواطنة الشريفة، وذلك بالإضافة إلى ترسيخ قيم الانتماء الاجتماعي والسياسي للوطن مع تعميق الشعور به والتوحّد الوطني في نفوس الأفراد. وذلك من أجل توطيد شعور الأفراد وانتماءهم وزيادة ارتباطهم بأوطانهم.
تاسعاً: تعمل وسائل الاتصال كموصل جيِّد لأهداف ومطالب الناس إلى القيادات والأجهزة السياسية مع العمل على إيجاد الحلول المناسبة أو الاستجابات الرشيدة نحو هذه الأهداف والمطالب في ضوء الامكانات المتاحة.
عاشراً: أجهزة ومؤسسات الإعلام الاجتماعي تفسح المجال أمام الناس للتعبير عن ذاتها أو المطالة بحقوقها أو حتى لنقد بعض الأوضاع القائمة والسياسات الماثلة لهم.
كل هذا يتطلب من المثقف الاجتماعي إجراء لقاءات ومقابلات دورية مع القاعدة الاجتماعية مع وجود مسؤولين يتولون فحص الشكاوي وتوفير الفرصة لعمل مناقشات وجدال. ويمكن أن تلعب وسائل الاتصال دوراً مهماً في هذه العملية (وبالتالي المثقف الاجتماعي) في إيصال صوت الناس إلى السلطة السياسية.

- الاتصال الجمعي والشخصي: علاقة تكميلية:
يجمع علماء الاتصال أنّ التعريف الأفضل لوسائل الإعلام الجماهيري (الاجتماعي): انها كل الوسائط غير الشخصية والتي عن طريقها يتم نقل المعلومات السمعية والبصرية وبشكل مباشر إلى الناس (الجماهير)، أو كل الأدوات المستخدمة في الاتصال مع الناس.
"إنّ وسائل الإعلام الجماهيرية وفي معناها الواسع انما تعني جميع الوسائل التي تنقل إلى الجماهير ما يجري حولهم عن طريق السمع أو البصر، الاذاعة المرئية والاذاعة المسموعة ودور السينما والصحف والمجلات والكتب ولافتات الإعلام [أو الإعلان] ولكل وسيلة اتصال مقدرة على الاقناع تزيد أو تقل عن غيرها من الوسائل الأخرى. كما ان درجة استجابة الجماهير (الناس) المختلفة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وايديولوجيا نحو هذه الوسائل تختلف من وسيلة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.
وهناك اعتقاد ساذج انّ الاذاعة والتلفزيون والسينما من أكثر الوسائل الإعلامية (للخصائص الفنية والتكنولوجية) تأثيراً وأعمق فاعلية لدى كثير من الناس.
ولكن "أظهرت التجارب المعملية والميدانية انّ الاتصال المواجهي الطبيعي أو التلقائي أكثر قدرة على الاقناع من الراديو، وانّ الراديو أكثر فاعلية من المطبوع، وأنّه كلما ازداد الطابع الشخصي للوسيلة زادت قدرتها على الاقتناع" ونحن نتفق مع هذا الاستنتاج. وهذا يجعلنا نتوجه إلى تسليط الضوء أكثر على وسائل الاتصال الشخصية.

- الاتصال ما بين الأشخاص والمثقف الاجتماعي:
الاتصال ما بين الأشخاص هو اتصال إنساني مواجهي وشخصي وهو "عبارة عن عملية تفاعل اجتماعي تهدف إلى تقوية الصلات الاجتماعي في المجتمع عن طريق تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر التي تؤدي إلى التفاهم والتعاطف والتحابب أو التباغض" والاتصال الإنساني على الغالب هو اتصال لغوي، واللغة هي أداة الاتصال وعبارة عن نظام من الرموز التي لها معان أعطاها اياها الإنسان. والاتصال الإنساني: لفظي وغير لفظي.
وعلى المثقف الاجتماعي الالمام الجيِّد (الخلاق) بمهارات الاتصال الإنساني على أكمل وجه وان يكون بمقدوره الجمع بين الاتصال اللفظي وغير اللفظي بشكل ابداعي غير مصطنع.
وينبغي أن تتوفر في المثقف الاجتماعي (كمرسل ومستقبل) إذا أراد أن يكون فاعلاً ومؤثراً في العلاقات بين الأشخاص مجموعة من المواصفات: أن تكون رسالته واضحة (الموضوع واضح للمرسل والمستقبل)، وأن يكون صادقاً وأميناً وموضوعياً، أي تحلّي المثقف بالصفات الحميدة كالسمعة الطيبة والاخلاق المتينة وأن تكون لديه القدرة على الاقناع (عرض الأمور بطريقة منطقية) والاقناع هو أن تجعل شخصاً يقوم بعمل ما عن طريقة النصح والحجة والمنطق أو القوة، وأن تكون لديه القدرة على مشاركة الآخرين في أفكارهم (الأخذ والعطاء معهم).

- العلاقات العامة والمثقِّف الاجتماعي: الإعلام والاقناع:
أمّا العلاقات العامة فقد اعتبرها البعض "علما يدرس سلوك الأفراد والجماعات دراسة موضوعية بغية تنظيم العلاقات الإنسانية على أسس من التعاون والمحبة" وتعتبر أيضاً من الأنشطة التي يوظفها المثقف الاجتماعي لخدمته في كافة القطاعات فقد أصبحت تتعدى مجالات الوظيفة الإدارية بأنماطها الروتينية لتصبح فناً تطبيقياً يترك بصماته وتأثيره في الرأي العام الخاضع لنطاق نشاط هذه الدائرة أو تلك.. ويعمل أخصائي العلاقات العامة (وقد يلعب هذا الدور المثقف الاجتماعي) على توثيق قنوات الاتصال بين المؤسسة ومحيطها ضمن مخطط مدروس يخدم أغراض المؤسسة ويوثق صلاتها بالمحيط. والعلاقات العامة على صعيد التنمية الاجتماعية هي النشاط المخطط له والذي يهدف إلى الوقاية من أيّة كوارث اجتماعية وعلاج الكوارث إذا ما وقعت، وكذلك تحقيق الرضى والتفاهم المتبادل بين الناس والادارات التنموية من خلال سياسات وبرامج تستند في تنفيذها على الأخذ بمبدأ المسؤولية الاجتماعية ومن ثمّ الاقتصادية.
ووظائف العلاقات العامة التاريخية هي: الإعلام (تقديم أكبر قدر من المعلومات عن المؤسسة) والاقناع (ممارسة أكبر قدر من التأثير على الجمهور) ودمج الناس بعضهم ببعض.
ومن أهداف العلاقات العامة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والوطني العام: توطيد السمعة الطيبة لقيمة الدولة (الوطن) وتدعيم صورتها الذهنية (الايماج) عند الناس بخلق انطباعات شعورية ولا شعورية لديهم عنها. كذلك كسب تأييد الأفراد والناس للمؤسسات التنموية وتعزيز الانتماء للدولة (الوطن) بالعمل والانتاج والابداع وذلك عبر الاتصال المستمر وتشجيع الأنشطة الثقافية والاجتماعية والترفيهية والرياضية والمساهمة في حل المشكلات الخاصة.
وإذا كان المثقف الاجتماعي واعياً لعمله ومكانته في المجتمع، وأراد أن ينجز مهماته على أكمل وجه فعليه أن يتحلّى بمواصفات اخصائيي العلاقات العامة، وهي التي لا يجوز أن تغيب عن ذهنه: أن يكون قادراً على التعبير عن نفسه بطلاقة متناهية، وأن يحسن الاصغاء في الوقت نفسه، وأن يكون سريع الملاحظة، وسريع التعلم، وأن يتمتع بذاكرة قوية، وأن تكون له قدرة على فهم الآخرين والتفاهم معهم، وأن يتمتع بالنضوج الفكري والعاطفي، وقدرة على التصرف في الطوارئ.►

المصدر: كتاب (مبادئ في الاتصال)

ارسال التعليق

Top