• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وسائل تحصين المجتمع الإسلامي

وسائل تحصين المجتمع الإسلامي
◄عرفنا أنّ المجتمع الإسلاميّ هو المجتمع الذي يبني أفكاره ونظامه ومظاهر الحياة فيه على أساس الإسلام، وفي ظلِّ المجتمع الإسلامي يعيش الفرد المسلم الحياة الإسلاميّة، ويكتسب منها العادات والأفكار والتقاليد والآداب العامّة. وفي ظلِّ المجتمع الإسلامي تتكوّن شخصيّة الفرد المسلم، ذلك لأنّ المحيط الاجماعي يؤثِّر في أفكار الفرد وشخصيّته وسلوكه وثقافته وإحساسه ومشاعره.

ومسؤولية الإنسان المسلم، هي الحفاظ على بنية المجتمع الإسلامي، ونظام الحياة الإسلامي في ذلك المجتمع؛ لتستمرّ الحياة والحضارة الإسلامية.

وهنك عدّة وسائل ومؤسسات تحفظ وجود المجتمع الإسلامي، وتحميه من السقوط والانهيار، كما تحفظ الحضارة الإسلامية وتحصّنها ضد الغزو الفكري، والثقافة غير الإسلامية، وأهمها:

 

1- الدولة الإسلامية:

الدولة الإسلامية: هي (الدولة التي تقوم على أساس الإسلام، وتستمدُّ منه قوانينها ونظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها).

والدولة الإسلامية هي الجهة المسؤولة عن تطبيق الإسلام، وتربية الفرد والجماعة على العقيدة الإسلامية، كما هي مسؤولة عن حماية الرسالة والثقافة الإسلامية أيضاً، وعندما توجد هذه الدولة يوجد المجتمع الإسلامي، لأنّها هي القوّة القادرة على بنائه، ثمّ هي القوة التي تستطيع أن تحفظ المجتمع الإسلامي من التأثُّر بالأفكار والعقائد والنظم والأخلاق غير الإسلامية، وتحمي المجتمع والحضارة الإسلامية من السقوط، أو الانحراف عن الإسلام.

وتقوم بذلك الواجب عن طريق التربية في المدارس ووسائل الإعلام، كالإذاعة والتلفزيون والصحافة والمسرح والسينما... إلخ، وعن طريق منع المحرّمات ومعاقبة المخالفين والمفسدين، وغير ذلك من الوسائل التي تعمل على حماية المجتمع والنظام الإسلامي.

كما أنها تقوم بتطوير الحياة الاقتصادية والثقافية للمجتمع الإسلامي، فتحميه من التأخُّر، وتحل مشاكل المجتمع المختلفة عن طريق تقديم الخدمات ومكافحة الفقر والجهل والمرض، فتفتح أمامه سبل الهداية والإصلاح والاستقامة، وتُحول دون تأثّره بالأفكار والنظريات المنحرفة، لذا كان واجباً علينا إقامة الدولة الإسلامية التي تقوم على أساس العدل الإسلامي، وتطبّق أحكام الشريعة الإسلامية وتدافع عنها.

 

2- فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

والوسيلة الثانية من وسائل الحفاظ على المجتمع الإسلامي، ونظام الحياة القائم على أساس الإسلام، وإبعاد الأفراد والجماعات عن الانحراف والفساد هي: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكلُّ مسلم ملزم بأن يؤدّي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح المجتمع، ومكافحة الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والثقافي وغير ذلك من أشكال الفساد الاجتماعي. قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).

وكما يجب أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل فردي، يجب أداؤه بشكل جماعي، أيضاً، إذا عجز العقل الفردي عن تحقيق الاصلاح المطلوب، وعدئذ يتوجّب تكوين الجمعيّات والمنظّمات والأحزاب الإسلامية والنوادي والنقابات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية المختلفة، لأداء هذه الفريضة.

 

3- العلماء والكُتّاب والمفكّرون الإسلاميّون:

وللعلماء والكتّاب والأدباء والشعراء والفنّانين الإسلاميين الأثر الأكبر في بناء المجتمع الإسلامي، وحمايته من الأفكار والنظريات الغريبة على الفكر الإسلامي، أو المعادية له. ذلك لأنّ الفكر والثقافة والأدب هي من الأدوات الأساسية التي تبني شخصيّة الفرد والمجتمع؛ لذلك فعندما يصلح الفكر والثقافة، يصلح المجتمع الإنساني، وعندما تفسد تلك الأدوات يفسد المجتمع. ويقوم علماء الإسلام، وخصوصاً الفقهاء والمفكرين الإسلاميين بدور بارز في حماية العقيدة والقوانين الإسلامية من التحريف والعبث، كما يقومون بالدفاع عن الفكر الإسلامي، وكشف زيف الأفكار والنظريات والعقائد غير الإسلامية التي تحاول أن تغزو عقول المسلمين، أو تحاول التأثير على ثقافتهم، بنشر الثقافة الغربيّة، أو الشرقية، أو ثقافات العالم الجاهلية المنقرضة، كالثقافة اليونانيّة، أو الرومانية، أو الفارسية، أو الفرعونية، أو غيرها.

 

4- التقدم العلمي والتنموي:

والوسيلة المهمّة الأخرى من وسائل تحصين المجتمع الإسلامي، وحمايته من الانهيار والتأثُّر بالفكر الاستعماري، والثقافات الأجنبية، وهي تحقيق التقدُّم العلمي والصناعي، والتنمية الاقتصادية، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، وتطوير الانتاج؛ لحلِّ مشاكل الإنسان في ظل المجتمع الإسلامي، ممّا يوفّر له حاجاته المعاشيّة، ويُشعره بالعدالة الاجتماعية، والتقدُّم العلمي، والرفاه الاجتماعي في ظلِّ العقيدة الإسلامية، فإنّ المجتمع المتخلّف علمياً وصناعيّاً، لهو مجتمع لا يستطيع الثبات والبقاء، والنظام الذي لا يقدّم لمجتمعه الخدمات الكافية، لا يستطيع أن يحقق الرفاه الاجتماعي، ولا يقود الناس إلى التقدم والتطور، وهو نظام غير قادر على قيادة الإنسان، ولا يملك مؤهّلات البقاء.

إنّ النظام الإسلامي يقوم على أساس الإيمان والعلم والعمل؛ لذا فهو يدعونا إلى أن نأخذ بوسائل العلم، والتقدم، العلمي، ونبني الحياة الاقتصادية المتطوّرة، ونحقق مجتمع العدالة والكفاية لكلّ إنسان، جاء ذلك في قول الله الحقّ:

(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص/ 77).

فالإسلام يريد من المسلم أن يبني الحياة، كما يريد منه أن يهتمّ بآخرته، ولقاء ربّه يوم الحساب.

 

5- الجهاد:

قال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة/ 41).

والجهاد واجب كفائيٌّ على عموم المسلمين، وهو الأداة المهمّة الأُخرى من أدوات حماية المجتمع الإسلامي والنظام الإسلامي، ووطن المسلمين ومصالحهم، عندما يكون هناك خطر يهدّد العقيدة، أو الأوطان، أو الأُمّة الإسلامية، أو مصالح المسلمين، من قبل أعدائهم الطامعين ببلادهم وخيراتهم، أو الساعين للقضاء على قوّتهم ومجتمعهم ونظامهم الإسلامي.

والجهاد يكون بالمال والنفس والفكر، وبكلِّ وسيلة ممكنة من وسائل المقاومة والمواجهة والدفاع، وعندما تموت، أو تضعف، روح الجهاد في المجتمع الإسلامي يتحوّل إلى مجتمع ضعيف، مُعرّض للغزو والسقوط، ويطمع به الأعداء، ويفقد العزّة والكرامة.

وقد وصف الإمام عليٌّ (ع) في إحدى خطبه الجهاد بقوله:

"أمّا بعد فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة فتحهُ الله لخاصّةِ أوليائه، وهو لباسُ التقوى، ودرعُ الله الحصينة وجُنَّتُه الوثيقة، فمن تركه رَغبةً عنه ألبسه الله ثَوبَ الذُلِّ، وشمله البلاء، ودُيِّث بالصغار والقماءة، وضُربَ على قَلبِه بالإسهاب، وأُديلَ الحقُّ منه بتضييع الجهادِ، وسِيمَ الخسف ومُنعَ النَّصْف".

هذه هي أهم وسائل تحصين المجتمع الإسلامي التي لو تحققت جميعها لاستمر المجتمع الإسلامي، وتعمق الالتزام بالإسلام، وعاش الناس في ظل العدل والأخوّة والسلام.►

ارسال التعليق

Top