عندما طلب إليّ أن ألقي خطاباً في حفل التخرج بإحدى الجامعات القريبة، قال لي أحد الأصدقاء: "المسألة سهلة، كلّ ما عليك، هو أن تقدم لهم وصفة لا تخطئ النجاح!".
قال صديقي هذه العبارة على سبيل المزاح، ولكن الملاحظة رسخت في ذهني، وكنت كلما فكرت فيها، ازددت اقتناعاً بأنّ هناك فعلاً "وصفة لا تخطئ للنجاح" متاحة لكلّ شخص لديه من الحكمة ما يكفي لمعرفتها والعمل بها.
عندما يدرس رجل الأعمال سجلات الجامعات، ويفحصون طالبي الوظائف، ويقدمون مغريات خاصة للأشخاص المجربين، فما هو الشيء الذي يبحثون عنه حقاً؟ أهو الذكاء؟ أم الطاقة؟ أم المعلومات؟ لا شكّ أنّ هذه الأشياء مطلوبة، ولكنها كفيلة بأن تجعل الإنسان يمضي شوطاً بعيداً فحسب، أما إذا كان عليه أن يتنقل إلى القمة، وأن تسند إليه مهمة قرارات القيادة، فلابدّ أن يكون هناك عامل إضافي.. شيء يأخذ مجرد القدرة، ويضاعف فاعليتها مرتين أو ثلاث مرات، ولوصف هذه الخاصية السحرية، لا توجد غير كلمة واحدة فقط هي: النزاهة.
هذه الكلمة تعنى أساساً "الكمال". والعدد الصحيح في الحساب هو رقم لا يمكن قسمته إلى كسور، وهكذا فإنّ الإنسان النزيه لا يمكن قسمته على نفسه. أنّه لا يفكر في شيء ويقول غيره – ومن ثمّ فإنّه من المستحيل عليه فعلاً أن يكذب. وهو لا يؤمن بشيء ويفعل غيره – ومن ثمّ فإنّه لا يحدث صراع بينه وبين مبادئه. وأنني مقتنع بأن انعدام الحروب الداخلية، هو الذي يمنح الإنسان طاقة إضافية ووضوحاً في الفكر يجعل النجاح أمراً لا مفر منه.
إنّ النزاهة تعنى أن تكون هناك مجموعة معينة راسخة من الأوضاع. ودعني أقدم لك بعض الأمثلة:
إنّ النزاهة تعنى أن تعمل بأفضل ما في نفسك:
منذ سنوات، أصيب أحد الكتاب بالإفلاس بعد أن فقد ثروة في استثمارات سيئة، وكان ينوي أن يسدد كلّ مليم مدين به، وظل ثلاث سنوات بعد ذلك يعمل من أجل ذلك.. ومن أجل مساعدته، نظمت إحدى الصحف صندوقاً للتبرعات، ساهم فيه عدد من الأشخاص المهمين بتبرعات كبيرة.. كان الأمر مغرياً، فإنّ القبول سوف يعنى نهاية عبء مرهق، ولكن مارك توين رفض، وأعاد المال إلى المتبرعين، وبعد سبعة أشهر، نال كتابه الجديد رواجاً كبيراً، واستطاع أن يسدد أخر ديونه تماماً.
النزاهة تعني أن يكون لك ضمير وأن تصغي إليه:
قال مارتن لوثر وهو يواجه أعداءه في المدينة، حيث تقرر إعدامه: "ليس من السلامة أو الحرص أن تفعل أي شيء ضد الضمير. ها أنذا أقف هنا فساعدني يا إلهي، فأنني لا أستطيع أن أفعل غير ذلك".
النزاهة تعني أن تكون لديك الشجاعة في معتقداتك:
وهذا يتضمن القدرة على أن تتمسك بما تعتقد أنّه صواب. وأن تمضي فيه بمفردك إذا دعا الحال، وأن تندد بما تعرف أنّه خطأ.. كانت الممرضة الشابة تواجه مسؤوليتها الكاملة لأوّل مرة في غرفة العمليات بإحدى المستشفيات الكبرى فقالت للجراح:
- فقد أزلت 11 قطعة من الإسفنج يا دكتور، ونحن استخدمنا 12 قطعة.
فقال الطبيب: "لقد أزلتها جميعاً، وسنغلق الشق الآن".
فقالت الممرضة معترضة: "كلا.. لقد استخدمنا 12 قطعة"
فأجاب الجراح في عبوس: "سأتحمل المسؤولية.. ابدؤوا خياطة الجرح"، فانفجرت الممرضة قائلة: "لا يمكنك أن تفعل ذلك.. فكر في المريض!"، وابتسم الطبيب، ورفع قدمه، وكشف للممرضة عن القطعة الثانية عشرة من الإسفنج وقال: "سوف تنجحين في عملك"، لقد كان يختبر نزاهتها.. وقد أثبتتها فعلاً.
أهو مطلب عسير؟... أجل. وهذا هو السبب في أنّ النزاهة الحقيقية نادرة وجديرة بالإعجاب. ولكنها في النهاية تستحق كلّ مجهود يبذل من أجلها. وتأمل فقط بعض الفوائد التي تأتي من النزاهة:
الجرأة:
أنّ النزاهة تمنح الشخص القوة على المغامرة، وقبول التحدي، ونبذ الشيء غير المرضي ولكنه آمن، من أجل المجهول الذي يتضمن أملاً في التحسين. إنّ الشخص النزيه يثق في نفسه ويؤمن بها، لأنّه ليس لديه ما يدعوه لأن يفقد ثقته في نفسه.
المثابرة:
إنّ النزاهة كثيراً ما تبدو في صورة قصد سليم الطوية لا يتزعزع، وإصرار يرفض الاستسلام، لقد قال ونستون تشرشل: "لا تستسلم أبداً! أبداً! أبداً! في أي شيء صغر أم كبر، عظيماً كان أم تافهاً – لا تستسلم أبداً إلا من أجل معتقدات شريفة وإدراك سليم" ولم يستسلم تشرشل قط!
الرزانة:
لقد لاحظت أن ذوي النزاهة، يقاومون الصدمات، ويبدو أنّ لديهم نوعاً من الاتزان الراسخ، يجعلهم يتقبلون النكسات أو حتى المظالم. ويحكي هاري إيمرسون فوزديك كيف أنّ أصدقاء أبراهام لنكولن حذروه من أن يلقي خطاباً معيّناً أثناء حملته الانتخابية لعضوية مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 1858 وقد رد عليهم لنكولن قائلاً: "إذا كان مقدراً لي أن أهزم بسبب هذا الخطاب فدعوني أواجه الهزيمة مرتبطاً بالصدق" وكان لنكولن هادئاً رزيناً، وقد هُزِم فعلاً، ولكنه بعد عامين فقط أصبح رئيساً للجمهورية.
وهناك فوائد أخرى كثيرة تعود على الشخص من النزاهة في الصداقة، والثقة، والإعجاب، والاحترام ومن أكثر الأشياء بعثاً للأمل في الجنس البشري، أنّ الناس كما يبدو يعرفون النزاهة بوحي الغريزة تقريباً وينجذبون نحوها دون مقاومة.
فكيف يكتسب الإنسان صفة النزاهة؟.. أنني على ثقة من أنّه ليس هناك إجابة مناسبة على ذلك، ولكني أعتقد أنّ الخطوة الأولى قد تكون تعويد نفسك على ممارسة الأمانة التامة في الأشياء الصغيرة، فلا تذكر تلك الكذبة إذا كان قول الصدق غير مناسب، ولا تكرر تلك الدردشة التي من المحتمل تماماً أنّها غير صحيحة، ولا تحمل المكتب مصاريف تلك المكالمة الشخصية.
إنّ مثل هذه النظم قد تبدو صغيرة، ولكن عندما تسعى حقاً وراء النزاهة وتبدأ في العثور عليها، فإنّها تنمي قوتها الخاصة التي تدفع بك قدماً. وفي النهاية تبدأ في رؤية أنّ كلّ شيء تقريباً يستحق اكتسابه له نزاهة خاصة بك يجب ألا تنتهك.
أهي وصفة لا تخطئ للنجاح؟.. أجل.. أنّها لا تخطئ.. لأنّه بغض النظر عن الشهرة والمال، والسلطة، أو أي شيء من المقاييس التقليدية، سوف تعتبر ناجحاً إذا سعيت إلى النزاهة، وعثرت عليها.►
المصدر: كتاب فن التعامل مع الناس
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق