عمار كاظم
نورٌ سطع في الكون بولادة محمّد (ص) في السابع عشرة من ربيع الأوّل من عام الفيل عند طلوع الفجر، ذلك هو اليوم السعيد، وُلِد محفوظاً معصوماً. ففي بيئة كانت تعاني العزلة والانكفاء وسط صحراء قاحلة ومجتمع ملأه التخلف والعصبية القبلية والتفرقة.. أرض أهملها التاريخ وقاطعتها الحضارة، وُلِدت تلك الشخصية التي أعادت صياغة الأحداث على هذه الأرض المنسية وأظهرت شبه الجزيرة العربية على واجهة التاريخ، لتشكل هذه الحادثة انعطافة كبيرة ومهمة في حياة ومستقبل العرب والإنسانية جمعاء.. هي شخصية الرسول الأكرم محمّد بن عبد الله (ص).. فهو تلك الروح العظيمة التي تسامت على أعراف بيئتها ومورثها الفكري المتخلف ليصنع ثورة قلبت بنجاحها كلّ المعادلات الدينية والاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة آنذاك، هو الفرد الذي صنع أُمّة أغنت البشرية بعطائها الإنساني والحضاري، لما جاء به من قيم نبيلة وديانة سمحاء تكالب عليها الأعداء لتشويهها إلى وقتنا الحاضر.. فكانت ولادته المباركة تمثل نقطة الشروع نحو التغيير وصيرورة جديدة في المشهد الإنساني برمته، واجه التخلف والشرك والتعصب والهمجية، ولم تكن في جعبته سوى الكلمات وشخصيته الفذة المقنعة التي وظفها لخدمة رسالته النبيلة، فأسلم لأجلها الكثيرين من الناس واختصر بها وبما تملكه من عقلية متفتحة الكثير من الوقت والجهد لإقناعهم، وهو الذي كان يلقب في قومه (الصادق الأمين).. وتقول آمنة بنت وهب أُم النبيّ محمّد (ص) لما ولد محمّد (ص) وسقط إلى الأرض، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نوراً أضاء له كلّ شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: "إنّكِ قد ولدت سيد الناس فسميه محمّداً"، وجاء عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أُمّه، فأخذه فوضعه في حجره ثم قال: "الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان، قد ساد في المهد على الغلمان".. وُلِد النبيّ (ص) يتيماً حيث توفي عبد الله بن عبد المطلب والد النبيّ محمّد (ص) عند رجوعه من الشام في تجارة لأبيه عبد المطلب، فمرض وتوفي من مرضه وزوجته آمنة حامل بمحمّد (ص) ودفن جثمانه الطاهر في دار النابغة بالمدينة المنورة. عاش النبيّ (ص) في كنف وحضن أُمّه آمنة حتى إذا بلغ ست سنين، أرادت أُمّه أن تُفرحه فذهبت به إلى أخواله "بني عدي بني النجار" في المدينة، سافرت به من مكة إلى المدينة وعمره ست سنين، ما أجمل هذا الغلام وما أحلاه، حياته سعادة يذهب إلى أخواله فيرونه ما أجمل هذا النور الذي يخرج من هذا الوجه الصغير، بعد أن فرح الغلام بأخواله رآهم ورأوه وفرحوا به، أرادت أُمّه أن ترجع به مرة أخرى إلى مكة، خرجوا من المدينة وفي الطريق تعبت أُمّه ومرضت وفي تلك اللحظات قبض الله عزّوجلّ روحها، والغلام صغير. أبوه مات قبل ولادته، أما أُمّه فقد فُجِع بها وهو غلام لم يتجاوز السادسة من العمر، أُمّه تموت أمام عينيه وأبوه فارق الدنيا قبل أن يولد، وأُمه تفارق الدنيا وعمره ست سنين، أي مصيبة ألمت بهذا الغلام الصغير أي كارثة حلت به، فقد والديه وهو في هذا العمر. بعد وفاة أُمّه (ص) تكفّل به جده وعمره ست سنين، جده عبد المطلب ابن هاشم سيد مكة يتكفّل بمحمّد (ص) ذو الست سنوات، ويجعله مع أبنائه البقية أعمام النبيّ محمّد (ص). لكن لم يظل النبيّ عنده إلّا سنتين فلما بلغ الثمان سنين توفى الله عزّوجلّ عبد المطلب، أيضاً فجِع النبيّ بجده. فتكفّل به عمه أبو طالب، ظل النبيّ (ص) في رعاية وعناية عمه أبي طالب، وكان أبو طالب يحبه من بين أبنائه ورعاه رعاية كبيرة، حتى أنّه كان يعلّمه ويدرّبه منذ الصغر على التجارة. وامتاز النبيّ محمّد (ص) بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة منذ صغره. فقد كان بعيداً عن كلّ ما يشين سمعته سواء في أقواله أو أفعاله، متواضعاً عفيفاً وكان (ص) حليماً كريماً سخياً شجاعاً أوفى العرب ذمة، صبوراً على المكاره والأذى في سبيل نشر دعوته. وكان لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يحب الفقراء والمساكين ويأكل معهم، قليل الأكل، يختار الجوع على الشبع مواساة للفقراء. وكان (ص) يجلس على التراب ويرقع ثوبه ويخصف نعله بيده الكريمة. وكان لا يجلس ولا يقوم إلّا بذكر الله تعالى. وقد مدحه الله جلّ جلاله بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).
ارسال التعليق