• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

يوم الغدير.. يوم إتمام الرسالة الربانية

عمار كاظم

يوم الغدير.. يوم إتمام الرسالة الربانية

"فاعلموا معاشر الناس، أنّ الله قد نصّبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد". من كنت مولاه فعليّ مولاه حيث يصادف يوم الثامن عشر من ذي الحجة، عيد الغدير الأغر، فيوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثّقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فلما انصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم على بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (ص) نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل ـ رسول الله (ص) ومَن معه من المسلمون ـ إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعى، فنزل عليه الأمين جبرئيل (ع) عن الله بقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

وكان نزوله هذا بهذا الشأن هو للمرة الثالثة، فقد نزل (ع) عليه (ص) قبلها مرّتين ـ وذلك للتأكيد ـ: مرة عند وقوفه بالموقف، وأخرى عند كونه في مسجد الخيف، وفي كلّ منهما يأمره بأن يستخلف عليّ بن أبي طالب (ع)، وأن يسلّم إليه ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء (عليهم السلام) وجميع ما لديه من آياتهم، وأن يقيمه علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كلّ أحد، ويأخذ منهم البيعة له على ذلك، والسلام عليه بإمرة المؤمنين، ورسول الله (ص) يسأل جبرئيل أن يأتيه من الله تعالى بالعصمة، وفي هذه المرة نزل عليه بهذه الآية الكريمة التي فيها: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة/67). حيث أمر رسول الله (ص) بالتوقّف عن المسير وأن يردّ من تقدّم من القوم ويحبس من تأخّر منهم في ذلك المكان، فنزل (ص) ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قايظاً شديد الحرّ، فأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها وأمر بجمع الرحال فيه، ووضع بعضها فوق بعض. ثم أمر (ص) مناديه فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه وإنّ الرجل منهم ليضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فلما اجتمعوا صعد (ص) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا عليّاً (ع) فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب (ص) الناس خطبة بليغة لم يسمع الناس بمثلها فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ الموعظة، ونعى إلى الأُمة نفسه، وأشار إلى أمر الاستخلاف فنصب عليّاً (ع) بأمر من الله تعالى خليفة عليهم بعده (ص).

وبعد الخطبة نزل رسول الله (ص) وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين ثمّ زالت الشمس، فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر، فلما صلّى بهم جلس في خيمته وأمر عليّاً (ع) أن يجلس في خيمة له بازائه، ثم أمر (ص) المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّؤوه (ع) بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعوه على ذلك. ففعل الناس ذلك كلّهم يقولون له: بخّ بخّ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. ثم أمر رسول الله (ص) أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن على عليّ (ع) ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعنه على ذلك، ففعلن وسلّمن عليه (ع) وبايعنه بإدخال أيديهنّ في طشت فيه ماء كان قد أدخل عليّ (عليه السلام) يده فيه قبل ذلك. قال الله تعالى على لسان نبيه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة/3). فقال رسول الله (ص): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ سبحانه وتعالى برسالتي إليكم، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي.

ارسال التعليق

Top