• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

علموا طفلكم كيف يقول (لا)

علموا طفلكم كيف يقول (لا)
◄تربية الطفل على مقاومة ضغوط الأنداد

الأصدقاء والأتراب، يشكلون جزءاً أساسياً من عالم الطفل. فهو لا يكبر وينضج إلا بالتفاعل معهم. لكن هذا التفاعل قد تكون له جوانب سلبية عندما يتعرض الطفل لضغوط من أنداده وأصدقائه، تقوده إلى اتخاذ خطوات ومسالك سيئة، تُضعف شخصية وتُعرّضه لمواقف مُحرجة مع أهله ومع أصدقائه. لذا، يتوجب على الأُم أن تُعلّم طفلها كيف يقول "لا" لضغوط أنداده.

يشكل ضغط الأنداد مشكلة للأطفال. فالطفل يتأثر بضغوطهم منذ اللحظة التي يبدأ فيها اللعب معهم. ويمكن ألا يستسيغ الطفل طريقة لعبهم، فيقف جانباً أو يحاول الابتعاد. إلا أن ضغط أنداده عليه للانضمام إليهم وتجربة فعل ما يفعلون، قد يجعله يستسلم للضغوط، إما لأنّ الطفل بطبيعته يحب أن يكون محبوباً ومقبولاً من المحيطين به، أو لأنّ الطرف الآخر يُغريه بخوض المغامرة وإشباع فضوله. ومعظم القرارات التي يتخذها الطفل يومياً تكون مبنية على أساس ما يقوله الأطفال من حوله وما يفعلون.

ومن بين أكثر العوامل التي يمكن أن تشكل تحدياً لقُدرات الطفل على اتخاذ قرار سليم وعقلاني، الأطفال الموجودون في حياته، سواء أكانوا أشقاء أم أصدقاء أم زملاء أو أولاد الجيران.. إلخ. وضغط الأنداد هو تفسير شائع للأسلوب الذي يستخدمونه لإجبار طفل على اتّباع أساليبهم بالقوة، وغالباً ما تكون هذه الأساليب والتصرفات سيئة.

وهناك العديد من العوامل الخفيّة التي تلعب دوراً ضمن إطار العلاقات بين الأطفال. منها: الرغبة في كسب الإعجاب، وفي الحَطّ من قدر الآخر، والثأر من ظلم لحق بالطفل، والتنافس في السيطرة على أرض الملعب وفرض السلطة، وانتهاك القوانين بجرأة.

وكلما كبر الطفل واجه تحديات أكبر بشأن اتخاذ القرارات العقلانية. فبعض الأطفال لا يملكون وضوحاً في الرؤية. لذا، لا يُدركون متى يتوجب عليهم قول "لا". مثلاً، إذا عرض طفل على ندّه عدم حضور درس العلوم والذهاب معه إلى السينما، أو أن يجرب تدخين سيجارة، أو أن يكذب على الأهل.. إلخ. يمكن ألا يرفض العرض، بسبب الضغط الذي يمارسه عليه النّد، أو ربما لأنّه لا يملك الوعي الكافي بأن مثل هذه التصرفات المرفوضة يمكن أن تؤثر فس مستقبله.

وعلى الأُم البدء في تعليم طفلها قول "لا، منذ المرحلة الابتدائية، وأن تحدثه عن ثمن قول "لا" باستمرار. إذ من الصعب في معظم الأحيان أن يرفض الطفل، لأنّ الرفض يمكن أن يكلفه خسارة صديق أو وضع اجتماعي أو أي شيء آخر يحبه كثيراً. وعليها أن تُحدثه عن القيم وعن ضرورة الثبات عليها في وجه كل الضغوط، وعن تحمُّل نتائج صموده في وجه ضغط الأنداد. وعلى الأُم أن تركز في حديثها على النتائج حتى يعرف الطفل أنها تدرك حجم الثمن الذي يمكن أن يدفعه نتيجة قول "لا".

 

 

-         أفكار مفيدة لكل أم:

·        على الأُم أن تتعرف إلى أصدقاء طفلها وأعدائه أيضاً، وحتى لو لم تقابل كل طفل منهم شخصياً، عليها أن تعرف أسماءهم، وما الذي يُعجب طفلها وما لا يعجبه في كل واحد منهم. كما أن عليها أن تعرف مدى تأثيرهم فيه.

·        على الأُم أن تحدث طفلها عن قيمها وأهمية أن يكون لديه قِيَم هو أيضاً، وأن تبيِّن له بوضوح أنّه إنْ لم يكن لديه قيم ولم يكن مُحصَّناً بالأخلاق، فإنّه لن يتمكن من معرفة الصح من الخط، وبالتالي لن يستطيع مقاومة ضغط أنداده. ويجب أن تجعل الأُم طفلها يدرك أن هدفها هو أن يحقق النجاح في المدرسة ثمّ في الحياة، وأن يُظهر اهتماماً نحو الآخرين ويقدم يد المساعدة لهم، وألا يدخن أو يشرب الكحول أو يتعاطى المخدرات.

·        من المهم أن يتعلم الطفل كيف يقاوم ضغط الأنداد وكيف يتخذ قراراته بنفسه. والمكان الطبيعي الذي يتعلم فيه الطفل هذه المهارات هو المنزل. لذا عندما يرغب الطفل في اتخاذ قرار مخالف لقرار الأُم، عليها أن تحترم خياره طالما أنّه ليس سيئاً ولا يسبب المشاكل. لأنّه إذا تعلم الطفل تدريجياً مواجهة الأُم بجرأة، فإنّه يتعلم مواجهة الآخرين بالجرأة نفسها.

-         الطفل في عمر الخامسة: عندما يبدأ الطفل في اتخاذ قرار سيئ أو في التاثر سلباً بضغط طفل آخر، على الأُم أن تلهيه بأنشطة مفيدة لصرف انتباهه عن نده. فإذا لم يستجب الطفل لمحاولاتها، عليها أن توضح له بكلمات بسيطة كيف يمكن لبعض الأنداد إلحاق الأذى به، وما هو الخيار الأفضل له. مثلاً، إذا بدأ طفلها يشتمُ يمكنها القول له: "إنّ الشتم في حالة الغضب أمر غير مُحبَّب لأنّه يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية. بدل شتم الطرف الآخر يمكنك القول له لا أريد اللعب معك بعد اليوم". ثمّ عليها بعد ذلك أن تحاول معرفة أين تعلم الشتم لتحاول إبعاده عن أنداد السوء، لأنّهم يجلبون المتاعب.

-         الطفل في عمر ما بين 6-9 سنوات: على الأُم دعوة أصدقاء طفلها للعب معه في فترات نظامية، وعليها التقرب منهم لمعرفة مدى تأثيرهم فيه. وإذا ظهرت من أحدهم تصرفات سيئة عليها أن تتدخل. كما أن عليها أن تتعرف إلى أهل الأطفال وإلى أولاد الجيران وأن تحاول أن تتحدث معهم عن القيم التي تعمل على تعليمها طفلها. على الأُم أن تُنوّه بقرارات طفلها الجيدة بما فيها اختياره الأصدقاء، لأن مدح الطفل باستمرار يزيد من ثقته بنفسه.

وعلى أن تسأل طفلها عما يعجبه ولا يعجبه في أصدقاء المدرسة، ولماذا. فهذا يساعده على التمييز بين السمات الجيِّدة والأخرى السيئة. ولكن يجب ألا يغيب عن بالها عند سؤال طفلها عن أصدقائه. أن عليها التركيز على تصرفات الأصدقاء لا على الأصدقاء أنفسهم.

-         الطفل في عمر ما بين 10-15 سنة. في هذا العمر يزداد كثيراً ضغط الأنداد، ويصبح من الصعب حتى على الطفل المقاوم التعامل معه. وعلى الأُم أن تتحدث باستمرار عن الضغط الذي يشاهده الطفل ويختبره في المدرسة. في هذه السن، يُبدي الطفل رغبة أكبر في التحدث عما يرى أكثر من الحديث عما يختبر، وعلى الأُم أن تكون صبورة وألا تترك الخيار لطفلها لتحديد الوقت للحديث عن تجاربه مع ضغط الأنداد.

على الأُم أن تعلم طفلها باستمرار أن يتحدث عما في داخله، وكأنّه يرسل رسالة إلى الند الذي يضغط عليه، لأن هذا يساعده على تحديد مشاعره ووصفها، وعلى الإعراب عن رغبته في النتيجة التي يتمناها. مثلاً، قد يقول الطفل: "أشعر بالغضب عندما يسرق خالد هاتفي الخليوي ويرفض أن يُعيده لي. أريده أن يتوقف عن مثل هذه التصرفات".

على الأُم أن تحدث طفلها عن الشلليّة، وعن الجنس، وتعاطي المخدرات والتدخين وشرب الكحول، وكلها ظواهر أخذت تنتشر في سن مبكرة بين أطفال اليوم. وعلى الأُم أن تكون حريصة على ألا يشارك طفلها في حفلات غير مراقبة، حيث يتم تعاطي كل أنواع الممنوعات. وعليها تعليم طفلها كيف ينسحب من الأصدقاء عندما يبدأون في الضغط عليه لعمل شيء لا يرغب فيه، وذلك بالتظاهر بأن رأسه أو معدته تؤلمه، وأن عليه الذهاب إلى المنزل فوراً، أو بالقول لهم: "يمكن أن يقتلني والدي لو فعلت ذلك. لذا أعتذر لكم". على الأُم أن تؤكد لطفلها أنها دائماً جاهزة ومستعدة لتخليصه من ضغط أنداده، إذا لم يستطِع التخلص منهم بطريقته الخاصة.

-         الطفل في عمر ما بين 16-18 سنة: على الأُم أن تُركّز في حديثها مع طفلها عن قيمها واهتماماتها، لأن بعض الأطفال في هذا العمر يعتقدون أنهم أصبحوا كباراً، وأن في إمكانهم التدخين وشرب الكحول وممارسة الجنس. على الأُم أن توضح لطفلها سبب إصرارها على بقائه بعيداً عن هذه الأمور، وأن ينتظر إلى أن يصبح أكبر، لأن كل سنة انتظار تزيد من تطوره وتُسهم في نجاحه أكثر وأكثر، بسبب تركيزه على دراسته، بدلاً من أن يتحول إلى شخص مُدمن منبوذ من الجميع.

وتُعتبر التكنولوجيا من أخطر الوسائل التي تُسهّل على أطفال السوء الضغط على الأطفال، من خلال إرسال الرسائل أو الاتصال المباشر. كما أنّ الحفلات الموسيقية الصاخبة تُعتبر مكاناً خصباً للضغط على الطفل لتعاطي الممنوعات. وعلى الأُم أن تكون حذرة في السماح لطفلها باقتناء هاتف خليوي، وحضور الحفلات، وفي تعاطيه مع وسائل الإعلام، وفي مشاهدة الأفلام، خاصة تلك التي تروج للمخدرات والعنف والجنس والتي تجعل الطفل يظن أنّ المراوغة طبيعية وأنّ الجميع يُراوغون ويكذبون ليصلوا إلى الهدف المنشود.

الأُم لا تستطيع منع ضغط الأنداد، لكنها تستطيع تعليم طفلها كيف يتعامل معه. ويمكن للمقترحات التالية أن تُساعد الأُم في هذا المجال:

1-    تعزيز ثقة الطفل بنفسه: إنّ الأطفال الذين يتمتعون بثقة عالية بالنفس لا يخضعون بسهولة لضغط الأنداد. فإذا ساعدت الأُم طفلها ليشعر بأنّه مقتدر وكفؤ، فإنها تقلل من احتمال رضوخه للضغط، وتزيد من إمكانية قوله "لا". إنّ تشجيع الطفل على ممارسة أنشطة رياضية مختلفة أو الالتحاق بمعهد موسيقى، يساعد على تعزيز ثقته بنفسه. ومهما يكن النشاط، على الأُم أن تمدح أداء طفلها باستمرار، لأن مدحه يزيد من إيمانه بقُدراته الذاتية، الأمر الاذي يساعد على بقاء الطفل خارج دائرة الضغوط. فالطفل الذي يتمتع بتقدير الذات يستطيع مقاومة ضغط الأنداد بفاعلية أكبر.

2-    الإصغاء: يتوق الطفل دائماً إلى مناقشة الأُم في طُروحاتها. وعلى الأُم أن تخصص وقتاً تتناقش فيه مع طفلها حول كل شيء، وتسأله عن الوقت الذي أمضاه في المدرسة، وعن الصعوبات التي واجهها مع رفاق الصف أو في الدراسة. إنّ مناقشة الطفل في أفكاره والإصغاء إليه باهتمام، يمنحانه الشعور بالراحة، ويُسهّلان عليه التحدث عما يجول في رأسه، ويُحصّنانه من احتمال أن يكون هدفاً لضغط الأنداد.

3-    معرفة الأصدقاء: على الأُم أن تستقبل أصدقاء طفلها في البيت في أيام العطلة، وأن تقدم الطعام لهم. فهي بذلك تتعرف إلى رفاقه، ويصبح في إمكانها اكتشاف إن كان طفلها يتعرض لأي ضغط سلبي أو إيجابي. وعلى الأُم أيضاً أن تتعرف إلى الأهل، خاصة إن كان الطفل يمضي بعض الوقت في منزل أصدقائه.

4-    وضع القوانين: على الأُم أن تفسح في المجال أمام طفلها ليكتشف العالم من حوله، لكن عليها أن تعرف متى تضع له الحدود. وعليها أن تجعله تُدرك ما هو مسموح وما هو ممنوع. وبوضع القوانين، تفسح الأُم في المجال أمام طفلها ليرى الصورة بوضوح، لا وجود لحرية مطلقة.

5-    تعليم الطفل قول "لا": يشعر معظم الأطفال بأنّه من الصعب جدّاً رفض مطالب رفاقه. وتستطيع الأُم تعليم طفلها قول "لا" بلطف ولكن بحزم أيضاً. وعلى الأُم تدريب طفلها على قول "لا" في المنزل، وتعليم طفلها أن قول "لا" هو الخطوة الأولى في مسيرة الدفاع عن النفس، وعلى الطفل إلا يقدم تبريراً للدفاع عن اختيار الرفض، لأنّ التبرير يمكن أن يقود في نهاية الأمر إلى العدول عن رفضه.

6-    تشجيع الطفل على الانضمام إلى فريق: إنّ انضمام الطفل إلى فريق الكشافة أو فرق شبابية أخرى، يساعد على تقوية شخصيته، وبالتالي يزيد من قدرته على التعامل مع ضغط الأنداد. وإذا شجعت الأُم طفلها على الالتحاق بنادٍ رياضي أو أدبي، فإنها تُقلل من احتمال تعرّضه للضغوط السلبية.

ويمكن الاستخلاص من كل ما تقدم، أن تعرُّض الأطفال لضغط من الأنداد أمر حتمي، وأن دور الأُم هو توجيه طفلها وتسليحه بالمعرفة والمهارات التي تُمكنّه من التعامل مع ضغط الأنداد. والأهم من كل ذلك، أن تُشعر الأُم طفلها بأنها تحبه بلا شروط، وحتى عندما يرتكب الأخطاء. إذا شعر الطفل بذلك، فإنّه لن يخاف من الافصاح للأُم عن كل شيء، ولا يتردد في طلب مساعدتها، ويتعلم أنّ الأخطاء دروس يمكن أن يتعلم منها الخيار الصحيح في المستقبل.►

ارسال التعليق

Top