• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«السمع المفيد» دعوة قرآنية

أسرة البلاغ

«السمع المفيد» دعوة قرآنية

(حتى لا نُصغيَ بأسماعنا إلى لَغْوٍ).

السمع يمكن أن يكون وسيلة لتصاعد الإيمان وبلوغ التقوى، ويمكن أن يكون وسيلة لاضمحلال الدين وضياع الآخرة، فكلّ كلام لا فائدة فيه أو في استماعه حرمة شرعية لهو لغو يضيع فيه وقت الإنسان يؤدّي به إلى خسارة أخروية كبيرة كان بالإمكان أن تزيد في مقامه عند الله وشأنه في الآخرة، فاليوم هو عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل.

هذا بالإضافة إلى ما يتركه الحديث الفارغ من آثار سلبية على النفس والروح في عبادتها وفي تطلّعها للفضائل والقيم الإسلامية، أو ما يسبّبه من غضب الله وسخطه عند التعرض لموضوعات فيها حرمة أو إثم وتترتّب عليها عقوبات دنيوية وأخروية.

في الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: (فُرِض على السّمع أن يتنزَّه عن الاستماع إلى ما حرَّم اللهُ، وأن يُعرِض عما لا يحِلُّ له ممّا نهى اللهُ عزَّ وجلَّ عنه، والإصغاء إلى ما أسخط اللهُ عزّ وجلّ فقال في ذلك: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) (النساء/ 1140)".

وعن الإمام الرضا (ع) قال: ".. فَرَض اللهُ على السَّمعِ أن لا تصغي به إلى المعاصي".

حيث ينبغي استعمال هذه الحاسة في موارد طاعة الله من الموضوعات المفيدة التي تنفع الإنسان وتعود عليه بالخير الدنيوي والأخروي، سواء أكانت مواضيع اجتماعية أو ثقافية أو علمية، أو كانت مواضيع إسلامية المحتوى كالمجالس الدينية والدراسات القرآنية والأبحاث الفكرية والأناشيد والبرامج الإسلامية واستماع القرآن وأمثال ذلك.

فالسمع له أثر مهمّ في توجيه الإنسان وتوعيته وإرشاده لمواضع الفلاح والنجاح والخير والهدى، ولا يتصور البعض أنّ ذلك يعني أن يصرف الوقت كلّه في استماع القرآن أو المواعظ الإسلامية فإنّ المقصود بالسمع المفيد هو الاستماع إلى أي موضوع فيه منفعة للإنسان دنيوياً أو أخروياً ولا يتعارض مع الخطّ الإسلامي، وما أكثر الموضوعات النافعة في المجتمع مثل المواضيع العلمية التي تتعلق بالكون والفضاء والنجوم والموضوعات التي تتعلق بالطبيعة والاكتشافات والأبحاث العلمية وأمثال ذلك ففي كلّ موضوع من هذه المواضيع دلالة على عظمة الخالق وقدرته، بل إنّ كلّ الموضوعات التي تعين الإنسان في حياته وعلاقته مع الأفراد سواء ما يتعلّق بالدراسات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أو ما يتعلّق بالموضوعات الترفيهية التي تصبّ في خير الإنسان ونفعه هي مواضيع مفيدة تنعكس على ثقافة الإنسان ووعيه الفكري والديني واستقراره النفسي والاجتماعي.

ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: "عوِّد أُذُنَكَ حُسنَ الاستماع، ولا تصغي إلى ما لا يزيد في صلاحِكَ".

(أي ترك الموضوعات التي ليس فيها نفع وفائدة وتهدر الوقت).

وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين (ع): "رَحِمَ الله عبداً سَمِعَ حُكماً فَوَعى، ودُعِيَ إلى رشادٍ فَدَنَى، وأخذ بحُجزَةِ هادٍ فَنَجا".

وخير الكلام هو ما كان فيه جمال وذوق وأدب وحكمة وموعظة كما في حديث الإمام زين العابدين بقوله: "لِكُلِّ شيءٍ فاكِهَةٌ، وفاكهةُ السَّمعِ الكلامُ الحَسَن".

وما ورد عن الإمام الحسن (ع) في الاستماع للأحاديث المفيدة قال: "إنّ أبصر الأبصار ما نَفَذَ في الخير مذهَبَهُ، وإنّ أسمع الأسماع ما وعَى التذكير وانتَفَعَ به".

وفي الحقيقة إنّ للسمع دوراً كبيراً في التأثير على العقل والفكر سيّما إذا ترافق مع المشاهدة والنظر، حيث يمكن للإنسان أن يختار من الموضوعات ما يرفع من مستواه الفكري والثقافي والإيماني كما يمكنه أن يختار من الموضوعات السخيفة أو التافهة التي تهبط بفكره ودرجته الإيمانية، ولذا أكّد أمير المؤمنين على الوعي وحسن الاختيار للموضوعات بقوله (ع): "إذا لم تَكُن عالِماً ناطِقاً فَكُن مُستَمِعاً واعياً".

أي أن يحسن المؤمن اختيار الموضوعات التي يستمع لها فتكون له وليس عليه في حساب الآخرة حتى إنّه اعتبر أنّ السامع شريك المتكلّم في الموضوع، فإن كان الموضوع مفيداً فإنّ المستمع شريكه في الأجر والمثوبة، وإن كان الموضوع سخيفاً أو متجاوزاً للشرع كان السامع شريك القائل كما في الروايات التالية:

عن أمير المؤمنين (ع) قال:

·      "السامع شريك القائل".

·      "سامِعُ ذِكرِ الله ذاكِرٌ".

·      "سامِعُ هُجْرِ القول شريكُ القائل".

·      "سامِعُ الغِيبَةِ أحدُ المُغتابين".

فقد يكون السمع سبباً للمثوبة والأجر وقد يكون مورداً للإثم والمعصية سيّما في الاستماع للموضوعات المحرّمة كما في الحديث عن الإمام الصادق (ع) حيث قال:

"فَرَض اللهُ على السمع أن يتنزَّه عن الاستماع إلى ما حرَّم اللهُ وأن يُعرِضَ عمّا لا يَحِلُّ له ممّا نهى الله عزَّ وجلّ عنه".

ومثله ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) بقوله: "فَفَرَض على السَّمعِ أن لا تُصغِيَ به إلى المعاصي".

والإصغاء أو الاستماع هو غير السمع فإنّه يشمل الإنصات والتوجّه بوعي وانتباه، وإعطاء الموضوع الأهميّة البالغة كما في قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف/ 204).

وفي هذه الأحاديث دلالة على ترك الاستماع للأحاديث والموضوعات التي لا فائدة منها أو التي فيها حرمة مهما كان مصدرها أو أسلوبها سواء أكانت بشكل حديث مباشر أو غير مباشر فكلّ موضوع يشغل الإنسان عن ذكر الله أو يهدر وقته وعمره ينبغي لأهل الإيمان أن يتجنّبوا استماعه أو الخوض فيه.

ومن يقارن بين حالة الاستماع المفيد واستماع اللغو يدرك الفرق بينهما فيما تتركه هذه الموضوعات من أثر على نفسه ودينه وأخلاقه.

وفي  شهر رمضان من الأحاديث والمواعظ والأدعية وتلاوة القرآن والمحاضرات الإسلامية والأخلاقية ما يمكن أن يفتح للمؤمن أبواب الرحمة لينقله إلى عالم هو في غفلة عنه إن أحسن الاختيار والاستماع للمواضيع لينال فضل الله وكرامته في  شهر الله المبارك وهو ما يريده الإمام (ع) بقوله "ولا نصغي بأسماعنا إلى لغو" حتى يصبح له عادة في جميع الأشهر والأيّام تمنعه من اللهو ومن الاستماع إلى غير ما يرضي الله.

(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).

ارسال التعليق

Top