• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الصدقة» أوّل قبول الأعمال

عمار كاظم

«الصدقة» أوّل قبول الأعمال

قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/ 103). هنا الحثّ على التصدّق خلال شهر رمضان كونها إحدى الأمور المستحبة التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خُطبته الشهيرة. لا يخفى ما لفضيلة بذل المال والإنفاق في سبيل الله من أثرٍ كبير على المستوى الروحي والعبادي للإنسان، ولذلك ترى الآيات القرآنية تجزل الثواب على المتصدّقين وتمدحهم، وتتوعّد الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله بالهلاك والعذاب الأليم، ولا يخفى فضل الصدقة خلال شهر رمضان المبارك كما أشارت الأحاديث الشريفة. وأيضاً يعتبر بذل المال من أنواع الجهاد: قال تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة/ 111). وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التوبة/ 88). حيث إنّ الله عزّوجلّ هو أحبّ إلى المؤمن من ماله، ولذلك نقرأ في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) أنّه خرج من ماله مرّتين فتصدّق بكلّ ما يملك. أيضاً تعتبر الصدقة، صلة ارتباط بنهج، لأنّ الحافز في داخل الإنسان إلى بذل المال هو المساهمة في سدّ حاجات المحتاجين الذين يرتبط معهم في خطٍّ ونهجٍ واحد. والصدقة، هي أوّل انعكاسات قبول الأعمال: قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النساء/ 114).

بركات الصدقة:

- أمان في القبر يوم القيامة: أي أنّ ثوابها يدفع عنه ألم العذاب، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور، وإنّما يستظلّ المؤمن يوم القيامة في ظلّ صدقته».

- قبول العمل: الإمام الصادق (علیه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ما من شيء إلّا وقد وكّلت من يقبضه غيري، إلّا الصدقة، فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفاً». وكأنّ الله نزّل نفسه منزلة وليّ الفقراء الذي يقبض عنهم مالهم وينفقه عليهم.

- الصدقة مفتاح الرزق: وليست منقصة للرزق أو خطر عليه كما يوهم الشيطان للإنسان. فعن الإمام عليّ (علیه السلام): «استنزلوا الرزق بالصدقة».

- الجزاء المضاعف: قال تعالى: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة/ 276). ولعلّ أجمل ما يشرح نموّ الصدقة ما روي عن الإمام الصادق (علیه السلام): «قال الله تعالى: إنّ من عبادي مَن يتصدّق بشق تمرة، فاربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى أجعلها له مثل جبل أُحد».

- دفع البلاء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء إلّا الدعاء والصدقة». وعندما نقرأ قول رسول الله أنّها تدفع القضاء ندرك أهميّة الصدقة وأولويّتها وحاكميّتها على كثير من الأمور. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصدقة تمنع ميتة السوء». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «تصدّقوا وداووا مرضاكم بالصدقة، فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم».

أولويّة ذوي الرحم بالصدقة:

وبيّن أهل بيت العصمة مصرف الصدقات، فعن الإمام الحسين (عليه السلام): «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ابدأ بمن تعول: أُمّك وأباك وأختك وأخاك، ثمّ أدناك فأدناك». رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا صدقة وذو رحم محتاج». بمعنى أنّ الصدقة الكاملة هي التي تراعي الأقرب فالأقرب. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الصدقة على ذي القرابة يضعف أجرها مرتين». ولا يخفى أنّ مضاعفة الأجر إنّما يراد منه إعطاء الأولويّة لذي القرابة.

فضل صدقة السرّ وآثارها:

قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/ 271). والتصدّق سرّاً له جانب يتعلّق بالمتصدّق وهو أن لا يتسرّب الرياء إلى نيّته، وله جانب يتعلّق بالمتصدّق عليه وهو حفظ ماء وجهه من الناس. عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تتصدّق على أعين الناس ليزكّوك، فإنّك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإنّ الذي تتصدّق له سرّاً يجزيك علانية». وأمّا في ثوابها فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أكثر من صدقة السرّ، فإنّها تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «سبعة في ظلّ عرش الله عزّوجلّ يوم لا ظلَّ إلّا ظله: رجل تصدق بيمينه فأخفاه عن شماله». وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «الصدقة والله في السرّ أفضل من الصدقة في العلانيّة، وكذلك والله العبادة في السرّ أفضل منها في العلانيّة».

ارسال التعليق

Top