• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أبوالفضل العبّاس (عليه السلام) .. بطل كربلاء

عمار كاظم

أبوالفضل العبّاس (عليه السلام) .. بطل كربلاء

في الرابع من شهر شعبان، يصادف ذكرى ولادة بطل كربلاء، بطل بني هاشم، أبي فضل العبّاس (عليه السلام)، هذا البطل الإسلامي الكبير الذي لم يتجسّد إقدامه في موقعة كربلاء فحسب، بل في علمه ووعيه وثباته وروحانيته أيضاً، وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وهو يتحدث عن العبّاس (عليه السلام) أنّه قال: «كان عمنا العبّاس نافذ البصيرة» كان يتميّز ببصيرة تجعله ينفذ إلى الأمور وينفتح على القضايا كلّها، ليرتبط بالحقّ من خلالها.

ونفاذ البصيرة، يوحي إلينا بما كان يتميّز به من علم ورأي وشمولية في وعي الواقع كلّه «صلب الإيمان» كان إيمانه الإيمان الصلب الذي لم تضعفه أو تزلزله كلّ إغراءات الدنيا وإرهاباتها. وكيف لا يكون كذلك، وهو الذي عاش مع أبيه عليّ (عليه السلام) في طفولته وأوّل شبابه، وعاش مع أخويه الحسنين (عليهما السلام) كلّ أجواء العلم والروحانية والسداد، وما يفتح عقول الناس على الحقّ، وقلوبهم على المحبة، وحياتهم على الخير.

كان العبّاس (عليه السلام) خلاصة عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام)، في معنى الوعي والروحانية، وفي حركة العلم وثبات الموقف وصلابة الإيمان ونفاذ البصيرة، كان ذلك كلّه، ولم يكن مجرد مجاهد نذكره في جهاده «جاهد مع أبي عبدالله (عليه السلام) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً»، ويقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «رَحِم الله العبّاس، فلقد آثر - من الإيثار - وأبلى وفدى أخاه بنفسه».

وعند دراسة بعض اللمعات ذات الدلالة في بعض مواقفه في كربلاء، نرى أنّه كان في البداية صاحب لواء الحسين (عليه السلام)، ونحن نعرف أنّ اللواء يُعطى للشخصية المميزة في الثبات والشرف والشجاعة. ويُقال في السيرة الكربلائية، إنّ الحسين (عليه السلام) جمع أصحابه وأهل بيته (عليهم السلام) ليلة عاشوراء وخطبهم فقال: «أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً - اركبوا ظلام الليل كما يركب الإنسان الجمل لينجو بنفسه - وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري»، فقام إليه العبّاس، وهو الذي وجّه مسار الحديث، فبدأهم فقال: «ولمَ نفعل ذلك؟ - إنّ الذين يتخلون عن قيادتهم هم الذين لا تمثّل القيادة أيّ معنى في حياتهم من خلال معنى الرسالة في عقولهم وشخصياتهم، إنّهم الذين يحبّون الحياة أكثر ممّا يحبّون رسول الله وإمام الهدى والرسالة - لنبقى بعدك؟؟ لا أرانا الله ذلك أبداً»، لن نعيش في وقت لن تكون موجوداً فيه، نحن هنا من أجل أن نضحي ونجاهد في سبيلك، لأنّ التضحية والجهاد في سبيلك هما تضحية وجهاد في سبيل الله والإسلام. وتتابع أهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بمثل هذا الكلام، وأشهدوا الله على أنّهم يفدون الإمام الحسين (عليه السلام) بكلّ أنفسهم ومواقفهم.

وتنقل سيرته في كربلاء، أنّه حمل الماء إلى المخيم عدة مرّات، ولكنّه في المرّة الأخيرة، لم يستطع إيصال الماء، وسقط شهيداً في يوم عاشوراء، حيث كمن له شخص فقطع يمينه، ومن الطبيعي عندما تقطع يمين الشخص، وهي اليد التي يحمل فيها السيف، أن يُصاب الإنسان بالضعف وخيبة الأمل والمرارة، ولكن العبّاس كان يزداد عنفواناً وشموخاً، وقد صوّر هذا الموقف بعض الشعراء بقوله:

والله إن قـطّعتم يميني إنّي أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادق اليقين نجل النبيّ الطاهر الأمين

فأنا لا أُحامي عن نفسي في هذا الموقف لأبكي عليها عندما تقطع يميني التي أحارب بها، ولكني أُحامي عن ديني، فالحسين (عليه السلام) جاء من أجل الإصلاح في أُمّة جده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولتغيير الواقع الإسلامي الفاسد في قيادته وفي خطّ الانحراف الذي سيطر عليه. وما نلاحظه، أنّ العبّاس لم يقل: «أُحامي عن أخي»، ولم يتحدّث عن النسب، وإنّما تحدّث عن القيادة وعن حماية الإمام الحسين (عليه السلام)، كونه إماماً صادق اليقين بالله وبرسوله وبالإسلام، وهو ابن رسول الله حقّاً، بالجسد والروح والموقف والرسالة.

ارسال التعليق

Top