• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أسس الحوار الحي في المجتمع

أنس حبيب

أسس الحوار الحي في المجتمع
  - مقدمة.. الحوار فن ومهارة، يتطلب الإفادة من التجارب الشخصية وخبرات الآخرين، وحب التفاعل مع الناس، وتَقَبُّل العادات والتقاليد، والإصغاء واحترام الآراء. والحوار فن لا يقوم على الموهبة وحدها، بل يتطلب عملاً متواصلاً على تدريب الذات، وممارسة يومية مع الآخرين... وبالتأكيد لا تستطيع ورقة العمل هذه إيصال هذا الفن كاملاً، لكنها على الرغم من تواضعها، تساعد الفرد في امتلاك بعض المفاتيح التقنية الأساسية لضمان إيصال الفكرة ونجاح الحوار. وهي تنير لقارئها الطريق، ولا تحمله على السلوك؛ وتُرشد دراسها إلى مناهج، ومسالك، ولا تحمله على السير فيها؛ وتُعطيه المصباح، ولا تضمن له أن يرى إن كان في عينيه رمد. إذاً لابدّ أن تتوفر لدى الفرد الرغبة القوية في القدرة على الحديث والحوار بأسلوب مقنع وجذاب أمام الأطراف المشاركة بالحوار، وضرورة معرفة ما سيتحدث بشأنه بوضوح وأن يتصرف بثقةٍ كبيرةٍ أمام الآخرين، ولا تتولّدُ الثقة لدى المحاور إلا من خلال طرد الخوف الناتج عن الجهل وعدم التأكد من صحة المعلومات التي يسردها للأطراف المشاركة بالحوار. ويروى أنّه "اجتمع متناظران، فقال أحدهما للآخر: هل لك في المناظرة قال: على شرائط: أن لا تغضب، ولا تشغب، ولا تعجب، ولا تحكم، وأن تؤثر التصادق، وتنقاد للتعارف، وأن يبقى كلٌ منّا في مناظرته على أنّ الحق غايته، والرشد بغيته".   - مدخل: تتناول هذه الدراسة النقاط الآتية: ما المحاورة، وماذا نعني بالمرسل/ المحاور، وما شروطه، وما قسما المحاورة، وما هي فلسفة الحوار، وما هي سمات المحاور والمشاركين في الحوار، وما هي آدابه وما هي آلياته – أي أسس الحوار – وذلك بالعرض والتحليل بما يؤهل الفرد على مواجهة التحديات اليومية التي تعترضه.   - المحاورة: هي اتصال لغوي بالدرجة الأولى، يقوم على أركان متعددة هي الرسالة والمرسل والمتلقي والوسيلة أو الطريقة، وتمتاز في العرف التربوي بوضوح الرسالة وشموليتها وإمكانية القياس عليها وتقويمها. نعني بالمرسل المحاور: من حمل رسالة ما متخذاً الحوار آلية للتواصل، ومن الشروط التي ينبغي أن يتمتع بها: - وعيه للرسالة مبنىً ومعنىً. - وعيه لآليات الحوار الفاعلة. - الحضور الشخصي المتميّز. وأودُّ أن ألفت انتباه القارئ الكريم إلى أنّ الشرطين الأول والثاني من المتطلبات المشتركة التي يجب أن يتمتع بها أفراد المجتمع لتأدية رسالتهم على أتم وجه، وأنّ الشرط الثالث أي الحضور الشخصي له دور مهم، غير أنّه يتفاوت من فرد إلى آخر، ويدخل في نطاق تأثير الميول والمواهب والاستعدادات الفردية، كأن يشرك أحد المحاورين موهبته في الغناء أو في الشعر أو في الرسم أو في الموسيقا أو غير ذلك من قدرة على خلق الطُرف أو إثارة الجو بابتسامة... لتفعيل وتنشيط الحوار. وتختلف أقسام المحاورة من معيار إلى آخر، وقد اعتمدت في هذه الدراسة على معيار واحد، وهو معيار وسيلة الأداء، وهي تنقسم إلى قسمين. 1- المحاور الحيّة في المجتمع والتي تكون وجهاً لوجه، وتقوم على المشافهة والاتصال المباشر دون وسيلة آلية، وتشمل حوار الأفراد في الأسرة والمدرسة والبيئة، وتتميز بالحميمية والمباشرة والمواجهة ولها أهميتها في أنّها لغة التواصل المستمر للفرد والجماعات في الحياة. 2- المحاورة التي تعتمد على الوسيلة: كالجريدة والكتاب والهاتف والإذاعة والتلفاز والإنترنت... إلخ. وكثيراً ما تعتمد على فاعلية الوسيلة مميزاتها في إيصال الرسالة المرجوّة "السرعة، التكثيف" وتتميّز بأنها آنية تدخل في نطاق التخاطب (التحار الخاص). ما يهمنا في هذه الدراسة الجانب الأوّل، وبذلك يكون عنوان دراستنا بعد توضيح هذه المفهومات" أسس الحوار الحيّ في المجتمع"؟.   - أوّلاً – فلسفة الحوار: - عندما يستمع الفرد/ الجماعة قد يتذكر. - عندما يسمع ويرى، لن ينسى. - حين يفكر، فغالباً ما يقتنع ويتبنى ويطبَّق. هذه هي مهمتك، عزيزي المحاور.. هذا هو هدفنا من الحوار..   - ثانياً – سمات المحاور: لابدّ أن يتمتع الفرد بسمات أساسية أثناء الحوار أهمها: - الصدق في التعامل. - الإحساس الدائم بإمكانية التعلم من الآخرين. - احترام الرأي الآخر. - الاعتراف بعدم القدرة على امتلاك معرفة كاملة بموضوع معيّن، والسعي للبحث عن المعلوماتالصحيحة. - حب المعرفة والإطِّلاع. - الموضوعية والتروي عند تناول مختلف الآراء. - المبادرة الذاتية:   - ثالثاً – سمات المشاركين في الحوار: المشاركون في الحوار هم أرباب أُسرٍ من المجتمع لهم مجموعة من السمات أهمها: - وضع قيادي في البيئة بحكم وضعهم الاجتماعي أو الوظيفي. - خبرة في الحياة وتجارب معيشية من الضروري أخذها بعين الحسبان والانطلاق منها والبناء عليها وعدم إهمالها. - حافز للتعليم ينميه أسلوب التعليم الذي يسهَّل مشاركتهم بصورة فعالة. - عزة نفس تفرض الاحترام المتبادل والكامل في التعامل معهم. - اهتمامات خاصة بهم، يجب على المحاور معرفتها وأخذها بعين الحسبان حتى يشعروا أنهم يستفيدون من الحوار. - ظروف شخصية ومسؤوليات يجب أن تؤخذ في الحسبان، كأنّ يلائم توقيت الحوار ظروفهم وبيئتهم وإلا فقدوا الاهتمام.   - رابعاً – آداب الحوار: - الاحتراز من إطالة الكلام ومن اختصاره. - تجنب غرابة الألفاظ وإجمالها. - ملاءمة الكلام للموضوع (مضمون الحوار). - الابتعاد عن سخرية الفرد للطرف الآخر في المحاورة. - اقتناع المحاورين بهدف الحوار وهو ظهور الصواب ولو على يد الطرف الآخر. - عدم تعرُّض أحد المتحاورين لكلام أحد أطراف الحوار قبل أن يفهم الغرض منه. - انتظار المتحاورين للمتحدث ضمن الحوار حتى يفرغ من كلامه.   - خامساً – آليات الحوار مع الفرد/ الجماعة: 1- الاستقطاب: يفقد الإنسان بطبيعته فرديته وسط الجماعة. فيصير فرداً منها، ويُحرَّك بسهولة أكثر مما يكون فرداً واحداً...، ومن الأهمية بمكان أن يجلس المحاور في مستوىً موازٍ للأطراف المشاركة بالحوار، ويقف بالقرب منهم، وأن يتجاوز كل الرسميات، وأن يقيم روابط حميمية، وأن يجعل حواره ودّيّاً. 2- الإطلالة التعبيرية الفاعلة (ابتسامة، حزن، انفعال): أليست الابتسامة المحرَّبة أماَ أطراف الحوار مثلما هي وراء الآلة الحاسبة في المتجر؟ ويقول البروفيسور "أوفر ستريت" في كتابه "التأثير في السلوك الإنساني": الشبيه يولد الشبيه فإذا وجهنا انتباهنا إلى المشاركين في الحوار، يحتمل أن يهتموا بنا، وإذا تجهمنا، فإنّهم سيتجهمون داخلياً أو ظاهرياً نحونا، وإذا كنا مرتبكين فإنّ الطرف الآخر في الحوار بدوره سيفقد الثقة بنا... من هنا نؤكد أهمية ظهور المحاور أمام محاوريه بأسلوب يستدعي الاستجابة الدافئة، والحوار الودي، والابتسامة المشرقة والتي تعطي انطباعاً مريحاً لدى الآخرين، وتعزز الثقة فيما بينهم. 3- التقديم الفاعل: الخطأ الكبير الذي يمكن أن يقترفه المحاور في المقدمة هو سوء الاستهلال أو السلبية. مثال: "ليس لدي ما أقوله..." هذا الأسلوب يمتهن الشخص (الطرف الآخر في الحوار) الذي تقف أمامه لأنّه يشعرُ بأنّه لا يستحق أن يستفيدَ من الحوار معك... حيث تستحوذ لحظة مواجهتك مع المحاور على انتباهه طبيعياً، فليس من الصعب أن تستحوذ عليه في اللحظات الخمس التالية، لكن من الصعب أن تستحوذ عليه في الدقائق الخمس التالية، فإن فقدته مرة، فإن صعوبة استرجاعه سيتضاعف. فابدأ بشيء مثير منذ الجملة الأولى. مثال: مما يروى عن قبيح الاستهلال ما يروى عن ذي الرمة لما امتدح عبد الملك بن مروان بقصيدةٍ له فقال: ما بال عينك منها الماء ينسكب **** وكان بعين عبد الملك مرض لا تزال عينه تدمع منه فقال له: وما سؤالك عن هذا يا جاهل؟.. وأمر بإخراجه. وكذلك فعل هشام بن عبد الملك بأبي النجم الشاعر لما أنشده يصف الشمس في غروبها فقال: صفراء قد كادت ولَّما تفعل **** كأنها في الأفق عين الأحوال وكان هشام يعرف بالأحوال فظنَّ أنّه يعرض به فأمر بإخراجه وطرده.   4- إثارة الفضول: إنّ إثارة المحاور فضول محاوريه منذ الجملة الأولى، تحوز انتباههم واهتمامهم، ومن الممكن الاستشهاد ضمن سياق الحوار بمقولة لرجل بارز – علم من أعلام الفكر أو السياسة أو الأدب أو الفن – لديها قوة تجذب الانتباه لدى الأطراف المشاركة بالحوار.   5- الأداء الجيِّد "لغة + فكه + انفعال": الحوار الحديث، سواء كان ضمن اجتماع عمل أم تحت خيمة، يتطلب من المتحدث أن يلقي ما في جعبته من أفكار مثلما يفعل خلال جلسة سمر، وفي الأسلوب العام كالذي يستخدمه في أثناء محادثة أيّ منهم بصورة طبيعية وتلقائية وسهلة. إذا كنت تتحاور مع شخص ما فإنك لن تستحوذ على استحسانه إلا عندما تتحدث بأسلوبٍ طبيعي. فالنافذة الجيِّدة لا تجذب الاهتمام إليها. إنها فقط تبعث النور. والمحاور الجيِّد يشبهها. فهي طبيعية جدّاً حتى أن محاوريه لا يلاحظن أبداً أسلوبه في الحوار، بل هم ينصتون فقط إلى مادته، وهذا سرّ الحوار الجيد السلس والعفوي. ولا يأتي هذا الحوار الجيِّد إلا من خلال التدريب المتواصل والمطالعة المستمرة، والخبرة المكتسبة، والتحضير الشمولي المسبق للحوار والتمكن من موضوعه، والقدرة على توصيله إلى الآخرين. 6- تأكيد كرامة الأشخاص المحاورين وقيمتهم: لكل إنسان قيمة بغض النظر عن مسلكياته، ومعتقداته الدينية ووضعه الاقتصادي أو الاجتماعي.. وعلى المحاور أن يحافظ دوماً على كرامة الطرف الآخر في الحوار وقيمته، وذلك من خلال التقبل غير المشروط، والاحترام، وعدم الحكم المسبق عليه. 7- القواسم المشتركة والفروق الفردية: لكل إنسان ميزات وخصوصيات فريدة من نوعها يجب على المحاور أن يؤكد مميزات الأشخاص المحاورين من جهة قدراتهم الجسمية، وميزاتهم النفسية، واهتماماتهم، وأهدافهم، وقيمهم، وأنماط سلوكهم المختلفة والتي تميزهم من الآخرين. يعني فهم هذه الخصوصية إدراكنا العميق لنظرة الطرف الآخر إلى الحياة وطرائق اختبارها للتعايش والانسجام معها. 8- الاختيار والقرار: الاعتراف العملي بحق الطرف الآخر في حرية الاختيار، واتخاذ القرارات المناسبة ومن الأهمية بمكان عدم الافتراض أن دورك – محاوراً – هو إعطاء الحلول أو تقديم النصائح التي تعزز الاتكالية، وتحطُّ من قدر الآخرين، وتُهمَّش نقاط القوة لديهم. 9- الخصوصية: المحافظة على سرّية المعلومات التي يكشفها أطراف الحوار لنا، واحترام خصوصية المعلومات، هي من أهم أسس العلاقة الإنسانية التي تؤكد قيمة الآخرين – أطراف الحوار –. ودون تأكيد السرّية، لن يقوم أطراف الحوار بكشف معلومات خاصة به. وعلى المحاور أخذ موافقة أحد المشاركين في الحوار قبل الكشف عن أي معلومات لجهات أخرى. 10- الكشف والاستيضاح: قد يسأل أحد المشاركين في الحوار سؤالاً ما، أو يطلب طلباً ما، لا يستطيع من خلاله تحديد ما يريده... فمن الحكمة أن يُسهم المحاور في استيضاح ما يقصده هذا الشخص أو مدى أهمية السؤال المطروح. هذا التكتيك مهم جدّاً عندما يرغب أحد أطراف الحوار في أن يطرق بعمق موضوعاً معيّناً. مثال: - هل تحب أن تُخبرني أكثر عن..؟ - ما الأشياء التي تفكر بها..؟ - ماذا تقصد بـ..؟ - هل تستطيع أن تعطيني مثالاً عن..؟ 11- التعبير عن المشاعر: التعبير عن المشاعر لدى أشخاص الحوار عامل أساسي في نجاح الحوار، وأحياناً يتردد أحد المحاورين في التعبير عن مشاعره القوية تجاه فكرة ما، بيد أنّه لا يعبّر عنها نظراً إلى عدم تأكده من ردة فعل أطراف الحوار، أو بسبب أنّه لا يمتلك الكلمات المناسبة للتعبير عن هذه المشاعر. يسمح التعبير عن المشاعر لأطراف الحوار بأن يشعروا بأهميتهم ومكانتهم. مثال: - هل تقول انك تشعر بـ..؟ - نعم إنك تشعر أنها خطوة بالاتجاه الصحيح..؟ - تبدو غير مرتاح تجاه الفكرة المطروحة والتي تتعلق بـ..؟ 12- الاستدراج: يجب على المحاور ألا يفاجئ السامعين بالتصريح بما يعتقده كله، بل يشككهم فيما يعتقدون – إذا كان اعتقادهم خاطئاً –، أو يُصرِّح لهم ببعض ما تنتجه براهينه، حتى إذا آنس منهم رشداً أفرغ ما في جعبته من حقائق وبراهين، والاستدراج باب واسع النطاق يتطلب مهارات كبيرة من قبل المحاور.. 13- التعميم: قد يطرح أحد المشاركين بالحوار فكرة ما – سلوكاً ما – تتعلق به – يتبناها – أو تتعلق بغيرة أثناء الحوار.. فحريٌّ بالمحاور عند التعرض لهكذا موقف ألا يحاول تضييق الخناق حول الشخص الذي طرح الفكرة بأن ينتقده، أو يحاول التقليل من شأن الفكرة المطروحة أو تقنين الحوار بينه وبين هذا الشخص وتهميش أطراف الحوار.. بل يجب عليه أن يعزّز الفكرة المطروحة – سلبية كانت أم إيجابية – والتي قد تتعلق بسلوك ما أو بتقاليد اجتماعية معينة – ويفضَّل أن يقوم بتعميمها وإشراك أطراف الحوار في مناقشتها. مثال: - إن معظم الناس قد تشعر هكذا..!! - هذا الشيء قد يخيف أيّ إنسان يمرُّ به.. - إنّ ما تطرحه يعيشه ويسمعه كل منا يومياً في أثناء حياته.. 14- التوضيح: المقصود بهذه العملية توضيح الأفكار المشوَّهة مثل المخاوف، والتحيزات، والأفكار غير المنطقية، التقاليد الاجتماعية السلبية.. وهناك أسلوبان للتوضيح: أ- مواجهة أطراف الحوار مباشرةً بالحقائق الواقعية، وذلك عندما يكون طراف الحوار يعرفون بصورة واعية أنّهم يشوهون الحقائق... مثال: المبالغة المفرطة عند بعض الشرائح الاجتماعية/ تفشي الشائعات. أعتقد أنكم تعرفون أنّه ليس هذا ما يحصل تماماً بالطريقة التي تصفونها؟ ما رأيكم؟... ب- مواجهة أطراف الحوار بطريقة غير مباشرة، وذلك عندما تكون التشويهات التي يمكن أن يقوم بها أطراف الحوار هي عبارة عن دفاعات غير واعية جزئياً أو كلياً. مثال: - من الممكن أن يساعد أن تقول متى يحدث ذلك ومتى لا يحدث. - ربما نعرف عن الضعف الذي تتحدث عنه، ولكن برأيك ما بعض جوانب القوة؟ 15- التلخيص: هو رسم ماتم قوله حتى الن للتأكد بأن أطراف الحوار يسمعون المحاور والتلخيص مهم جدّاً في التحول من جميع المعلومات المطروحة أثناء الحوار إلى تكثيف الأفكار والوصول إلى مقترحات وتبني سلوكيات إيجابية عند الناس. 16- الابتعاد ما أمكن عن أسلوب النصيحة المباشرة والتوجيه: يحدث أسلوب إسداء النصائح على الآخرين شرخاً كبيراً بين المرسل والمتلقي الأمر الذي ينتقل سلباً إلى عدم تحقيق الحوار لأهدافه.. وذلك مرده إلى أن أطراف الحوار يشعرون بدونيتهم أمام المحاور.. وهذا الأسلوب خطرٌ جدّاً لأنّه قد يثير دفاعات سلبية عند الأطراف المشاركة بالحوار.. مثال: وعظ المأمون واعظ، وعنّف له بالقول؛ فقال له المأمون: يا رجل أرفق؛ فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق، فقال تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/ 44). 17- إعطاء المعلومات الصحيحة: المحاور يعطي المعلومات اللازمة عن حقائق ثابتة وموضوعية تستند إلى العقل والمنطق، ولا يستطيع أن يفرض على الأطراف المشاركة بالحوار تبني ما يطرحه بل يدعهم يفكرون بما يقوله، ويجب على المحاور أن يستخلص من المشاركين بالحوار اقتناعاته فيما يطرحه، ويستشف منهم مواطن الضعف في المعلومات التي قام بطرحها في أثناء الحوار والمناقشة. 18- تغيير الموضوع: يحتاج المحاور أحياناً أثناء الحوار، إلى تغيير الموضوع، لأنّه يظن أن موضوع النقاش غير مجدٍ أو أنّ الأطراف المشاركة بالحوار بدؤوا التحدث بتفاصيل متعددة في وقت مبكر، أو أنّ الأطراف المشاركة بالحوار تظهر عدم قدرتها على مناقشة موضوع حساس. مثال: 1- ما تقوله مهم، لكن أوّلاً هل نستطيع أن نعود إلى مناقشة.. 2- قبل أن نكمل في هذا الموضوع قد يكون مفيداً أن نفكر بـ.. 3- ربما تكلمنا بما فيه الكفاية عن هذا الموضوع الآن، ما رأيك بنقاش الموضوع الآخر الذي ذكرته. 19- المواجهة الفاعلة: يتطلب الحوار أنماطاً معينة في المواجهة التي تستلزم أن يسلكها المحاور في الرد على اقتناعات أحد أطراف الحوار ويفضل استمالة المشاركين بالحوار وكسب تأييدهم لخلق أية مواجهة لتعديل أو تغيير اقتناعات أو سلوكيات اجتماعية عند الناس، وهذه المواجهة يجب أن ترتكز على أسس علمية ومنطقية واضحة. مثال: قدَّم الكتبة والفريسيون إلى يسوع عليه السلام امرأةً أمسكت فيزنا. ولما أقاموها في الوسط قالوا له يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أنّ مثل هذه تُرجم فماذا تقول أنت، وألحوا عليه بالسؤال، فانتصب يسوع عليه السلام وقال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أوّلاً بحجر. (إنجيل متى، الإصحاح الثامن، 3-8). 20- التفسير المنطقي: ينبغي أن يكون لأي فكرة غامضة مطروحة ضمن الحوار تفسير منطقي، منعاً لظهور أي لبس في الفكرة المطروحة فتقوم الأطراف المشاركة بالحوار بالتفكير بالبدائل المتوفرة أمامهم لتعديل سلوك ما ويصير لديهم القدرة في التنبؤ بالنتائجالممكنة. مثال: دعنا نفكر معاً بهذه الفكرة/ إذا أنت فعلت ما يلي... ماذا تعتقد أنّه سيحصل؟ 21- عرض السلوك: يقوم المحاور باتباع هذا الأسلوب من خلال عرض السلوك الذي يريد من الأطراف المشاركة بالحوار محاكاته – عرض الإيجابيات والسلبيات – عرض الأسباب والنتائج – وهذا قد يحصل من خلال القيام بتأدية الأدوار ويمكن أن يتم بطريقة قيام المحاور بشكل واعٍ بعرض نفسه كأنموذج بديل عن أحد أطراف الحوار. مثال: 1- انظر كيف سأتحدث مع أسرتي موضوع..، ودعنا نناقش هذاالموضوع بعد ذلك. 2- ولو كنت مكانك كان يمكن أ، أقوم أو أتخذ الموقف التالي... 22- التحفيز: يتمثل التحفيز بقيام المحاور بتعزيز الأفكار المطروحة من قبل المشاركين بالحوار معنوياً، أو إمداده بالدعم لفكرتهم نظراً إلى أدائه بسلوك معين أو إظهاره لاتجاه معيّن.. مثال: -        أنت قمت بعملٍ رائع هنا.. 23- تمثيل الدور: هنا يطلبُ المحاور من أحد أطراف الحوار أن يؤدي دوراً ما ليتعرف على سلوكه، أو كيف يتصرف في موقف معيّن، وهذا الأسلوب يستخدم بهدف التدرب على مسالك جديدة أو تغيير اتجاهات المجتمع. مثال: التدريب على دور صاحب العمل، وكيف يمكن أن يتصرف معه، أو تأدية دور الآخر حتى يفهم موقفه، وكيف يمكن أن يتصرف. 24- وضع حدود: يتجسد هذا الأسلوب من خلال منع أحد المتحاورين من القيام بعمل ما غير مسموح به، يمكن أن يحطَّ من قدر الأطراف المشاركة بالحوار، أو من قدر القيم الاجتماعية، أو انتقاد جارح لأحد أطراف الحوار. مثال: أنا آسف... لا أستطيع أن أدعك تفعل ذلك نظراً لأنّه لا يتناسب مع الفكرة المطروحة. 25- تغيير مباشر بالبيئة من خلال تدخل مباشر: وهي أفعال تؤخذ لتحقيق تغييرات في البيئة الاجتماعية وواقعها وظروفها، وتستخدم بهدف أنحاء البيئة، والتجنب والتخفيف من الضغط الخارجي غير الضروري والذي يعيق المجتمع عن الحياة المنتجة. 26- الإصغاء والتأمل: من الأهمية بمكان في أثناء عرض موضوع مافي أثناء الحوار التوقف قبل الأفكار المهمة وبعدها، فتمنح المشاركين بالحوار مدةً زمنيةً قصيرةً للتفكير بالنقاط التي تم عرضها ومناقشتها، أو الاستجابة لشيء قيل سابقاً، أو الانتقال باتجاه فكرة أخرى مختلفة. 27- الثقة المتبادلة بين أطراف الحوار: من الواجب منح الثقة والأمان والقبول بإمكانيات المشاركين بالحوار واحتياجاتهم ومشاعرهم، وتعزيز الثقة بين الحضور والمحاور. 28- استيعاب الطرف الآخر: وهي عبارة عن استيعاب المحاور للأطراف المشاركة بالحوار من خلال التعبير عن مشاعر معينة تجاه حوادث أو أشخاص أو مواقف أو خبرات حالية أو سابقة؛ وعادة ما تتم عملية التنفيس عند أحد أطراف المحاورة عقب الحوار حيث يقوم بالتعبير عن مشاعره الذاتية تجاه شيء معيّن أو حادثة شخصية أو عامة. 29- نشر الحوار على أصوات متعددة: ويتجلى ذلك أثناء الحوار من خلال الانطلاق من فكر الأطراف المشاركة بالحوار، وعدم الانجرار إلى حوارات هامشية لا تحقق أهداف الحوار، ومراقبة مدى الاستجابة السريعة لدى المتحاورين.   - خاتمة.. أخي المحاور: كن على يقين بأنك تستطيع الوصول إلى غايتك "وهي الحوار الإنساني الإيجابي البنّاء" مع الآخرين إذا استطعت أن تثير حماستهم، وتخاطب إحساسهم، ويتصل كلامك بشغاف قلوبهم، وأعماق عقولهم، ويمكنك ذلك إذا كنت عليماً بما يثير شوقهم، ويسترعي انتباههم، وعليماً بطبائع النفوس، وأحوالها وسجاياها. يقول أفلاطون: لكل أمرٍ حقيقة، ولكل زمان طريقة، ولكل إنسان خليقة. فعامل الناس على خلائقهم والتمس من الأمور حقائقها، واجْرِ مع الزمان على طرائقه.   المصدر: مجلة المعرفة/ العدد 460 لسنة 2002م   * باحث من سورية يهم بالدراسات الاجتماعية

ارسال التعليق

Top