• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أطفالنا الموهوبون... ثروات كيف ننميها؟

أطفالنا الموهوبون... ثروات كيف ننميها؟

يعد الطفل الموهوب مثل النبتة، يحتاج إلى من يحميه ويساعده على النمو الطبيعي، ويزيل من أمامه العقبات، ويفتح له الطريق، كما يحتاج إلى من يفهمه، ويقدر تفوقه وموهبته.

وهذا يتطلب منا أن نعرف من هو الطفل الموهوب؟ وكيف ننمي مواهبه؟ وما هي العوامل التي يمكن أن تعيق هذه الموهبة؟

شهد العقد الأخير من القرن الحالي حركة واسعة تدعو إلى تنشيط الاهتمام بالموهوبين والمبدعين، وتركز على ضرورة توفير المناهج والمقررات والبرامج التربوية التي تلبي احتياجاتهم، وعلى صياغة البنى والهياكل المؤسسية القادرة على إدارة هذه الأنشطة والحفاظ على استمراريتها، ذلك من جهة، ثمّ يأتي العمل على تطويرها من جهة ثانية، وقد نجحت هذه الحركة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية، في تحريك الاهتمام بالموهبة والإبداع في بلدان العالم المتقدم، وهي ما تزال تحرك هذا العالم المتيقظ لمستقبله، ومن هذا المنطلق نجد الكثير من القرارات التربوية والاجتماعية، وحتى السياسية الخاصة بالموهوبين والمبدعين تبنى على أساس نظرة المجتمع إلى هذه الفئة من الناس.

وتقول د. صالحة عيسان – الأستاذة بكلية التربية والعلوم الإسلامية جامعة السلطان قابوس – أن كلّ فرد يملك القدرة على الإبداع، وأن لديه الاستعداد لممارسة هواية معينة، وهذا يتوقف على مجموعة من الظروف تتدخل فيه دوافعه واتجاهاته وقيمه الخاصة والفرص المتاحة لها في البيئة، فالأطفال جميعاً لديهم خيال إبداعي، أو إنتاجي بدرجة ما، والمهم العمل على تنمية مواهب الطفل بطريقة جيدة، حتى تنمو لديه الملكات الإبداعية الخاصة بصورة ارتقائية، ولهذا يعتقد العلماء أنّ الفترة الحاسمة التي يمكن أن يرتقي فيها الخيال الإبداعي لدى الأطفال هي ما بين سن سنتين وست سنوات.

ولذلك فإن تنمية هوايات الأطفال وقدراتهم الإبداعية مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، ولا يمكن أن يتم تطوير وتنمية هواياتهم وقدراتهم الإبداعية إلا إذا تضافرت جهود الجميع – تلك الجهود المبنية على معرفة وإدراك وخبرة في كيفية التعامل مع الطفل ومساعدته على تطوير قدراته.

وينتقد د. عليّ سليمان – أستاذ الصحة النفسية بجامعة طنطا – عدم الاهتمام بالتفوق في المجتمعات العربية فيقول: ينصب الاهتمام في المجتمع العربي على تلقين الأطفال المعلومات بطريقة شبه جامدة، كما أن مشكلات الحياة اليومية غالباً ما يتم تبسيطها وتسطيحها من خلال ما تقدمه برامج الإعلام امرئي والمسموع والمقروء، في حين نجد المجتمعات المتقدمة تقدر الموهبة العقلية وتحث على تنميتها، فمعظم الجامعات الغربية تضع برامج خاصة لرعاية الأطفال المتفوقين، وتعمل على إعداد مدرسين مؤهلين للتدريس لهم، معظم هذه البرامج يشجع على حب الاستطلاع والتعلُّم والرغبة في المعرفة.

وتؤكد د. صالحة عيسان: أنّ الإبداع لا ينشأ من فراغ، بل إنّه يعتمد على ركيزتين أساسيتين هما:

-         الاستعداد الفطري الطبيعي، أو الشخصي.

-         الصقل والمران المستمر لهذه الفطرة وتنميتها وتوجيهها الوجهة المناسبة.

ولا شكّ أنّ التربية الإبداعية قضية اجتماعية تهم المجتمع كله وتشغله، وتقع مسؤولية تنميتها على جميع مؤسساته، ولا تختص بها مؤسسة واحدة فقط، ولابدّ أن تتضافر الجهود لتنمية السمات الإبداعية والاهتمام بها منذ الطفولة المبكرة.

ولكن: هل نستطيع أن نحوِّل جميع أفراد المجتمع إلى مبدعين؟

بالطبع لا، ولكننا نستطيع أن ننمي التربية الإبداعية لدى أكبر عدد ممكن منهم بمستويات متباينة بشرط تكامل جهود جميع المؤسسات المجتمعية والمدرسية في ذلك.

وتؤكد الآن أوساط علمية عديدة أن أهم أسس التقدم الحضاري في هذه المرحلة تتمثل في: نظم المعلومات من ناحية، والتفكير الإبداعي من ناحية أخرى.

 

سمات المبدع:

وتشير البحوث والدراسات المختلفة أن أهم خصائص الأشخاص المبدعين وصفاتهم العامة إلى جانب نسبة الذكاء هي:

-         النظرة للحياة نظرة مرنة، وليست نظرة جامدة أو مطلقة.

-         النظرة للسلطة على أنها أمر تقليدي وليست أمراً مطلقاً.

-         لا يميل المبدع إلى التفكير الذي ينظر إلى الأشياء بأنها سوداء أو بيضاء.

-         يتميز بالشجاعة الأدبية والإقدام والرغبة في اقتحام الأشياء واستكشاف مجاهل الطبيعة.

-         يمتاز المبدع بروح الفكاهة والمرح.

-         الشخص المبدع أقل جموداً أو تعقيداً، وأكثر ميلاً للمرونة والحرية الفكرية.

وجدير بالملاحظة أنّ السن الذي يصل فيه المبدع إلى قمة الإبداع يختلف باختلاف المجال الذي يظهر فيه الإبداع.

 

كيف نقتل الابتكار؟

يوضح الباحث تيسير صبحي أن هناك عدة عوامل قد تعوق الإبداع بعامة، وتقلل من درجة الاهتمام بالمهارات الإبداعية بصورة خاصة، وهي:

-         التقويم المتوقع: فالأفراد الذين يركزون على كيفية تقويم إنتاجهم يكون مستوى إبداعهم أدنى من مستوى إبداع الأفراد الذين لا يعيرون هذه المسائل انتباهاً.

-         المراقبة والإشراف: يكون إنتاج الأفراد الذين يشعرون أنهم موضع إشراف ومراقبة أقل إبداعاً وإتقاناً من إنتاج الأفراد الذين لا يشعرون بذلك.

-         المكافأة: فالأشخاص الذين يقومون بأداء مهمات معينة لقاء مكافأة أو تعزيز، يكون مستوى إبداعهم أدنى من مستوى إبداع الأشخاص الذين يقومون بأداء هذه المهمات دون انتظار مكافأة أو تعزيز.

-         المنافسة: فالاشخاص الذين يشعرون بتهديد مباشر في أعمالهم ومنافسة لهم من الآخرين هم أقل إبداعاً من الأشخاص الذين لا يعيرون المنافسة بالاً.

-         الاختيار المقيد: فالأشخاص الذين يقومون بأداء مهمات محددة ومقيدة بشروط معينة، أقل إبداعاً من الأشخاص الذين تترك لهم حرية اختيار المهمات والقيام بها بالكيفية التي يرونها مناسبة.

-         الدوافع الخارجية: فالأشخاص الذين يهتمون بالعوامل الخارجية التي تؤثر في أداء المهمات التي يقومون بها، هم أقل إبداعاً من أولئك الذين يهتمون بالعوامل الداخلية التي تؤثر في تلك المهمات.

 

كيف ننمي الموهبة؟

ينبه د. علي سليمان – الخبير التربوي – على أن أهم العوامل في تنشئة الطفل الموهوب: مساعدته لكي يفهم أحاسيسه، ويعرف كيف يستفيد منها في مسار نموه، وإذا لم يستطع الطفل أن يحدد مشاعره، فسيكون من المستحيل عليه أن يقتنع بنفسه، كإنسان ذي قيمة وفائدة، ويجب ألا نصف الطفل بصفة الخطأ والصواب، لأنّ المشاعر في ذاتها تلقائية، كما أنها جزء من طبيعة الإنسان، ولكن طريقة التعبير عنها قد تأخذ صورة الصواب والخطأ، ولذلك يجب عليه أن يسيطر عليها ويضبطها ويهذبها عن طريق التوافق الاجتماعي، كما يجب تعريفه بطريقة التعبير عن مشاعره، ليمكنه تحمل عبارات الرفض والتأنيب المتوقعة مع ملاحظة أن عدم التشجيع وشعوره بالإحباط يؤديان إلى نقص إنتاجه، إذا ما قرنّاه بالقدرة الحقيقية التي يمتلكها.

وإذا أردنا كآباء أن نساعد المدرسة في توصيل الطفل الموهوب إلى أهدافه، فلابدّ أن يكون ذلك منذ البداية، وذلك بأن نتواءم مع حاجات الأطفال، ولا نربيهم بحيث يكونون صوراً منا، وهذا ما قد يقع فيه الكثير من الآباء والمربين.

وقد وجد العلماء أن آباء وأمّهات الأطفال المبدعين لا يميلون إلى التسلط، ويتيحون لأبنائهم وبناتهم حرية اتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً، كما يتيحون لهم فرص اكتشاف البيئة من حولهم، هذا علاوة على توفير مجموعة من البرامج التربوية البيتية والأنشطة التي يخططها الوالدان، مثل زيارة المكتبات العامة، وزيارة المعارض والمتاحف، ومشاهدة البرامج العلمية والتربوية وحضور الندوات والمحاضرات، وقراءة الكتب والقصص لأبنائهم وبناتهم، وغير ذلك كثير من الأنشطة.

 

دور المعلِّم:

يؤكد تيسير صبحي أنّ دور المعلم هام جدّاً في تنمية الإبداع عند الأطفال، وهناك أساليب وطرق كثيرة يستطيع المعلم الناجح الإفادة منها في التعامل مع طلبته منها:

-         أن يقدم عدداً كبيراً من الأنشطة التي تشجع التفكير الإبداعي.

-         الابتعاد عن الأنشطة التي تعتمد الحفظ غيباً.

-         استخدام التقويم بهدف التشخيص لا بهدف إصدار حكم نهائي.

-         إتاحة الفرص أمام الطلبة لاستغلال خبراتهم ومعارفهم بصورة مبدعة.

-         تشجيع الطلبة على التعبير التلقائي.

-         إحاطة الطلبة بجو يسوده القبول والجذب.

-         تشجيع الطلبة على طرح أفكارهم الجديدة، ومساعدتهم في اختبارها بعيداً عن أي محاولات لتسفيه أي أفكار مطروحة، أو التقليل من شأنها.

-         تدريب الطلبة بهدف تنمية قدراتهم على التفكير الإبداعي وامتلاك عناصر الإبداع: الأصالة والطلاقة والمرونة، هذا إضافة إلى تدريبهم على آليات توليد الأفكار الجديدة وإصدار الحكم وإدراك العلاقات القائمة بين الأشياء.

-         تدريب الطلبة على مهارات بحثية منها: المبادرة الذاتية للاكتشاف، والملاحظة والتصنيف، طرح الأسئلة، تنظيم المعلومات واستخدامها، التسجيل، الترجمة، الاستدلال، اختبار الاستدلال.

وأخيراً... فإن تنمية مواهب الطفل تظل في حاجة إلى تضافر كلّ مؤسسات المجتمع حتى ننشئ طفلاً سوياً بكل المقاييس.

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1238

ارسال التعليق

Top