• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أعمدة السلام للتعايش الإنساني

أسرة البلاغ

أعمدة السلام للتعايش الإنساني

1- التكريم:

أ- التكريم في أصل الخلق، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين/ 4). (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70).

إنّ ما خصّ الله به الإنسان من تكريم وتفضيل، ليس لذاته الظاهرة، بشكله أو حجمه، أو جنسه أو لونه أو نوعه، ولا لمكانته الاجتماعية وانتماءاته الطبقية، فهذا أبعد ما يكون عن عدل الخالق - جل ّ وعلا - وإنّما التكريم والتفضيل والتقدير لقدراته على أن ينجح في إدارة داخل ذاته، محكماً في ذلك تقوى الله، واتباع الحقّ والخير والعدل، وما يصدر عنها من اعتقادات وتصوّرات وأعمال وأقوال وسلوك وتصرّفات، تنفع ذاته، ومجتمعه، وأُمّته، والإنسانية جمعاء، وتدفع الحياة قُدماً إلى الرقي والتقدّم وعمران الأرض، بكلِّ ما يتطلبه هذا العمران مادياً ومعنوياً.

ب- التمييز العنصري الروحي: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (ص/ 72).

ويبنى على ذلك مبدأ الوحدة الإنسانية كمبدأ طبيعي وكقانون ثابت لا يتبدل وأنّهم أُمّة واحدة تعيش في أُسرة إنسانية واحدة وتتقوى هذه الوحدة كلّما أدرك الناس مقوماتها المتمثلة في: وحدة الربوية لربّ واحد، ووحدة النسب من سلالة واحدة، ووحدة الناموس الذي يحكمه، ثمّ وحدة المهام والهدف المقدر لهم.

ج- تحريم الاعتداء على النفس الإنسانية بأيّ شكل من مظاهر الاعتداء.

هـ- إنزال الكُتُب وإرسال الرسل لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية.

2- الرحمة:

إنّ رسالة الإسلام رسالة رحمة في مصدرها ومنهاجها ورسولها وحملتها، قال تعالى عن نفسه: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة/ 3) (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف/ 156). وقال عن كتابه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء/ 82). وقال عن رسول الله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107). وقال عن المؤمنين: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29). والرحمة لا تقتصر على علاقة الإنسان بالإنسان بل تتعداه إلى عالم الحيوان والأشياء والنبات، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن لا يَرحم لا يُرحم»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تنزع الرحمة إلّا من شقي»، وقال الإمام عليّ (عليه السلام): «لكلِّ كبد حرى أجر».

3- العدل:

قامت جميع الشرائع السماوية على العدل القسط، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25).

وبالعدل قامت السماوات والأرض، وبه تستقيم أُمور الحياة، وبالظلم تنهار الحضارات والأُمم، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) (النحل/ 90)، وقال: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8)، وفي الحديث القدسي: «يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرّماً فلا تظالموا»، فالعدل قيمة دينية تتفرع عن قيمة الرحمة التي لا تفريق فيها بأي سبب من الأسباب الدينية أو العرقية أو غيرها.

4- المساواة:

يُولد الناس جميعاً متساوون في أصل الخلقة، وأنّهم أحرار، ويظلمون كذلك في نظر الشرع، ولهم حقّ الفرص المتساوية في التعليم والتوظيف والعمل والأجر والتعويض، ويجب أن يكون التمييز بينهم معتمداً على الذكاء والفطنة والمعرفة والإنتاجية والتفوق، وعلى الفضيلة والاستقامة والصلاح.

وأنّ المساواة جاء تأكيدها في قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أيّها الناس ألا إنّ ربكم واحد، وإنّ أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلّا بالتقوى»، وقال أيضاً: «الناس سواسية كأسنان المشط».

5- المعاملة بالمثل مع عدم إمكانية العفو:

من العدالة في التعامل الإنساني بين الآحاد والمجموعات المعاملة بالعفو فإنّ تعذر فبالمثل حصراً دون زيادة، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة/ 194)، وقال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (النحل/ 126)، ويُبنى على هذا المبدأ كثير من الأحكام الفقهية والقوانين الشرعية والمواجهة بالمثل لها ضوابطها وظروفها، كما فيما لو كان المعتدي عدواً، وإهماله يجرؤ للمزيد من ارتكاب المظالم والجرائم.

6- التمسك بالفضائل:

وهي المعبّر عنها في القرآن الكريم بالتقوى والإحسان والبرّ، ومن مظاهرها: الرفق ولين الجانب والعفو والصفح والصبر، وكلّ ما يندرج من معاني الأخلاق ومحاسنها، قال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت/ 34)، ويندرج تحت ذلك مفهوم التسامح.

7- الحرّية:

هي أكبر مظاهر الكرامة الإنسانية والطريق إلى الإيمان الصحيح والمسؤولية، حيث تركت الشريعة للإنسان حرّية الاختيار والمشيئة دون جبر أو إكراه على الدِّين والحقّ، قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف/ 29). والمقصود بالحرّية: حرّية الاعتقاد، حرّية التفكير، حرّية الكلمة، وحرّية التصرُّف والتملك والتنقل والسكن والعمل وغيرها..

8- التعاون:

الإنسان كائن اجتماعي لا يعيش بمفرده دون أن يتعامل مع أخيه الإنسان، ولذلك فإنّ التعاون أساس في حياة الناس، وجاءت الشرائع لتنظيم كيفية التعامل وتمنع من الاعتداء فيه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2)، وجعل الإسلام التعارف المفضي إلى التعاون غاية للتنوع القبلي والشعوبي: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13)، فالتعاون أساس التعايش بين الناس على كلّ مستوياتهم.

9- الوفاء بالعهد:

العهد هو الميثاق أو الالتزام الجازم بين طرفين، وقد جاءت الشريعة بالوفاء بالعهود والعقود، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) (الإسراء/ 34)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) (النحل/ 91).

وجعل الإسلام إخلاف العهود من علامات النفاق (وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر) وإنّ هذه القيمة تعزّز الثقة بين الناس، وتُقوّي روابط المسلمون بالنقض من الطرف الآخر، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال/ 58).

10- الحوار:

إنّ المبادىء والشرائع السماوية قامت على مبدأ المحاورة والسعي لأثارة كوامن العقل والفطرة البشرية، وفي ذلك تكريم لإنسانية الإنسان واحترام لعقله، وسعي جميل هادىء لإيصاله إلى الحقيقة، وكان هذا ديدن الصالحين والمصلحين كالأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) وأتباعهم، قال تعالى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف/ 37). والحوار معبر هام إلى حياة التعايش السلمي والآمن.

ارسال التعليق

Top