• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أنت قوي.. ولكن

عبد الله أحمد اليوسف

أنت قوي.. ولكن

◄تشكلُ القوة النفسية قاعدة مهمة من قواعد النجاح، لأنّها بمثابة المناعة النفسية التي تحمي الإنسان من الإصابة بالأمراض النفسية التي تعيقه عن التقدم والنجاح.

فكما أنّ الإنسان عندما يفقد مناعته الجسمية يتعرض للأمراض بمختلف أنواعها ويفقد القدرة على مقاومة مسببات المرض، كذلك أيضاً، عندما يفقد المناعة النفسية فإنّه يتعرض لشتّى أنواع الأمراض النفسية والروحية، لأنّه يفقد القدرة على مقاومتها.

ومن أخطر الأمراض النفسية هو التعب النفسي، لأنّه يفتك بروح الإنسان وبمعنوياته، فيفقد القدرة على مواجهة الحياة، وعلى تحمل مسؤولياته الإنسانية، فيصبح إنساناً ضعيفاً، عاجزاً، منهاراً.

كذلك يشلّ التعب النفسي القدرة على التفكير المنهجي، وعلى مقاومة عامل الضعف، كما أنّه يضعف الروح المعنوية. وهذا هو منعطف الفشل الخطير!

ولذا.. من الضروري المحافظة على مناعتنا النفسية كي لا نصاب بالتعب النفسي، وكي نكون أقوياء على الدوام.

 

علامات التعب:

للتعب النفسي علامات... من أهمها ما يلي:

1-  انهيار الروح المعنوية:

من أهم علامات المتعب نفسياً هو انهيار الروح المعنوية لديه، هذا الانهيار يشكّل أكبر العوائق أمام تقدّم الإنسان، وقدرته على الإنتاج، وتحقيق ما يريد.

إنّ انهيار الروح المعنوية لدى الإنسان، أشدّ فتكاً من الانهيار البدني، لأنّ الانهيار البدني من الممكن تشخيص أسبابه، ومن ثمّ علاجه، أما الانهيار المعنوي فيصعب تشخيص مسبباته، ومن ثمّ يصعب علاجه.

يقول شاب في مقتبل العمر وقد أنهكه الانهيار المعنوي:

"ناهزت الثامنة والعشرين، وكان يخيل إليَّ أنّي سأبلغ من الحياة أطيب وأشهى الثمرات، كنت قوياً أعمل وأبذل الجهد لأضمن النجاح العظيم، ولكني بدأت بعد فترة أشعر بتوعك وانفعال شديدين، ثمّ بتعكر في المزاج، ثمّ بانصراف عن الطعام. وداخلني شعور غامض، وأخذ الإمساك ينتابني، وقلت حميتي، وتلاشت حماستي وركبني الهم واليأس!".

ولا خلاص من مثل هذه الحالات إلّا بالتوجه إلى الله تبارك وتعالى، والتعلّق به عزّ وجلّ، وطلب العافية منه (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء/ 80).

2-     الخمول:

الخمول علامة أخرى من علامات المتعب نفسياً، حيث يكون دائماً في حالة من الخمول القاتل، فلا يحب أن يعمل، ولا يرغب في أي نشاط، ولا يتفاعل مع أي شيء يتطلب منه جهداً.. ومع ذلك يتمنى أن يكون ناجحاً!!

كتبت الأديبة الكبيرة "إدفا فربر" مرة تقول: "إنّها قد تلقت عدداً لا يحصى من الرسائل من أناس راغبين في أن يصبحوا كتّاباً، ولكنّها لم تتلقَ أيّما رسالة من أناس يرغبون أن يكتبوا، إنّ هؤلاء الناس لا يعرفون أنّ المداد يجب أن يخلط بعرق الجبين.. ليتنا نتعلّم فقط، قبل أن نتعلّم أي شيء، أنّ العمل هو أعظم سعادة في الحياة!".

إنّ النجاح لن يتحقق لأحد من البشر إلّا عندما يكون نشطاً، مثابراً، منتجاً، أما الذين يريدون أن يحققوا النجاح من خلال أحلامهم فقط، فستنقلبُ أحلامهم إلى كوابيس محزنة!

3-  الضجر:

الضجر والتبرّم والسأم من الحياة علامة مهمة من علامات التعب النفسي، ولا شكّ أنّك تلتقي يومياً بأناس يملؤهم الضجر والسأم من كلّ شيء في هذه الحياة!

لهؤلاء نقول.. رفقاً بأنفسكم، فالحياة أجمل مما تعتقدون، وأوسع مما تتصورون!!

وعليكم أن تفكروا بطريقة تجعل حياتكم سعيدة، يقول "دايل كارنيجي": "إنّ حياتنا التي نعيشها ما هي إلّا صورة معكوسة لما نفكر فيه لأنفسنا، وأنت بحديثك إلى نفسك كلّ يوم، بمقدورك أن تعطي نفسك جميع قدرات الشجاعة، وبالتالي السعادة".

تخلص من الضجر، ومن السأم، ومن الملل، ومن التبرّم.. وانطلق في الحياة، فالحياة جميلة، بقدر ما ترى فيها من جمال وروعة!!.

 

أنت قوّي.. ولكن!

أنت قوّي بما تملك من كنوز في ذاتك.. ولكنك بحاجة لتنقيب عنها!

أنت قوّي بإرادتك.. ولكنّك بحاجة إلى تنميتها وتقويتها.

أنت قوّي بروحك.. ولكنّك بحاجة إلى معرفة ذلك!

أنت قوّي بكيانك.. ولكنّك بحاجة إلى إدراك هذا...!

فلماذا التعب؟ ولماذا الضعف؟ ولماذا الإحساس بالعجز؟!

إنّه منك.. وبإمكانك أن لا تكون كذلك...!

"والحقّ أنّ أكثر الذين يتعبون – كثيراً أو قليلاً – جديرون بأن لا يصيبهم التعب على الإطلاق، إنّ في أيديهم هم مفتاح الخلاص الأبدي من الإجهاد، هذا المفتاح الذي يطلعهم على كنوز من طاقاتهم الدفينة لا تقدر.

راجع في ذهنك أسماء مَن تعرف من كبار القادة والكتّاب والفنانين والسياسيين ورجال المال ورُوّاد المجاهل منذ أقدم العصور تجد القصة تعيد نفسها دائماً، كان أولئك عمالقة في طاقاتهم إبّان الشباب، ولقد ظلّوا كذلك عمالقة في طاقاتهم إبّان الشيخوخة، فما هي عناصر مثل هذه الطاقات؟ وإذا كان رجال من أمثال هؤلاء، وكثير منهم سقيم الجسم عليله، قادرين على أن يستبيحوا كنوز الطاقة في يسر وسهولة، فعلامَ لا نصنع نحن مثل صنيعهم؟".

عندما تتعب نفس الإنسان يكون عاجزاً عن الاستفادة من الكنوز التي يملكها، وعندئذٍ تتحطم كلّ طاقات الإنسان وإمكانياته، ومن هنا ندرك أنّ العمل لا يورث تعباً، وإنّما انهيار النفس هو منشأ التعب، يقول "وليم جيمس": "إنّ أكثر الذين يقولون منّا، نحن متعبون؛ ليسوا متعبين أبداً، أو لا يأخذهم التعب أبداً، إلّا إذا وقعوا في حيلة الشعور بالتعب، نحن جميعاً، إلى حدٍّ ما، ضحايا ما أدعوه عُصاب التعب، إنّنا أسرى درجات من التعب، انتهينا إلى الخضوع لها بمجرد العادة" ويقول الدكتور "أوستون رجس": "إنّ العمل الشاق، سواء أكان جسدياً أم عقلياً، لا ينتج أبداً – في ذاته – حالة واحدة من حالات الإعياء العقلي" ويقول الدكتور "بريل": "إنّ أحداً لا ينتهي إلى انحطاط عصبي بسبب من العمل الشاق، مثل هذه الأمراض، بكلّ بساطة، لا توجد على الإطلاق" وقال الدكتور "دوبوا": "لم أجد بين مرضاي جميعاً مرضاً واحداً يمكن أن يكون ناشئاً عن العمل الشاق".

إنّ العمل والنشاط والفاعلية لتبعث على السعادة والبهجة، ولكن بشرط أن تكون نفسك سليمة، أمّا إذا كانت نفسك مريضة، فإنّ العمل والإنتاج يبعث فيك روح التذمر والانهيار، ومن ثمّ الفشل المؤكد!

وأخيراً... تذكّر هذه القاعدة:

(قاوم التعب... ثمّ انطلق في الحياة..!!) ►

 

المصدر: كتاب الشخصية الناجحة

ارسال التعليق

Top