• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى القرآن

أسرة

الإحسان إلى القرآن
- الإحسان إلى القرآن في القرآن الكريم: أ) التدبُّر فيه، قراءته بإمعان، التفكُّر بآياته ومعانيها ودلالاتها وتطبيقاتها الحياتية: قال تعالى: (أفَلا يَتَدّبَّرونَ القُرآن) (النساء/ 82). ب) الإستماع إليه عندما يُتلى، والإنصات بمسامع القلب لما يتسلّل ويتسلسل منه في المشاعر والوجدان، حتى أثر عن النبي (ص) أنّه كان يطلب من ابن مسعود أن يُسمعه شيئاً من القرآن لأنّه يحبّ أن يسمعه: قال سبحانه: (وإذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وأنصِتُوا لَعَلَّكُم تُرحَمون) (الأعراف/ 204). ت) الإستعاذة بالله من الشيطان عند الشروع في قراءته أو تلاوته حتى يجعل الله بينك وبين الشيطان حجاباً مستوراً يمنعه من صرفك عن التدبُّر والتأمُّل فيه: قال عزّوجل: (فإذا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشيطانِ الرَّجِيم) (النحل/ 98). ث) عدم الإستعجال في قراءته لئلا تضيع الفائدة المرجوّة من تلاوة آياته والتبصُّر فيها: قال تعالى: (وَلا تَعجَلْ بالقُرآنِ مِنْ قَبلِ أن يُقضى إليكَ وَحيُهُ) (طه/ 114). ج) عدم إهماله مركوناً على الرَّفِّ يتكدّس عليه الغبار، ويشتكي هاجريه، وهجرانه قد يكون بعدم تلاوته، أو بعدم الإستفادة من مواعظه ودروسه وأحكامه: قال سبحانه: (وقالَ الرسولُ يا رَبِّ إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هذا القُرآنَ مَهجُوراً) (الفرقان/ 30). ح) ترتيله وتجويده وتحسين الصوت به، وتلاوته بطريقة فيها شجى وشجن، لأنّ ذلك أوقع في السمع وفي مستوى التلقِّي: قال سبحانه: (وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً) (المزمل/ 4).   2- الإحسان إلى القرآن في الأحاديث والروايات: أ) إتخاذه كتاب حياة ومنهج عمل: قال رسول الله (ص): "مَن جعلهُ أمامهُ قادهُ إلى الجنّة، ومَن جعلهُ خلفهُ قادهُ إلى النار". وقال الإمام علي (ع): "جعلهُ اللهُ ريّاً لعطشِ العُلماء، وربيعاً لقلوبِ الفقهاء، ومحاجّ لطرقِ الصلحاء، ودواءً ليسَ بعده داء، ونوراً ليسَ بعدهُ ظُلمة". وكان من آخر وصاياه (ع): "الله الله في القرآنِ، لا يسبقكُم بالعملِ به غيركُم". ب) إتخاذه واعظاً بقصصهِ الواقعية البليغة ذات الدروس الغنيّة والعِبَر الكثيرة: قال (ص): "أصدَق القول، وأبلَغ الموعظة، وأحسَن القصص، كتابُ الله". ت) إستنطاقه لإستخراج واستلال الجديد من لآلئهِ وكنوزه: قال رسول الله (ص): "مَن أرادَ علم الأوّلين والآخرين فليثوِّر القرآن". سُئِل الإمام الصادق (ع): ما بالُ القرآن لا يزدادُ على النشر والدرس إلا غضاضةً (أي طراوة وجدّة وشباباً)؟ قال (ع): "لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعلهُ لزمانٍ دون زمان، ولا لناسٍ دون ناس، فهو في كلِّ زمانٍ جديد، وعند كلِّ قومٍ غضّاً إلى يوم القيامة". وعنه (ص): "ما من أمرٍ يختلفُ فيه إثنان إلا ولهُ أصل في كتاب الله عزّوجل، ولكن لا تبلغه عقول الرجال". يختلفُ فيه إثنان: هذا يقول: ما عندي حقّ، وذاك يقول: ما عندي حق. ث) تعليمه، سواء في تعليم كيفيّة القراءة الصحيحة، أو في تعلُّم علومه، أو في معرفة المُراد من معانيه في تفسيره: قال (ص): "خيارِكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمه". وعنه (ص): "ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله يتلونَ كتابَ الله ويتدارسونهُ بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمَن عنده". ج) إستذكاره، سواء بتلاوته عن ظهر قلب، أو قراءته في الصلاة، أو الإستشهاد به في الخطب والأحاديث والمحاضرات: قال (ص): "مثلُ القرآنِ إذا عاهدَ عليه صاحبَه فقرأهُ بالليل والنهار، كمثلِ رجلٍ لهُ إبل، فإن عقلها – ربطها – حفظها، وإن أطلقَ عِقالها – تركَ زمامها – ذهبت، فكذلك القرآن". ح) التفاعل والتأثُّر بآياته، كأنّها فعلاً مُنزلة عليك، حتى لتفرح لبعضها، وترتعد وتخاف خشية من بعضها، وتهتدي وتستنير وتستقيم لبعضها: خرج النبي (ص) ذات يوم وهو ينادي بأعلى صوته: "يا حامل القرآن، 1-   أكحل عينيكَ بالبُكاء، إذا ضحكَ البطّالون (أي إبكِ لآيات العذاب والعقاب والنار). 2-   وقُم بالليل إذا نامَ النائمون (لما ورد في القرآن من آيات القيام في السَّحر). 3-   وصُم إذا أكل الآكلون (لما ترد في الكتاب الكريم من آيات الصوم). 4-   واعفُ عمّن ظلمك (لما جاء فيه من إنّ الله يحبّ الكاظمين الغيظ، العافينَ عن الناس، المُحسنين لهم). 5-   ولا تحقد فيمَن حقد، ولا تجهل فيمَن جهل (أي لا تكن إمّعة، فالله تعالى يقول في قرآنه: (لا يَضرُّكُم مَن ضَلَّ إذا اهتَدَيتُم) (المائدة/ 105)". خ) من الإحسان إلى القرآن أن تسمع إلى مَن خاطبكَ فيه، وتأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه: قال رسول الله (ص): "ألا مَن اشتاقَ إلى الله، فليستمع كلام الله". وفي سيرة الإمام الحسن بن علي (ع) أنّه كان كلّما مرّ بآيةٍ فيها أمر، قال: "لبّيكَ اللهمّ لبّيك". د) تأدّب في حضرته بالآتي: 1- تنظيف الفم: قال (ص): "نظِّفوا طريق القرآن". 2- الإستعاذة: قال الإمام الصادق (ع): "إغلقوا أبواب المعصية بالإستعاذة". 3- الترتيل: قال (ص): "بيِّنهُ تبياناً، ولا تنثرهُ نثر البقل". 4- التدبُّر: قال الإمام زين العابدين (ع): "آياتُ القرآنِ خزائنُ العلم، فكلّما فُتحت خزانة فينبغي لكَ أن تنظر فيها". 5- الخشوع: قال (ص): "إقرأوا القرآن بالحزن، فإنّه نزلَ بالحزن".   3- الإحسان إلى القرآن في الأدب: تنويه: في هذا الفصل من الحديث عن الإحسان إلى القرآن، سنتحدّث أيضاً عن الإحسان إلى الكتاب بصفة عامّة، ولا يعني ذلك أنّنا نُشرِك مع كتاب الله غيره من الكتب، ولكنّنا ننطلق من دعوة القرآن إلى القراءة في قوله تعالى (إقرأ). يقول (المُتنبِّي): أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سَرجُ سابحٍ وخيرُ جليسٍ في الزّمانِ كتابُ سرجُ سابح: ظهر الحصان، ويعني به مطيّة الجهاد. ويقول (إبراهيم اليازجيّ): وأفضلُ ما اشتغلتُ بِهِ كتابٌ جليلٌ نفعهُ حلوُ المَذاقِ وممّا قاله (شوقي) مُرغِّباً بالإحسان إلى الكتب القيِّمة: أنا مَنْ بَدَّلَ بالكُتُبِ الصّحابا لم أجِدْ لي وافياً إلا الكتابا صحبةٌ لم أشكُّ منها ريبةً وودادٌ لم يُكلِّفني عِتابا صاحبٌ إن عبتهُ أو لم تعب لستُ بالواجِدِ للصاحبِ عابا تجدُ الكُتبَ على النقدِ كما تجدُ الإخوانَ صدقا وكِذابا صالحُ الإخوانِ يبغيكَ المُنى ورشيدُ الكُتُبِ يبغيكَ الصّوابا! وقال آخر قد أحسنَ صحبة الكتب فحبّبها إلى غيره: لنا جُلساءُ ما نملُّ حديثَهُم ألبّاءُ مأمونونَ غيباً ومشهدا يُفيدوننا من علمهم علمَ ما مضى ورأياً وتأديباً ومجداً وسؤددا ونصح (جون لايلي) الشباب بقوله: "خيرٌ لكَ أن تزخر مكتبتُك بالكُتُب، من أن تمتلئ محفظتكَ بالنقود". وقال (بيار دو لاغوس): "قل لي ماذا تقرأ، أقل لكَ مَن أنت". ويقول المؤرِّخ (أرنولد توينبي): "ليست العبرة في كثرة القراءة، بل في القراءة المُجدية".   4- برنامج الإحسان إلى القرآن بصفةٍ خاصّة، والكتب بصفةٍ عامّة: أ) برنامج الإحسان إلى القرآن يتلخّص فيما عرّفنا هو نفسه في كيفيّة الإحسان إليه ضمن آياته الكريمة، أو فيما عرّفنا النبي (ص) المُرسَل به، والأئمّة من أهل بيت الوحي وتراجمته. ب) أمّا الإحسان إلى الكتب بشكل عام، فيمكن اختصاره بما يلي: 1- إقتناؤها: يقول (جون ريسكن): "إذا كان الكتابِ يستحقّ القراءة، فهو يستحقّ الشِّراء". 2- الحصول على عصارتها: تقول الحكمة الصينية: "يجب أن تمضغ الكتاب جيِّداً، حتى تحصل على عصارته" أي تلخيص أهمّ المطالب الواردة فيه. 3- أن تعيشها: يقول الفيلسوف (ديكارت): "أن تعيش مع الكتب، هذا يعني أنّك تعيش في صُحبة أشرف الشخصيات الماضية". 4- أن تتعلّم منها: في المَثَل الروسيّ: "كلّما فتحتُ الكتاب، تعلّمتُ أشياء جديدة". 5- إختيار الجيِّد منها: يقول (مارك توين): "الرجل الذي لم يقرأ الكتب الجيِّدة، ليسَ له أفضليّة على الرجلِ الذي لا يستطيع قراءتها"!

ارسال التعليق

Top