ريتشارد فلوريدا وجيم غودنايت / ترجمة: حسن بحري
- ما السر وراء كل هذا النجاح؟
كباحث أكاديمي وكمدير تنفيذي، كلانا درس هذا السؤال من وجهة مختلفة، لكننا توصلنا إلى الاستنتاج ذاته، تعلمت شركة "ساس" كيف تستخدم الطاقات الإبداعية لجميع من راهنت عليهم، وتضم قائمة هؤلاء زبائنها، مطوري البرمجيات، المديرين والطاقم الداعم. وخلال العقود الثلاثة المنصرمة قامت "ساس" بتطوير هيكلية عمل فريدة لإدارة الإبداعية – عبر التجربة والخطأ وكذلك الارتقاء العضوي – وهي تستند إلى مبادئ استرشادية ثلاث: ساعد المستخدمين لتقديم أفضل من لديهم عبر إبقائهم منخرطين ذهنياً في عملهم وعبر إبعاد كل ما يمكن أن يشتت انتباههم، اجعل المديرين مسؤولين عن قدح شرارة الإبداع عبر إزالة كل التمايزات الاعتباطية بين مفهوم "مناسب" ومفهوم "مبدع"، وأخيراً اشرك الزبون كشريك مبدع بحيث تستطيع تقديم منتج متفوق. جرى استنتاج هذه المبادئ عبر افتراض منطقي بأن رأس المال الإبداعي ليس مجرد عملية تجميع لأفكار الأفراد، بل هي ناتج للتفاعل المتبادل. وكما بيَّن مدرس نظرية التنظيم في جامعة شيكاغو رونالد بيرت، تضيف العلاقة طويلة الأمد بين المستخدمين والزبون رصيدا إلى الشركة عبر تعزيز فرص "المصادفات المنتجة". وهكذا عندما تقوم "ساس" بتغذية العلاقات بين المطورين، وموظفي المبيعات والزبائن، فهي تستثمر في رأسمالها الإبداعي المستقبلي. إنّ عملية الإدارة بهيكلية العمل مثل "ساس" تنتج منظومة حيوية متعاونة، حيث تزدهر الإبداعية والإنتاجية، وتسير الربحية والمرونة يدا بيد، وحيث لا يقصي كل من العمل الشاق، والتوازن بين العمل والحياة إحداهما الآخر. - ساعد العمال ليكونوا عظماء: يعمل الناس المبدعون حباً بالتحدي، ويتشوقون للشعور بالإنجاز المتأتي من تفكيك لغز مستعص، سواء أكان لغزاً تقنياً، أم فنياً، أم اجتماعياً أم لوجستياً، إنهم يريدون تحقيق عمل جيِّد. وعلى الرغم من أن جميع الناس يضيقون ذرعاً إزاء ما يرونه من معوقات بيروقراطية، فإنّ المبدعين يكرهون ذلك بشكل فعلي، ولا يعتبرونه مجرد إعاقة، بل ينظرون إليه كعدو للعمل الجيِّد. فافعل ما تستطيع لإبقائهم منخرطين ذهنياً وأزل المعوقات الصغيرة من طريقهم، وسترى كيف يتألقون لأجلك. - حفز أذهانهم: تعمل "ساس" وفقاً للاعتقاد بأنّ التحريض على العمل الذهني يقود إلى أداء متفوق ومنتوجات أفضل في نهاية المطاف. فهي لا تحاول رشوة العمال بخيارات الأسهم، كما أنّها لم تعرض عليهم هذه الخيارات مطلقا. في "ساس" الأسلوب الأنسب للشكر على إنجاز جيِّد هو تقديم مشروع آخر أكثر تحديا. أكّدت دراسة Information Week المسحية لعشرات الآلاف من العاملين في مجال تقنية المعلوماتية تلك النظرية: يتفوق التحدي في العمل على الراتب والحوافز المالية الأخرى كمنبع أساسي لتحفيز، ولا عجب في ذلك، فمنذ العمل الطليعي لفريدريك هير تزبيرغ، عرف المديرون أنّ التعليم والتحدي يحفز العمال أكثر من النقود، أو الخوف من رؤساء صارمين في العمل، والشيء المختلف عند "ساس" هو وصولها إلى أبعاد غير مسبوقة لإيجاد المحفز الداخلي الحقيقي لكل مجموعة من المستخدمين. الفنانون تلهمهم رغبة خلق الجمال، ويستجيب العاملون في حقل المبيعات لنشوة الاقتناص وتحدي بلوغ الحصص (الكوتا) الخاصة بهم، مهما تكن طبيعة الحوافز الخاصة، وتستطيع الشركة اتخاذ خطوات لمساعدة المستخدمين في تحقيق أهدافهم، ولضمان تمكين الباعة لديها من بلوغ حصصهم، قامت شركة "ساس"، على سبيل المثال، بتطوير منظومة إدارة مختصة بمعرفة المنتج. وأوجدت وظيفة بتسمية مهندس للمبيعات، ينحر عمل هذا الشخص في الإجابة عن تساؤلات الطاقم، وإيجاد الحلول للمشاكل التقنية، وبالنتيجة، يتمكن مندوبو المبيعات تكريس وقت أكبر لمتابعة خيوط مهامهم، ويصرفون وقتا أقل في البحث عن مواصفات المنتج. وبما أن إمكانات المطورين تتفتح نتيجة التحفيز الذهني، تقوم "ساس" بإرسال هؤلاء إلى المؤتمرات الصناعية والتكنولوجية الخاصة، حيث يتمكنون من صقل مهاراتهم البرمجية، ويبنون علاقات وسط العاملين في ميدان البرمجيات الواسع، وتقدم "ساس" أيضاً معارض خاصة للمندوبين والمطورين، حيث يشارك المطورون عملهم مع الطاقم العامل في الميادين غير التقنية، كما تشجع هذه الشركة المستخدمين على كتابة الآراء والتعاون في إصدار مقالات وكتب بهدف إظهار معارفهم. كما تتمسك "ساس" بوضع ميزانية لدعم التدريب الصحي بحيث يبقى الأفراد لديها متابعين لآخر ما تتوصل إليه التكنولوجيا، عندما يرجع المستخدمون إلى مكاتبهم يكونون متلهفين لتطبيق ما تعلموه لخدمة مشاريعهم. الطريقة الأخرى التي تعتمدها "ساس" لإبقاء المستخدمين لديها منخرطين في الإبداع هي التجديد الدائم لأدوات العمل. فعندما يكون أمامك آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في سوق الأدوات، من المستبعد أن تشعر بالملل، ويجري بشكل مستمر إعادة تحديث أدوات الكشف عن الأخطاء وأدوات السيطرة على النمو، وذلك لمساعدة العمال على تنفيذ أعمالهم بفاعلية، وفي جميع هذه الحالات تتبع الشكليات المهام. وبقدر ما يثمن المسؤولون في شركة "ساس" التكنولوجيا، فإنهم يعتقدون بقوة أنّ العصر البشري فيها يعتقدون بقوة أنّ العنصر البشري فيها هو الذي يجعل التكنولوجيا مفيدة، وليس العكس. فإذا صادف وكانت الأداة عائقاً، أو جعلت العامل يغير أساليبه المفضلة في العمل عندها يجري سحب هذه الأداة، فالغاية القصوى تبقى دوماً ذاتها: ساعد العمال ليكونوا عظماء. تعترف "ساس" أن 95% من أصولها تخرج كل مساء عبر بواباتها الرئيسية، ويعتبر المسؤولون في الشركة أن مهمتهم الأساسية هي إعادة هؤلاء صباح اليوم التالي إلى مواقع عملهم. يصح هذا الأمر على جميع مواقع العمل، فجميع من يعمل على أرض "ساس" هو مستخدم في الشركة، ولا تستعين هذه الشركة بأي شخص من خارجها للقيام بمهامها، فسواء كنت رئيساً أو مبرمجاً، عاملاً أو مديراً فإنّك ستتمتع بالعضوية الكاملة في مجتمع "ساس"، وستحصل على رزمة الإعانات ذاتها، وتعترف "ساس" أن 95% من أصولها تخرج كل مساء عبر بواباتها الرئيسية، ويعتبر المسؤولون في الشركة أن مهمتهم الأساسية هي إعادة هؤلاء صباح اليوم التالي إلى مواقع عملهم.- اجعل عوامل الإزعاج عند الحد الأدنى:
في الاقتصاد الخلاق، الزمن ثمين. وبقدر ما يطمح المبدعون إلى الشعور بالتحدي، بقدر ما يتمنى هؤلاء عدم وجود للعوائق غير الضرورية أمامهم. تلهم الحالة الأولى هؤلاء شعوراً بالعظمة، والثانية مجرد صداع يصيب الشرط الضروري للتفكير المبدع، لذلك لا تألو "ساس" جهدا لإلغاء كل أشكال المشاحنات من أمام عمالها أينما وجدت وحيثما كانت، خارج العمل أو داخله على حد سواء. لا يستطع العمال المشغولون دوماً بتساؤلات (مثل "متى أجد الوقت لممارسة بعض الرياضة؟"، أو "هل سيقتل الاجتماع المزمع فترة بعض الظهر بأكملها؟") التركيز المطلوب على ما بين أيديهم من عمل، فكلما نجحت الشركة بإزاحة قدر أكبر من معوقات التركيز، استطاع المستخدمون لديها دفع مقدراتهم الإبداعية إلى أقصى درجاتها وتحقيق نتائج عمل عظيمة. لقد نشرت الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية برنامج "أوبرا وينفري"، وبرنامج "ستون دقيقة" الكثير حول التقديمات المادية التي تغدقها شركة "ساس" بسخاء على المستخدمين لديها، بيد أنّ الشركة لا تقوم بتدليل هؤلاء دون تخطيط مدروس. فثمة عملية مدروسة لاختيار ماهية المساعدات التي تقدمها (أو لنقل بشكل آخر، ماهية العوائق التي تريد إزالتها من أمام هؤلاء). أوّلاً، تجد الإدارة ما يحتاجه هؤلاء عبر سلسلة من المعاينات السنوية والدراسات الميدانية لاقتراحات المستخدمين لديها. ثانياً، تقوم بتحديد إن كانت "ساس" تستطيع بدرجة مقبولة تلبية ما يحتاجه هؤلاء، طارحة التساؤل التالي: "هل سنحصل على مردود كاف في المقابل عبر توفير وقت أكبر للمستخدم يبرر مثل هذا التوظيف؟"، وإذا كان الجواب "بنعم"، عندها تقدم "ساس" المساعدة المطلوبة. وفي حال كان الجواب "بلا"، تقوم الشركة بتوضيح قرارها، وحتى عندما يكون جواب الشركة سلبا، تكسب احترام العمال، وثقتهم عبر دخولها في حوار معهم أكثر من إقدامها على إصدار قرار اعتباطي. سبق لـ"ساس" أن أجابت بالإيجاب عن الكثير من الطلبات، فعلى أرض الشركة هناك تسهيلات صحية كثيرة متاحة للمستخدمين وعائلاتهم، بالإضافة إلى وجود مركز "منتوسوري" للعناية اليومية، كما أنّ الأطفال مرحب بهم في المقاهي التابعة للشركة، بحيث يمكن للعمال أن يتناولوا وجبة اغداء سوية مع عائلاتهم. كما أن هناك ملعبا لكرة الطائرة وحوضا للسباحة، وقاعة للتمارين الرياضية، كل ذلك بهدف إدغام أوقات للرياضة ضمن يوم العمل للمستخدمين. كما تقوم "شعبة العمل والحياة" التابعة للشركة بتأمين الخدمالت الخاصة بالدراسة والتعليم لمساعدة المستخدمين في عملية اختيار المعاهد المناسبة لأولادهم، أو المساعدات المنزلية الأفضل لكبار السن من ذويهم، كما أنّ هناك خدمات متنوعة من المساج إلى حلاقة الشعر، وتقديم المعلومات المفصلة معروضة أمام هؤلاء على أرض الشركة وبأسعار مخفضة. "لكن الشركة ليس لديها مركز عناية يومية بالكلاب، لأن أعدادها غير كافية". بداهة تكلف هذه التقديمات والخدمات الشركة أموالا، لكن لنفكر بالكسب الصافي، لا تدفع مثل هذه المساعدات العمال لديها ليكونوا أكثر إنتاجية فحسب، بل تساعد الشركة أيضاً في الإبقاء على عمالها، مما يقلل من مصروفات الشركة على تجنيد عمال جدد أو إيجاد بدائل. وتوفر "ساس" بحدود 85 مليون دولار في العام عبر هذا الأسلوب فقط، حسب ما يقول جيفري بفيفر من جامعة ستانفورد، وهو الدارس المشهور للشركات المعتمدة على المواهب. يلزم العامل الجديد حوالي ستة أشهر حتى يتأهل للوظيفة، من ناحية المعرفة التقنية، ولكن يلزمه سنوات حتى يتشرب فعليا ثقافة الشركة، ويصهر علاقات وطيدة معها. وعن طريق المحافظة على عمالها، تحمي "ساس" وتستمر في إغناء العلاقات الطويلة بين عمال المبيعات، والطواقم الداعمة، والمطورين والزبائن، وفي هذه العلاقات تماماً يكمن الرأسمال المبدع. بالطبع هناك مزايا أخرى أقل بروزا. مثلاً: بوجود المركز الصحي على أرض الشركة يكون الوقت الضائع على زيارة الطبيب أقل بالنسبة للمستخدمين، ويجري الكشف عن الأمراض عادة بشكل مبكر أكثر، فهنا لا داعي لتبديد للوقت بأخذ الموعد مع الطبيب والسفر بعيداً إلى عيادته، فسهولة مراجعة الأطباء تكشف عن الأمراض مبكرا، وفي النتيجة تكون إنتاجية العامل أقل تأثرا ووقته أقل تبديدا. كما أنّ الدعم المادي البالغ ثلثي العناية الصحية اليومية هو استثمار لشركة "ساس"، وليس مصاريف يمكن الاستغناء عنها. إنها تساهم في عودة الآباء للعمل، مما يعني أنّ الشركة والمستخدم هما الرابحان، فشركة "ساس" تعترف بأنّ للمستخدمين لديها حياتهم خارج مكاتبها، وتحترم ذلك، فالفلسفة التعاونية تقول: إن كان ابنك سيلعب مباراته في فريق المدرسة، ينبغي عليك كأب، أن تكون حاضراً لتشجيعه، لقد كسبت شركة "ساس" الموقع الأفضل في نشرة "الأمّمهات العاملات" لمرات كثيرة جدّاً. كما تبذل "ساس" قصارى جهدها للحد من كل أشكال الإزعاج والإرباكات الإدارية وغيرها التي تصادف عمالها. في "ساس" لن تجد ساعتين من الاجتماعات أسبوعياً للطاقم على برامج العمل اليومية، فالناس فالناس تجتمع عند بروز الحاجة للاجتماع، وليس لأنّه "حان وقت الاجتماع"، ومن المعروف أنّ المدير التنفيذي ينهض ويغادر القاعة عندما يصبح الاجتماع دون مردود، فالتقاليد غير المتمسكة بالرسميات تفسح المجال واسعاً للنقاشات المرتجلة، وإحدى المهام الرئيسية للمديرين هي التأكد من أنّ الناس الذين في حاجة لتبادل المعلومات يجدون الفرصة للتحدث مع بعضهم مباشرة. لا تقوم "ساس" بإلغاء الاجتماعات غير المفيدة فقط، بل هي تهجر أيضاً مفاهيم طرق العمل السائدة. لنأخذ يوم العمل القياسي. الإبداعية مسألة متقلبة، غالباً لا يمكن حصرها بين الساعة التاسعة والخامسة نهارا، لا يظهر المستغرقون في التفكير في الموعد المقرر دوما. فالأكثر أهمية هو اصطياد الفكرة الخلاقة – لحظة ورودها – بدل اتباع أسلوب الالتزام الصارم بساعات العمل، ولدعم العملية الإبداعية والنهوض بأعباء الحياة العائلية، فإن اعتماد خطوط عامة مرنة للدوام اليومي في العمل يشجع الناس لبدء يوم دوامهم في العمل في الساعة التي يرونها مناسبة لهم، بعض الأعمال في "ساس" تقتضي وجود جداول عمل، على سبيل المثال يلتحق عمال التنظيف في الشركة بعملهم في الساعة السادية صباحاً لإتمام معظم مهامهم قبل اشتداد الشمس حرارة، لكن بالعموم، فإنّ المرونة في الدوام مسأل تحظى بالتثمين، وتعطي مردوداً أكثر، وليس أقل. لا يمكن حصر الإبداعية بين الساعة التاسعة والخامسة نهارا، لا يظهر المستغرقون في التفكير في الموعد المقرر دوما. برغم أنّ الصحافة تحدثت كثيراً حول ساعات العمل الأسبوعية للشركة، والتي تبلغ 35 ساعة، لكن الحقيقة تقول إنّ العاملين غالباً ما يكرسون خلالها وقتاً لإتمام مشروع ما أو لتأدية واجب. لكن يجب ألا ننسى: هذه تجربة بعيدة جدّاً عن بداية "وادي السيليكون فالي". فالشركة تشجع الناس بإلحاح على عدم العمل لـ70 ساعة أسبوعياً. "بعد ثماني ساعات عمل على الأرجح لا تتراكم سوى الأخطاء"، هذا هو المثل الدارج في الشركة، والمدير التنفيذي فيها لا يفتأ يردده على مسامع الجميع، كما أنّ المديرين يأخذون الأمر جدياً، وتشجع "ساس" المستخدمين لديها على الابتعاد عن العمل لفترة ومن ثمّ العودة إليه بطاقة متجددة، ويمكن الثقة بأنّ الناس المبدعين يستطيعون إدارة أعباء العمل المطلوب منهم، فتحقيق دافعهم الداخلي للإنجاز، دون الإشارة إلى المسؤولية وسط الزملاء، يقتضي تحقيق إنتاجية عالية.- جميعنا مبدع:
قليلة هي الشركات التي تعطي قيمة عالية لثقافة المساواة في العمل كما تفعل "ساس"، لا وجود لحاجز مصطنع بين المناسب والمبدع لأنّ الجميع مبدع، صحيح أنّ المدير التنفيذي لا يزال هو من يضع المعايير، لكن جميع المديرين في "ساس" يقومون بالعمل الواقع تحت أيديهم. على سبيل المثال، إن غيل أدكوك مديرة المركز الصحي في "ساس"، هي ممرضة متدربة وترى مرضاها كل أسبوع مرة بعد الظهر. فرغبة المديرين، بل وتوقهم لرفع أكمامهم عن سواعدهم والدخول في العمل الحقيقي للشركة تعني رسالة هامة: نحن جميعا في فريق واحد، نكافح لتحقيق الهدف ذاته بالوصول إلى منتج متفوق. أهمية تلك النقطة ليس مبالغ بها. تترك معرفتك بأن رئيسك في العمل يحترم العمل التي تقوم فيه ويفهمه بعمق – لأنّه تمرس به من قبل – آثارا إيجابية كثيرة، فبالإضافة إلى الشعور أن مساهمتك تلقى التقدير، فإنّك على الأرجح ستكون أقل ترددا في طرح الأسئلة، لأنك تعرف أن مديرك يفهمها، وستكون ثقتك أكبر في صوابية القرارات التي يتخذها. إنّ حياة الأعمال حافلة بالقصص حول مديرين فشلوا في كسب ثقة الموظفين والتقنيين والعمال المبدعين لديهم: من رئيس جامعة يفتقر للمؤهلات إلى مدير مدرسة للقانون ليس عضوا في السلك إلى مدير استوديو تنفيذي يستثير التمرد وسط المديرين، الممثلين والمواهب الأخرى. ولأنّ الزملاء في "ساس" يكسبون ثقة بعضهم بعضاً، وعبر تقديم العمل الممتاز، وليس عبر المناصب العليا في الشركة، فإنّ الناس هناك غير مهتمين جدّاً بالألقاب الوظيفية، لذلك لا يتماشى الإحجام عن النقد البناء لمن هم أعلى في السلم الوظيفي، أو وإخفاء المشاكل عنهم مع ثقافة الشركة، فالإحجام عن النقد وإخفاء المشاكل يؤدي إلى منتج بمواصفات أدنى. في الواقع، إن معظم المديرين في "ساس" يتبعون سياسة الأبواب المفتوحة، فالجميع أحرار في الدخول إلى المكتب دون موعد مسبق لمناقشة موضوع ما أو لعرض فكرة جديدة للإنتاج. كما أنّ المدير التنفيذي يمكن أن يُعرج على مكان عملك ليسأل بعض الأسئلة حول المشروع الذي بين يديك. على الشركات المبدعة، التي تتبنى مبدأ المساواة، أن تجد الدور الصحيح لمديريها، في "ساس" دورهم يتركز على قدح شرارة الإبداعية عند الناس المحيطين بهم، يقوم المديرون بذلك عبر طرح الكثير من الأسئلة. وكما يوضح كارل لا تشابيل مدير قسم عرض المنتوجات: "إذا كنت تقول للجميع/ هكذا تفعل.. هذا/، عندها فإنك لا تعمل سوى قياس مهارة الآخرين بالطباعة". يجمع المديرون أيضاً مجموعات الناس سوية لتسهيل عملية تبادل الأفكار، وتحفيز عملية التجديد. على سبيل المثال، منذ عدة سنوات، آمن المدير التنفيذي بقوة بأهمية خلق "إنتربرايز غايد" – برنامج تنبؤي يعتمد على الويندوز للمحللين في ميدان الأعمال – بحيث قام ينقل المطورين من مختلف الأقسام إلى الطابق الأرضي بحيث يمكنهم التعاون على إنجاز المشروع بدوام كامل، وللمساعدة في رعاية المشروع، عمل المدير التنفيذي لنفسه مكتبا صغيراً وسط ورشة العمل هذه، ووجوده هناك لم يحفز الفريق وحسب، بل ساهم أيضاً في الإعلان عن أنّ الشركة ملتزمة بما تسعى إليه. وأخيراً، يزيل المديرون العوائق من أمام المستخدمين عبر تأمين المستلزمات المادية التي يحتاجونها مهما كانت، يصف لارنيل لينون، مدير فريق اختبار البرمجيات، عمله بالقول "اذهب واحضره، اذهب واحضره". عندما يسأله أحد من الفريق عن رزمة برمجيات أو دعم مالي، لا يرهق صاحب الطلب بالأسئلة. إذا كان الطلب معقولاً، اتخذ ما يلزم لتحقيقه، فهو يدرك أن غايته تحقيق الثقة التامة بينه وبين المستخدمين لديه بشكل متبادل، وفي حال لم تكن النتائج مقبولة، تختلف المسألة، لكن خلال السنوات السبع التي أمضاها في منصبه، لم يجد مببراً واحداً لعدم الثقة بمستخدميه كما يقول. هذا لا يعني أن "ساس" ليس لديها صعوبات في التعاطي مع المستخدمين، فمع وجود هذه التشكيلة المتنوعة من الامتيازات المادية، من المؤكد أن تجتذب "ساس" عدداً من الناس الذين يفضلون متعة العلاوات والامتيازات على متعة العمل، لذلك تعتمد الشركة على أساليب صعبة في تجنيد العمال الجدد للحؤول دون دخول مثل هؤلاء عبر بوابات الشركة، حيث يمكن أن تبلغ فترة انتظار المتقدم عدة أشهر قبل الحصول على القرار، تقوم الشركة خلالها بإجراء بحث دقيق عن المتقدم. ما إن يتخذ القرار، حتى يتم إدخال ثقافة عمل تعاونية عالية، وكون نظراء المنتسب الجديد ورؤساء عمله لديهم الفهم التكنولوجي اللازم، يصبح من السهل معرفة إن كان هذا القادم الجديد على مستوى التوقعات أم لا. يُعطى هذا الشخص تقييماً بحيث إما أن يكون عليه أن يعمل خلال الثلاثة أشهر القادمة على تحسين وضعه، وأن يغادر الشركة في الحال مع تعويضات المغادرة المناسبة. وفي كلتا الحالتين فإن المستفيد هو الشركة والمستخدم. يصف البعض طريقة الشركة بـ"التعاقد الصعب، الإدارة المتساهلة"، لكن المناسب أكثر هو "التعاقد الصعب، الإدارة المفتوحة، الفصل الصارم"، بكلمات أخرى تعتمد "ساس" مقاربة متساهلة بخصوص المراقبة، لكن هذه الثقافة مصابة بفرط الحساسية اتجاه الذين يضيعون وقت العمل بالثرثرة ومراقبة التلفاز خلال العمل. لكن لا تفرض أيّة عقوبة مطلقا على الأخطاء النزيهة المرتكبة في سياق البحث عن منتج أفضل، فالتجريب أمر حاسم لتحقيق الجديد، بعض الطرق تكون مسدودة. وفي الواقع، تنزعج ديفا كومار مديرة التطوير والبحث في الشركة، فقط عندما لا يقوم المستخدمون بعمل أي شيء، لأن حالة الثبات لا تقود إلى أي رؤية جديدة، منذ بضع سنوات خلت، افتتحت "ساس" قسماً جديداً لألاعيب الفيديو، وأتاح المديرون للمطورين الانتقال إلى هناك، عندما فشل هذا القسم في تحقيق المرجو منه، عاد المطورون إلى مواقعهم التي تركوها مرحبا بهم. ومع أنّ هذه التجربة فشلت، فقد تعلمت الإدارة منها بعض الدروس القيمة، وذكرت المستخدمين بأن شركتهم تدعمهم، وتستحق ولاءهم. - ابقِ الزبون راضياً: حتى الآن، أظهرنا كيف تحفز "ساس" عمالها، وتقدم لهم الحوافز المستمرة بحيث يغار منهم المستخدمون في معظم الشركات الأخرى. لقد وصفنا نظام الإدارة الذي يبني الثقة والزمالة. في عالم "البزنس" كل شيء يغلي وصولا إلى المنتج المقدم إلى الزبون. هناك الكثير من الشركات المفترض أنها متنورة، لكن السياسات الإدارية "الجيل الجديد"، قادتها إلى الدمار المالي مباشرة – وحيث جاءت إدارة جديدة لتحل مكانها وتفرض سيطرة "تايلورية" جديدة في محاولتها لإصلاح الأضرار اللاحقة بالشركة. وفي النهاية، إذا لم تحقق منتجا يريده الناس (أو يحتاجه الناس)، لن ستمر مكانك لوقت طويل، إشراك الزبون – القطعة الأخيرة في هيكلية الغدارة – هو ما يحول دون تحول "ساس" إلى ناد ريفي للموهوبين تقنيا. تحتاج كل شركة إلى جمهور من الزبائن والأنصار لدعمها في المواقع الصعبة، من أجل الشركات الأهلية، إنّه طوول ستريت". وبالتأكيد لدى هذه الشركات زبائن أيضاً، لكن "وول ستريت" سريع وعديم الرحمة لدرجة من الصعب القيام بالعمل الصحيح من قبل الزبائن، إذا ما أراد "وول ستريت" شيئاً آخر، "ساس" في حاجة للانضباط مثلها في ذلك مثل أيّة شركة أخرى، لكن كونها شركة خاصة، فإنها تحقق الدعم من الزبون، وذلك يمنحها ميزات كبيرة، وأكبرها: في الوقت الذي يرتفع أو ينخفض مؤشر سعر البورصة، الزبون هو من يقول لك السبب، ويدلك كيف تحقق الأفضل، وسيعمل معك لتحسينه، لكن لكون الرسالة القادمة من الزبون تكون متلونة، فيمكن أن تكون أيضاً أكثر غموضاً، لذلك من المهم للإدارة التأكد من أن جميع أفراد الطاقم في الشركة يصغي لأصوات الزبون بشكل واضحن قوي ودون فلترة – بحيث تكون دون غموض مثلها مثل "كوتا" البورصة. كل ثاني يوم، تقوم "ساس" بجمع شكاوى الزبائن واقتراحاتهم عبر موقعها الإلكتروني وعبر هواتفها وتتصرف وفقا لتلك الشكاوى، كما تسعى الشركة أيضاً للحصول على آراء زبائنها كل سنة عبر صندوق "ساسط الإلكتروني، حيث تطلب الشركة منهم تقديم الميزات التي يريدون إدخالها على منتجاتها. تعطي "ساس" الأولوية للشكاوى والتعليقات وتقمها تباعاً إلى خبرائها المختصين، وتوضع المشاكل والاقتراحات في قائمة البيانات، وعندما يحين وقت تطوير نسخة جديدة من البرمجيات، تقوم "ساس" بحل جميع المشاكل الفنية المسجلة وتدخل كل الاقتراحات الممكنة، وخلال معظم سنوات عمرها التسعة والعشرين قامت بإدخال أكثر من عشر طلبات مقدمة من قبل الزبائن، وقد اتخذت إجراءات بخصوص حوالي 80% من الطلبات المقدمة. إضافة إلى ذلك تجمع ساس ما يصلها من آراء في مؤتمر المستخدمين السنوي، وهو حدث يختلف عن مناسبة ترويج وبيع المنتوجات، ويصف جيفري بفايفر هذا الحدث بأنّه يشبه مهرجاناً تعبيراً عن الشكر أكثر من كونه حلقة لسد الثغرات في صناعة البرمجيات، وما هي سوى ثمرة للطاقة الخلاقة، إنّه جلسة حوار بين مجموعتين من حاملي الأسهم تتبادلان الاحترام والتحدي بهدف الوصول إلى التحسين والتجديد. لنتخيل للحظة الإمكانية الإبداعية الهائلة لملايين المستخدمين – موظفون ذوو مهارات عالية يهللون من قطاعات متنوعة ومن 110 بلدان. (تزو "ساس" بالبرمجيات 96 شركة من بين المائة شركة على قائمة "فورتش غلوبال 500"، وإلى 90% من جميع الـ500)، إنها المجموعة المركزة الأكبر والأفضل التي يمكن للولاء أن يشتريه، وكون هؤلاء الزبائن يمتلكون إمكانات نيل آخر ما تقدمه أسواق البرمجيات، فهم يحتلون موقعاً فريداً لتحديد ما يتوقعونه من السلعة، وذلك بشكل مقارن بين مختلف السلع من حيث الميزات. وحسب ستيف بينفيلد، مدير قسم التسويق الإبداعي في "ساس"، من الصعب تطوير برنامج "عندما لا تحصل على شكل من التقييم الخارجي لمجموعة معينة من الأفكار وتقديمها على غيرها، لكن أن تكتشف كيف يتم تلقيها خارج جدران المكتب – هذا هو الذهب!". يتولّد الرأسمال المبدع في كل مرة يتفاعل فيها طاقم "ساس" مع زبائنها، لا يلاحق طاقم المستشارين في الشركة وطاقم الدعم التقني فيها الأخطاء فقط، بل يتعاونون مع المستخديم (الزبائن) لابتكار حلول جديدة، طاقم المبيعات لا يتوقف عن بيع البرامج فقط، بل يبنون علاقات مديدة مع الزبائن وخلالها يتعلمون أشياء مثيرة حول ما يحتاجه زبائنهم، ربما كانت "ساس" هي الشركة الوحيدة التي تطبع أسماء مطوري البرامج فيها على صفحات دليل المستخدم للمنتج، حيث يستطيعون الزبون الاتصال بهم مباشرة، ولكون الولاء في الشركة عالياً، يرد المطورون فعليا على الهاتف: فهم لن يبتعدوا عن الشركة بحثاً عن عمل آخر. تستطيع "ساس" أن توجه شكرها على نموذجها في العمل إلى هذه التفاعلات المنتظمة بين طاقمها وزبائنها، وكذلك إلى التدفق المستقر للعوائد في صناعة شديدة التقلب. فالولاء من قبل الزبائن عال لدرجة أنها توفر الشركة أموالاً كبيرة على الإعلانات وترويج سلعها. في النتيجة 26% من ميزانية "ساس" تذهب مباشرة إلى البحث والتطوير، والمعدل بالنسبة لشركات التقنية العالية هو 10%. يقود قسم البحث والتطوير جيِّد التمويل إلى منتجات أفضل، وهذا يقود إلى زبائن أكثر رضى، ويقود ذلك كله إلى أنك تعرف إلى أين أنت ذاهب. يكمن العامل الثاني لولاء الزبائن في تكريس "ساس" لجهودها لتقديم سلعة خالية من العيوب. إنّ هناك شروطاً توضع لمستخدمي معظم البرمجيات وهي أن يقبلوا بوجود عيوب كأمر لابدّ منه في الإصدارات الديدة، فلنتصور دهشة هؤلاء أو عرفانهم بالجميل عندما يحصلون على إصدار دون عيوب. منذ عشرين سنة خلت، عملت "ساس" خطأ تشفيراً محدداً ومكلفاً، وقد أرسل المنتج إلى السوق، وتبين أن معالجة الخطأ مكلفة جدّاً، سواء للزبون أو لطاقم الدعم التقني. تمّ استيعاب الدرس. هذه الأيام، تجري "ساس" اختبارات قوية جدّاً قبل التسويق في ميدان البزنس، يجري فريق الاختبار اختبارات معمقة على المنتج في موقع التطوير، وفي موقع عامل المبيعاتن وفي مكان الزبون، وفي حال لم يتمتع المنتج بالمستوى المطلوب من ناحية التطوير والبيع والاستخدام السهل، يعود إلى طاقم التصميم. لا تضيع "ساس" وقتها ونقودها على إصلاح ما كان يمكن فعله من البداية، إن أونصة من الوقاية تعادل باوندا من الدعم التقني اللاحق، هذا الكلام لا يعني أن "ساس" لا تحتاج إلى طاقم الدعم، إنما يعني أنّ هؤلاء المبدعين يجب أن يعملوا مع الزبائن على إيجاد السبل لمنتجات وعلاقات أفضل، وليس إضاعة الوقت في معالجة مشاكل كان يمكن تفاديها، وفي النهاية هذا ما يحصل، يصل متوسط وقت الانتظار للرد على خط الدعم التقني 34 ثانية، ويجري حل أكثر من ثلاثة أرباع مشاكل الزبائن في غضون 24 ساعة، إنّه طاقم مدفوع يقدم حلولاً راقية لزبائن سعداء جدّاً. * * * الاقتصاد المبدع وجد ليبقى وستتمتع الشركات التي تعرف كيف تدير الإبداعية بأفضليات حاسمة في ميدان التنافس المتعاظم دوماً على المواهب في العالم. نعتقد أنّ المديرين التنفيذيين يمكنهم أن يلقوا نظرة على مبادئ الإدارة في "ساس" للاستئناس بها في تعزيز الإبداع والارتقاء بالإنتاج ورفع كفاءة الأداء في إدارة الأعمال، فإذا حركت الدافع الداخلي للعمال المبدعين عبر تحفيز عقولهم والحد من أشكال التشاحن إلى الحد الأدنى، وإذا أزلت الحواجز بين المديرين والعمال عبر توفير مديرين مبدعين أيضاً، وإذا نهلت من المواهب الخلاقة لزبائنك بدل التطلع فقط إلى عمالك بحثاً عن أفكار جديدة، وإذا رعيت علاقات مديدة مع الزبائن والمستخدمين على حد سواء، فإنّك ستزيد من الرأسمال المبدع لديك بأضعاف كثيرة. ثمّة دورة فعالة تتكشف في "ساس" وهي أن سرعة تعديل وتصحيح الشركات الأخرى لأسلوب إدارة عمالها المبدعين سوف يحدد رشاقة انتقالنا إلى عصر الإبداع. المصدر: مجلة الثقافة العالمية/ العدد 134مقالات ذات صلة
ارسال التعليق