الإسلام يريد الإنسان أن يكون متوازناً متعادلاً في نظرته للواقع وموقفه منه، كما يريده منسجماً في شخصيته، تتطابق عقيدته وعواطفه وسلوكه، مستفيداً من كلّ فرصة تتاح له خير الاستفادة. فإنّ الفرص لا تتوفر دائماً لتغير الأحوال والحالات والإمكانات. قال تعالى على لسان لقمان الحكيم: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13). وقد رُوي عن الإمام عليّ (علیه السلام) قوله: «بادر شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك». وكذلك قوله (علیه السلام): «ما أقرب الدنيا من الذهاب والشيب من الشباب». ومن هذه الفرص مرحلة الشباب بما فيها من قوّة وصفاء نفس وتفتح على الحياة وكأنّها تماثل مرحلة الربيع في الطبيعة. إنّها المرحلة التي تُبنى فيه الشخصية بكلّ جوانبها العقائدية والعاطفية والتربوية في إطار من التعقل السليم، والتربية المتآصلة في النفس ولذلك يركز الإسلام عليها. ومنها قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله يظل الشاب الناشىء في عبادة الله بظله». وقال الامام الباقر (علیه السلام): «كان أبي زين العابدين (علیه السلام) إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم إليه وقال: مرحباً بكم أنتم ودائع العلم، ويوشك إذا أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين».
كما دعا الإسلام الشاب إلى اختيار الأصحاب المتخلقين بالخُلق الحسن واجتناب المنحرفين، فهذا عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول لبعض بنيه: «إياك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يُقرِّب لك البعيد ويبعد لك القريب، والفاسق فإنّه بايعك بأكله أو أقل من ذلك، والبخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، والأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرك، والقاطع رحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله». كما حثّ المجتمع والأبوين بشدة على ابتغاء الولد الصالح وتربيته ومساعدته على النشأة الصالحة، وعدم دفعه للعقوق. فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوصيكم بالشبان خيراً، فإنّهم أرق أفئدة». وفي وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن بن علي (عليه السلام)، وهي من أروع الوصايا، حيث يُعرض فيها الامام من جملة ما تعرض إلى قضايا كثيرة وهذه مقاطع من الوصية: «فإنّي أوصيك بتقوى الله - أي بني - ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله أن أنت أخذت به. احي قلبك بالموعظة، وامته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونورّه بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقررّه بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا. فاصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك». أكدت بعض النصوص أنّ الأنبياء بعثوا في مرحلة الشباب من قبيل قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) (يوسف/ 22). وما أكثر السلوكات النموذجية للأنبياء (علیهم السلام) فهذا الفتى إبراهيم (علیه السلام) يقول عنه القرآن: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الأنبياء/ 51-54). وإبراهيم نموذج الصابر الثابت على الإخلاص المضحي المتبرىء من الشرك العائذ بالله. وهذا إسماعيل (عليه السلام) الشاب المؤمن الذي يعلن أنّه إن صبر على الفداء فذلك بأمر الله: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات/ 102). والنبيّ يوسف (عليه السلام) يقول عنه تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف/ 24). وأروع أُسوة سيِّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) النبيّ الأمين حيث يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21). وقد رُوِي عنه قوله: «أنا الفتى، ابن الفتى، أخو الفتى»، وقد جمع (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّ الصفات الحميدة حتى قال فيه تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4). وهكذا يعمل الإسلام على صناعة جيل شاب صالح، يحمل الأمانة الإلهية إلى من بعده. ويحقق مقتضيات الخلافة بكلّ قوّة وصلابة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق