أشرقت الدنيا بولادة قائم آل محمد (ص)، وسعدت الإنسانية به (عج)، فإنّه مقيم الحقّ في كلّ أبعاده، ولم يدع مجالاً للغبن والظلم إلّا حطَّمه وقضى عليه. وُلِدَ الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عج) سنة 255هـ، وجاءت ولادته في ليلة مباركة ميمونة، هي ليلة النصف من شعبان، وهي من أقدس الليالي وأبركها في شهر عظيم. إنّ صفات الإمام المنتظر (عج) تُحاكي صفات الرسول (ص) وآبائه الأئمّة الطاهرين (صلوات الله عليهم)، الذين هم عناصر الرحمة الإلهية ومظاهرها، فقد خلقهم الله أنواراً، هداية لعباده، وإرشاداً لخلقه، وأدلّاء على مرضاته. فقد كان الإمام المهدي (عج) من أوسع الناس علماً، ومن أكثرهم دراية وإحاطة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فهو من ورثة علوم جدّه رسول الله (ص)، ومن خزنة حكمته، ومن بين علومه إحاطته الكاملة بأحكام الدين، وشؤون شريعة جدّه سيِّد المرسلين، وقد أدلى الأئمّة الطاهرون بسمو مكانته العلمية قبل أن يخلق، قال الإمام أمير المؤمنين (ع) في صفته: "هو أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً". كان الإمام المنتظر (عج) من أشجع الناس قلباً، ومن أربطهم جأشاً، وأقواهم عزيمةً، فهو كجدّه رسول الله (ص) في قوّة بأسه وشجاعته. الإمام المنتظر (عج) من أصلب المدافعين عن الحقّ، ومن أكثرهم تفانياً واندفاعاً لنصرة المظلومين والمضطهدين، لا تأخذه في إقامة الحقّ لومة لائم.. شأنه شأن آبائه الأئمّة المطهّرين الذين ناصروا الحقّ، وقاوموا الباطل، وقدَّموا أرواحهم قرابين لإقرار العدل بين الناس.
أمّا من حيث عبادته مما لا شكّ فيه أنّ عبادة الإمام المنتظر (عج) كعبادة آبائه الأئمّة الطاهرين الذين وهبوا حياتهم لله تعالى، وسرى حبّه في أعماق قلوبهم ودخائل نفوسهم، وقد قضوا معظم حياتهم صائمين في نهارهم، قائمين في لياليهم، قد أحيوها بالصلاة والدُّعاء والابتهال إلى الله تعالى.
نحن نعيش الآن غيبته (عج)، ولكنّنا في الوقت نفسه، نعيش معنى حضوره في معنى الرسالة، رسالة نعيش روحانيّتها في الحاضر، وننتظر حركيّتها في المستقبل. أنّنا هنا في هذه المرحلة من عصرنا، نلتزم الإسلام في منهج أهل البيت (ع)، ومنهج أهل البيت هو في كتاب الله وسنّة نبيّه، لأنه ليس لأهل البيت (ع) أية خصوصيّة زائدة عن خصوصية الإسلام، فهم ينفتحون على الإسلام كلّه، لا يزيدون فيه ولا ينقصون، لأنّ الإسلام في كتاب الله وسنّة رسوله كلمة الله، ونحن نعرف أنَّ رسول الله (ص) لم ينقص حرفاً ولم يزد حرفاً (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (الحاقة/ 44-47).
لهذا لا بدّ لنا في التزامنا الإسلامي في منهج أهل البيت (ع)، أن نأخذ الكتاب كلّه، وأن لا ننقص منه حرفاً، وأن نعمل به من خلال ظواهره الّتي أطلقها الله للناس ليفهموه، لأن الكتاب لم يأتِ ليكون كتاباً رمزيّاً، ولم يأتِ ليكون كتاباً لا يفهمه الناس، بل إنّه هو النور (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (المائدة/ 15-16). فالكتاب نور للحقيقة، فلا يحتاج إلى نور ينيره، وإذا رأينا الكثير من الفِرَق الّتي حاولت أن تلقي بظلماتها على الكتاب، فتنحرف به عن ظواهره وعن مدلوله، فإنها لا تستطيع أن تمحو هذا النّور، لأنّ نور الكتاب ينطلق من أجل أن يشقَّ هذه الظّلمات كلّها وهذه الضبابيّة كلّها. إنّ أول التزام بالإمام (عج)، هو أن نلتزم بالكتاب، وأن يكون القرآن كلّ شيء في حياتنا، أن نعيشه وأن نقرأه وأن نتدبّره وأن نعمل به، وأن نجعله عنواناً لثقافتنا ولسياستنا ولاقتصادنا ولاجتماعنا ولحربنا ولسلمنا، لأنّه يمثل العناوين الكبرى لذلك كله، وأن نلتزم العترة الذين التزموا الكتاب والتزموا النبي(ص)، لأنّ ما عندهم هو ما عند رسول الله (ص)، ولأن حديثهم هو حديث رسول الله، ولأنّ سيرتهم هي سيرة رسول الله.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
الهدهد سالم
أحسنتم ______اسنفدت كثيرا من مقالاتكم المفيده والمختصه استاذى العزيز اتمنى التواصل على صفحتنا على الانستغرام // alhodhod salem مأجورين ان شاء الله