• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التعامل الأمثل في مرحلة المراهقة

د. حسان شمسي باشا

التعامل الأمثل في مرحلة المراهقة
   1- المظاهر الجسدية والنفسية للمراهقة، ومسؤولية الآباء تجاهها: تتميَّز مرحلة المراهقة عند الشباب والبنات (11-18 سنة) بتغيُّرات وصفات خاصة تنقل الإنسان من عالم الطفولة إلى عالم النضج والشباب، ويواجه جسد المراهق عملية تحوُّل كاملة في وزنه، وحجمه، وشكله، وفي الأنسجة، والأجهزة الداخلية، وفي الهيكل والأعضاء الخارجية. وفي مرحلة المراهقة يمرُّ الفرد بالتغير العضوي السريع والمتتابع، وهذا أمر يتعجب له الراشدون من الكبار، عندما يرون الطفل وقد بدا خلال وقت قصير جدّاً طويل القامة، مفتول الذراعين. وترى بعض الآباء والأُمّهات يهمزن أبناءهم وبناتهم، لما بدا عليهم من تغير في أجسادهم وأشكالهم، ويرافق ذلك التعليقات أو المداعبات المشوبة بالاستغراب، وأحياناً بالسخرية والاستهزاء. وترى المراهق في هذه المرحلة يناقش القضايا مع والديه ومعلِّميه، يجادلهم بعد أن كان مستسلماً مطيعاً في طفولته، ينزع إلى الاستقلالية، وإلى محاولة الانفراد في اتخاذ القرار، وقد لا يتقبَّل رأي الآخرين بسهولة، وربّما يرفض توجيهاتهم ونصائحهم. ويصحب ذلك انفعالات معينة، فغالباً ما يخاف المراهق على ذاته ومستقبله، ويخشى احتمالات الفشل والنجاح، يتساءل عن مستقبله وكيف يواجه مصاعب الحياة. وقد لا يستطيع التحكُّم في انفعالاته، فهو إذا أحبّ أسرف وبالغ، يتعلق بمن يحب ويهيم به، وإذا أُعجب بشخص جمع الناس عليه، وبالغ في مدحه، فالمراهقون يبالغون في حبِّهم عندما يحبون، وفي كراهيتهم عندما يكرهون. ونجد المراهق ذا حساسية مرهفة لنقد الآخرين، يتألم من ذلك ويتوجع، وقد يطوي حسراته وآلامه عن الآخرين، وقد يشعر أنّ الآخرين لا يفهمونه ولا يعرفون مشاعره، ولهذا قد يصبح المراهق في بعض الأحيان ناقماً على والديه، وعلى الناس، ويقول مردِّداً: "لا أحد يفهمني"، "أنا أعْرَف بحالي"، "أصحابي فقط هم الذين يفهمونني"، وقد ينزوي المراهق عن المجتمع ويميل إلى الانطواء والوحدانية. وهو لا يرى أنّه كالكبار تماماً وخصوصاً والديه الذين يختلفان عنه في السنِّ اختلافاً كبيراً، ويتّجه إلى أساليب مختلفة في نمط هندامه وأسلوبه حياته، وموضوعات اهتمامه وهواياته، وهو حسّاس لمقارنته بكبار السنِّ – في هذا الجانب – وله منظارٌ خاصٌّ لا ينتبه إليه كثير من الكبار. والمراهق يميل إلى تحقيق الذات، وإثبات وجوده، وللأسف فإن كثيراً من الآباء والأُمّهات والمدرِّسين والإخوة الكبار، لا يأبهون إلى شعور المراهق بأنّه يرغب في تحقيق ذاته، من خلال استغلال طاقاته، ومنحه المسؤولة، والأعمال المناسبة، ويتجه بعض الكبار إلى عدم الثقة بالمراهقين والمراهقات، وعدم الاطمئنان إلى ما يتولّونه من أعمال، ويُشعرونهم بذلك، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، من خلال منعهم من تحمُّل المسؤولية، وصرف المراهقين إلى أعمال هامشية. ويقوم كثير من الآباء بتوجيه أبنائهم إلى الدراسة وتفريغهم لذلك، والاستغناء عن تكليفهم بأعمال ومهمات تحقق ذاتهم، وتشعرهم بالمسؤولية، وبشيء من الاستقلالية، وتُبرز شخصياتهم، وتصقل قدراتهم الاجتماعية. وللأسف فإن مجتمعاتنا تطيل فترة الطفولة والاعتماد على الغير حتى لا ينتهي الفرد من الجامعة إلا في سنِّ الثالثة والعشرين مثلاً، وهو في كل ذلك تابع، وعالة على المجتمع: ماليّاً، وثقافياً، واجتماعياً، لا عمل له سوى الاستقبال فقط. وهكذا يصطدم المجتمع بمتطلبات تلك المرحلة وحاجاتها الطبيعية ممّا قد يؤدي إلى انحراف المراهق أو ضياعه، إو إخفاقه في حياته وفي أقلِّ الحالات إهدار طاقاته، في حين نجد الإسلام قد كلَّف الإنسان بالتكاليف الشرعية في سنِّ البلوغ، وحمَّله المسؤولية عن نفسه في عباداته ومعاملاته وتصرفاته المختلفة. وحين تخاطب ابنك في سنِّ المراهقة حاول أن تبدأ حديثك بشكل مختلف عمّا كنت تخاطبه عندما كان أصغر سنّاً، فقل له مثلاً: "نعم، إنَّ وجهة نظرك جيِّدة، غير أنني أرى الأمر كالتالي..". "لا بأس أن يكون لكل منّا رأيه في الموضوع". "إنني لا أرى الأمر كما تراه أنت، إلا أنّ هذا من حقك..". وفي مرحلة المراهقة يكتشف المراهق هويته الذاتية، ويبتكر وسائل يؤكد من خلالها استقلاليته، كما يكتشف طرقاً جديدة للتعامل مع الآخرين. وقد يصبح المراهق فجأة إنساناً مثاليّاً، ينتقد من هو أكبر منه، وينتقد الأوضاع من حوله، وقد يصبح متمرِّداً على الأعراف والتقاليد. وبالمقابل قد يصبح ساخراً مستهزئاً من كل ما حوله، وقد يصل به الأمر إلى السخرية حتى من أفكار والديه وأهله. ويشعر المراهق بالتحدِّي لسلطتك، ومجادلتك، والتعبير عن موقفه المخالف لموقفك، ويهتمُّ المراهق في هذه المرحلة بمظهره وشكله أمام الآخرين، فتراه شديد الانشغال برؤية نفسه في المرآة، وقد يقلق المراهق من مظهره، وخاصة عند ظهور حبِّ الشباب. وقد يصاب المراهق بالخجل الشديد، وقد يميل إلى الانطواء والعزلة، فلا تحاول دفعه للقيام بأمور لا يريدها أو لا يرتاح إليها، وتجنَّب أن تشعره أن فيه ما يعيب، وحاول أن تشعره بأنك تثق به وبقدراته. حاول أن تؤكِّد لابنك المراهق أن من حقِّه أن يكون مستقلاً، وأن من حقِّه كذلك أن يختار، وستلاحظ ذهاب بعض العناد والممانعة. فهو يريدك أن تكون له مصدراً للأمن والتشجيع، ولا يريدك أن تقبع فوق رأسه على الدوام. وهو يريد منك إرشاداتك ونصائحك، ولكنه لا يريد أن تجبره على القيام ببعض الأمور: -         لا تجعله يشعر أن حياتك متوقِّفة عليه. -         اطلب منه المساعدة في أعمال المنزل بدلاً من أن تأمره أمراً. -         اسمح له بالقيام بالعمل في الوقت الذي يناسبه. -         اسمح له ببعض الحرية في طريقة تنفيذه. -         يستحسن أن يكون للعقاب علاقة بالعمل. فإذا لم يضع المراهق ملابسه الوسخة في وعاء الغسيل، فإن ملابسه لن تُغسل وكفى، وإذا ترك ملابسه على الأرض، فستبقى على الأرض حتى يحملها بنفسه. تذكَّر أنّ المراهق يشعر في هذه المرحلة بالحاجة إلى استقلاله، يريد له مكاناً خاصّاً، يرتِّبه كيفما شاء. وعندما يشكو الآباء من أولادهم لم يعودوا يطيعونهم كما كانوا من قبل، فأغلب الظنِّ أن هؤلاء الآباء يجهلون حاجة أولادهم المراهقين إلى الاستقلال، كما يجهلون أنّ الآباء يجب أن يتغيروا، ولا يكفي أن يتغير أولادهم. حاول أن تقلِّل ما استطعت من المطالب والأوامر، قدِّمها وأنت واثق من الإجابة. ·        تجنَّب أسلوب الاستبداد والصرامة، وتذكّر قول الله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...) (آل عمران/ 159). ·        قبل أن تطلب مطالبك، وجِّه انتباهه واهتماماته، وفسِّر له السبب قدر الإمكان. ·        لتكن طلباتك إيجابية بعيدة عن النفي أو السلب، لا تقل له: "لا تفعل" بل قل له: "افعل"، وبدلاً من قولك: "لا تُضع وقتك" قل له: "حافظ على أوقاتك". ·        تجنَّب المواقف المذبذبة، فلا اليوم ما كنت تتساهل فيه من قبل، ولا تتساهل في أمر كنت تؤكد عليه. ·        اجعل مطالبك ملتزمة بما أمر الله.   2- المراهق.. في حاجة إلى الأصحاب: الصحبة علاقة اجتماعية لا يكاد ينفكُّ عنها تاريخ الإنسان، وهي ذات أثر كبير في حياة المرء النفسية والاجتماعية والثقافية، ومن الأمثلة التاريخية المتميزة لأثر الصحبة: صحبة أبي بكر الصدِّيق لرسول الله (ص)، والارتباط النفسي والمصيري الذي اقتضته تلك الصحبة. ويتَّجه المراهقون إلى أقرانهم وزملائهم المقاربين لهم في السنِّ ليكوِّنوا صحبة واحدة تشترك في أشياء كثيرة؛ من أهمها: التشابه في التحولات الجسدية والنفسية والعقلية وغيرها، ويؤدي التشابه بين الأقران في كثير من الأحيان إلى التعلّق بالصحبة بحيث لا يقدِّم المراهق عليها أحداً، ويربط غالباً مصيره بمصيرها ورأيه برأيها، وقد تصل المحبة إلى درجة الخصوصية والخِلَّة، فلا يعقد الخليل أمراً دون خليله، وقد قال الرسول (ص): "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". وفي حديث آخر يقول الرسول (ص): "المرء مع من أحبّ". ويؤثِّر الخليل أو القرين على عقيدة الإنسان وقناعاته الفكرية، وهذا من أعمق الآثار التي قد لا يُلقي لها كثير من الآباء والأُمّهات والمربِّين بالاً إلا بعد فوات الأوان. ولعظم الأثر الذي تحدثه الرفقة، صار المربُّون يعرفون المرء من رفقائه، ويقوِّمونه بمعرفتهم لأصدقائه، وقد ورد في الأثر: "إيّاك وقرين السوء، فإنّك به تعرف"، وقال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسلْ عن قرينه **** فكلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي ولكن كيف يمكن ربط المراهق برفقة صالحة تنفعه وتفيده، وتساعده على بناء شخصية سويَّ’، وتدرأ عنه خطر المشاكل الاجتماعية؟: على المربِّي أن ينتبه لأهمية الرفقة وخطرها على المراهق، وأن يكون مستعدّاً لها قبل أن يصل الولد إلى سنِّ المراهقة، وينبغي تهيئة الولد قبل المراهقة بإعطائه من المعلومات والمواعظ والخبرات، ما ينبِّهه ويبصرهُ بأهمية الرفيق الصالح وجميل أثره، وما يبصرهُ بسوء عاقبة مرافقة رفاق السوء، وخطر مجالستهم. ·    اختر السكن المناسب الذي تجاوره أسر تحرص على صلاح أبنائها واستقامتهم، فكثيراً ما يختار المراهق أصحابه من أبناء الجيران أو الحي المشابهين له في سنِّه. ·        اختر المدرسة المناسبة من حيث طلابها ومعلّموها وإدارتها. ·    حاول ربط المراهق بالأنشطة الجادة والهادفة؛ مثل: الجمعيات التعاونية في المدارس، وجمعيات التوعية الإسلامية، والمكتبات والحلقات العلمية في المساجد، أو الموسمية؛ مثل: المراكز الصيفية، وأنشطة تحفيظ القرآن في العطل والإجازات. ·        الاستعانة بذوي العلم والخبرة من مدرِّسين، ومربِّين، ودعاة، وطلاب علم. ·    ينبغي متابعة المراهق متابعة غير مباشرة من حيث صداقاته ورفقاؤه دون إشعاره بذلك، فالمراهق يرفض عادة الملاحظات المباشرة، ويمقت الرقابة، ولا يستجيب للأوامر والتوجيهات المباشرة. ·        أكرم أصدقاء ابنك الصالحين، وحثَّه على دعوتهم في المناسبات، وتحدث إليهم واختلط بهم. ·        والمراهق، بسبب قلَّة خبرته، قد يخطئ، وكثيراً ما يخطئ في الانتقاء، ولهذا فهو في حاجة إلى توجيه الكبار لا إلى تدخُّلهم. ·        وعلى الوالدين أن يعرفا من يكون صديقاً لولدهما، لأنّ الصاحب ساحب – كما يقال – . ·    والمراهق نادراً ما يعرف الخمرة بنفسه والتدخين والمخدرات، ولكنّ تعرُّفه ومصادقته من يتعاطى الخمرة والتدخين والمخدِّرات يتيح له أن يشهد هذه الموبقات بعينيه ويراها في متناول يديه. وإن أشقَّ ما يكون في حياة الأب، وأشدَّ ما يبئسه ويصيبه في شرفه وشعوره أن يقال له: "تعال وشاهد ولدك في النظارة أو وراء قضبان السجون" بسبب المخدِّرات أو غيرها. وعلى الأبوين حين يكتشفان سوء أحد أصدقاء ولدهم، أن يكونا حكيمين في إبعاد ذلك الصديق، والأفضل عدم التدخُّل المباشر، لئلا يتمسَّك به الفتى أو يتَّصل به في غيابهما. ولكن الحوار اليومي والنقاش الهادئ ومشاركة الفتى في تحديد مواطن الخير والشرِّ في الناس، كل هذا يُعدُّ أفضل طريق لإبعاد الأصدقاء غير المرغوبين. وإذا أردنا أن يكون لأولادنا أصدقاء طيِّبون، فإن علينا توطيد صلاتنا بالأسر الرصينة الماجدة ليحسن أبناؤها التعرُّف على أبنائنا.   3- المراهق.. في حاجة إلى الأمن: * حاول أن تبثَّ الطمأنينة في كيان المراهق، وخاصة عند التعامل مع مخاوفه المختلفة. * تجنَّب السخرية واستهجان حاله، وما آل إليه في هيئته وشكله؛ فإن ذلك يشعره باحتقار الآخرين له. * حاول أن تقدِّر مشاعر المراهق بالتردُّد والاضطراب في المواقف الاجتماعية والمناسبات، وفي الحوار والخطابة، وقد تسقط الأشياء من أيديهم أو تظهر علامات الخوف من الموقف كاحمرار الوجه وتصبُّب العرق، أو رفض مواجهة الموقف والانسحاب منه، والابتعاد عن حضور الولائم والمناسبات. * ينبغي تدريب المراهقين على الحوار والمناقشة، وتبادل الآراء معهم، وتعويدهم على عرض وجهات نظرهم. * تذكَّر أنّه ليس من المجدي في التربية الإسكات الدائم للصبيان والشباب، وكتم أنفاسهم، وتسفيه أحلامهم، وليس من المجدي التعويد على الحياء في غير محلِّه، فيصبح حائلاً بين الشباب ومشاركتهم في المواقف والمناسبات. * تجنَّب انتقاد المراهق ونبذه بالألقاب بسبب فشله في المواقف الاجتماعية، وتعثُّره في المناسبات بسبب تخوفه وتردده أو انسحابه، فهذا الأسلوب لا يعالج المشكلة، بل يزيدها تعقيداً واستفحالاً. * لابدّ من تعويد المراهق على المصارحة والمكاشفة، ولابدّ من إشعاره بالمعاونة على حلِّ مشاكله.   4- المراهق.. في حاجة إلى العبادة: لدى المراهق في كثير من الحالات توجُّه إلى التديُّن، وميول إلى كثير من التفكير والتأمُّل، فعواطفه جيّاشة، وأحاسيسه مرهفة، وهو كثير الخوف، سريع الشعور بالذنب والإحساس بالضعف، يتجه إلى المسجد أحياناً، ويحافظ على الصلوات والنوافل، ويكثر الدعاء والأذكار، وكل هذا يشير إلى ميول المراهق الأكيدة للتديُّن والتعبُّد. ولهذا كان من الواجب استثمار هذه الاستعدادات والميول عند المراهق وتوجيهها التوجيه الصحيح.   5- كيف تنمِّي الجانب الديني عند المراهق؟ * حاول أن تحثَّ المراهق وتوجِّهه إلى هذا الجانب عفويّاً، وبطرق غير مباشرة ما أمكن، إذ إنّ المراهقين حسّاسون للأسلوب الإملائي المباشر، ويمتازون بالاعتداد بأنفسهم، وقد يعاندون أحياناً. * خاطب عقل المراهق وعواطفه ومشاعره، بمناقشة عقلية حكيمة ممزوجة بمخاطبة العواطف والمشاعر. * ينبغي البدء بمناقشة هذا الجانب والتوجيه إليه مبكِّراً، فالاسترشاد بالكبار يكون أكبر في السنوات المبكرة من المراهقة، وهو سنُّ الثالثة عشرة إلى الخامسة عشرة، ويتقلَّص الاستقبال، وتزداد الاستقلالية بعد ذلك. * استثمر مواقف الضيق والشدائد والنوازل في إيضاح قدرة الله، وضرورة اللجوء إلى الله في الكرب والشدائد. * ذكِّر ابنك المراهق بأنّ الله مطَّلع عليه، وأنّه في رقابة دائمة من الله تعالى، وذكِّره بقوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/ 19). * عوِّده على غضِّ البصر، وذكِّره بقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) (النور/ 30). وذكِّره أيضاً بحديث رسول الله (ص) وهو يخاطب عليّاً (ع): "يا علي لا تُتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة". وبحديث رسول الله (ص): "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة أوّل مرّة ثمّ يغضُّ بصره؛ إلا أخلف الله له عبادةً يجدُ حلاوتها". وذكِّره أيضاً بحديث رسول الله (ص): "النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي؛ أبدلتُه إيماناً يجد حلاوته في قلبه". * عوِّده الإعراض عن المسموعات المذمومة، وعن قبائح الأقوال ومغرياته الموقعة في الرذيلة. وذكِّره بقوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص/ 55). * علِّمه فن الاستئذان، حيث يعتاد المراهق خصوصاً على أخذ الإذن عند إرادة السماع أو النظر أو السؤال، فهو منتهى ضبط حبِّ الاستطلاع، وقد قال تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور/ 59). فإذا بلغ الطفل الحلم – وهو سن المراهقة – يستأذن على كل حال عند دخوله البيوت، أو غرف الآخرين، أو الأماكن الخاصة من أي نوع، لئلا يفاجئ الآخرين، أو يكشف سترهم، ولئلا تقع عينه أو سمعه على ما لا يجوز له. وذكِّره بحديث رسول الله (ص): "لو أن امرأ اطَّلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأتَ عينه: لم يكن عليك جناح".   6- المراهق.. والجنس: تحدَّث مع فتيانك في حوار هادئ حول احتمالات أن يكون أحد أبنائك وحيداً ذات يوم، ويلتقي بفتاة ما يدري ما شأنها يمكن أن تتصدّى وتقضي على براءته أو تنقل إليه الأبدز، تحدث ببساطة عن مخاطر التجربة، وما يمكن أن تسبب له الندامة لا سمح الله، استخدم في حوارك العقل وصحة البدن والدين الذي يحرِّم خلوة الرجل بالمرأة الغريبة، وذكِّرهم بحيث رسول الله (ص): "لا يخلون رجلٌ بامرأة فإنّ الشيطان ثالثهما". ذكِّر فتيانك أنّ الله تعالى لم يقل في القرآن العظيم: (ولا تزنوا)، ولكن قال ما هو أحوط وأشدُّ حرصاً على سلامة الإنسان من الزنى، فقال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا) (الإسراء/ 32)، وذلك لأن فعل الفاحشة فعل مركَّب له مقدِّمات ونتائج مترابطة وليس فعلاً مباشراً، وأهم مقدماته: 1- إطلاق النظر إلى المحرَّمات. 2- السير مع رفاق السوء واصطحابهم. 3- تناول الخمر والمخدِّرات. وأهم نتائجه: التعرُّض للأخطار العقلية والاجتماعية والصحية. ذكِّر فتيانك أيضاً أنّ الفتاة التي تخاطر فتسير مع الفتى خارج الحرم الجامعي، تغامر بقضية زواجها في المستقبل، وقد يكون سيرها معه في رأيها بريئاً خلواً من أي انحراف، إلا أنّ الرقباء وألسنة الناس لا تكتفي بالمشاهدة وتنقل ما تراه إلى هنا وهناك، فترى التأويلات تأخذ مجراها وتنتقل من بيت إلى بيت، وتكفي كلمة واحدة أو جملة واحدة حتى تكون فاصلة في تعطيل أمر الزواج، هذا فضلاً عن أنها أغضبت الله تعالى في مخالطتها لرجل غريب عنها وخالفت أوامره. ولتعلم كل فتاة أنّ الشَّان الذين يسمَّون بالمتحررين تجدهم يرون في الحبِّ تسلية ومَلْئاً للفراغ، ولتحذر كل فتاة ساذجة تُؤخذ بأفكار الحب وتصدِّق الوعود السرية بالزواج أن من المستحيلات أن يقترن شابٌّ بفتاةٍ (ذات ماض)، وأن هذا الوغد ما أن يفترس فريسته حتى يرميها للكلاب الجائعة ويتخلى عنها، وينسى كل الوعود والكلام المعسول.   7- علِّمه تحمُّل المسؤولية: لا شكّ أنّ المراهق يتأثر بنوع المعاملة التي يلقاها من والديه ومربِّيه، فهي إما تعوِّده على المبادرة والعطاء، أو تجعله سلبياً منزوياً لا رأي له. ·        استخدم الحوار والمناقشة مع الشباب، عند طرح الآراء في المجالس، وعند تقويم الأحداث والأفكار والأشخاص. ·        استخدم الشورى في المناسبات المتعلقة بالأسرة والمدرسة وغيرها، كالرحلات، ونوع الدراسة والبيت والسيارة... وغير ذلك من الأمور. ·        عوِّده على اتخاذ القرار عندما تطلب منه تنفيذ عمل ما. ·        عوِّده على القيام ببعض المسؤوليات، كالإشراف على الأسرة والقيام بشؤونها أحياناً وخاصة في غياب ولي الأمر. ·        عوِّده على الاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً ماليّاً كل أسبوع أو كل شهر. ·        علِّمه التخطيط للمستقبل، وأن يكون له دور أساسي في توجُّهه الدراسي والوظيفي وغيرها. ·        زوِّد بيتك بمكتبة شاملة، جيِّدة في محتوياتها، وترتيبها، وجاذبيتها وبساطتها، ولابدّ من أن تحتوي المكتبة على مواد تهمُّ المراهق، ومن ذلك: 1-     السهل المختصر من كتب التفسير والحديث والفقه والفتاوى. 2-     كتب المكتشفات العلمية. 3-     كتب التراجم والسير. 4-     كتب الأسئلة والأجوبة في المجالات المختلفة وخصوصاً: الشرعية، والصحية، والاجتماعية، والنفسية. 5-     كتب القصص الهادفة. 6-     الأشرطة المسجلة، مثل: أشرطة الوعظ القصصي، المحاضرات المبسطة وغيرها. ولابدّ من مراعاة عدد من الإجراءات التي تجذب المراهق للمطالعة، ومنها: 1-     أن يقوم المراهق نفسه بشراء بعض الكتب، والأشرطة، وتزويد المكتبة بها. 2-     أن يقوم بترتيب المكتبة والإشراف عليها إن أمكن. 3-     أن يحرص المربِّي على سلامة المادة المحتواة من الكتب والأشرطة. 4-     ألا يفرض اختيار الكتب المقروءة على المراهق فرضاً، بل تترك له الحرية ضمن محتويات المكتبة. 5-     تزويد المكتبة بالكومبيوتر وانتقاء الأقراص (CD) ذات المعلومات أو اللعب المناسبة.   8- المراهق في بلادنا.. وبلاد الغرب: من فضل الله علينا أن أُسرنا ما تزال تتميز بالترابط الأسري، فتنتقل المودَّة والرحمة من الآباء إلى الأبناء، في حين نرى أنّ الحياة الأسرية في بلاد الغرب تقوم على الانفصال أو الفصام بين الأجيال، والمراهقة هنا تعني – في أغلب الأحوال التمرُّد. يقول الدكتور (De Besse) المختص في علم النفس التربوي في كتابه (المراهقة): "حين يكبر الأطفال في بلادنا فلابدّ أن يظهر التمرُّد بشكل محتَّم أو شامل، وعلى الآباء والأُمّهات أن يدركوا هذه الناحية، ويتعاملوا مع أولادهم على أساس قبولهم بهذا الأمر والتسليم به، فالنموُّ يعني التمرُّد". أمّا العلاقة بين الآباء والأبناء في أسرنا، فهي تقوم – في الغالب – على أساس الإحسان إلى الوالدين، وتقديم إحساننا للأم على الأب على ضوء توصية رسول الله (ص): "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك". والمراهق الشاب عندنا قلَّما يثور على أسرته أو يتنكَّر لها ولقيمها، وخاصة عندما تكون الأسرة ملتزمة بالخلق والشرع، فالمراهق عندنا يمرُّ بمرحلة (التكليف) لا مرحلة (التمرُّد) والتنكُّر للمعروف، وهو يجد في سنِّ المراهقة وفاءً للدين والمحبة التي قدَّمها والداه له. وخلافاً لهذا المراهق نجد قلّة من الصبيان الذين يميلون إلى التحلُّل من وفاء الديْن لآبائهم، ويجنحون إلى إنكار الجميل الذي قدَّمته أسرهم، وبعض هؤلاء الآبقين قد تعرَّف – غالباً – على جماعة خارجة عن الأخلاق أو القانون أو الدين، فأحسَّ أن منزلته في وسط هذه الجماعة أكثر من منزلته في أسرته، وكثيراً ما تكون الأسرة هي المسؤولة عن مصير هؤلاء، فلم تحسن إليهم الإحسان الكافي في طفولتهم، أو أقامت علاقاتها مع أولادها على أساس التفضيل والتمييز. ومن المؤسف جدّاً أننا نرى من حولنا آباء فضلاء، بل وممتازين في العلم والدين، قد أنجبوا أولاداً متمردين أو ملحدين، وغالباً ما يكون السبب أنّ الآباء لم يعرفوا، أو لعلّهم لم يدروا على الرغم من منزلتهم في العلم، أن من واجب الآباء أن ينزلوا إلى مستوى أطفالهم.. فلم يصادقون، فتصيَّدهم أتباع الشيطان وقادوهم إلى التمرُّد والاستهتار بالدين.   9- ابني المراهق لا يستيقظ بسهولة في الصباح: نادِهِ في الصباح مرّة واحدة، وتأكد من أنّه قد سمعك، وأنّه استيقظ من نومه حقيقةً، وبعدها اترك له أمر النهوض من السرير. وإذا تأخّر بالنهوض والوصول إلى المدرسة، فإنّه سرعان ما سيتعلَّم من تنبيه المدرسة، وكلمة المدرِّس أو المدرِّسة أفضل بكثير من أن تبقى تتابعه وتنادي عليه كل صباح مرات ومرات، وقل له: إذا كان هذا ما تريد، فهو اختيارك، وعليك أن تتحمَّل نتائج اختيارك.   10- عودة المراهق في المساء: من الأمور التي تنشأ بين المراهق ووالديه قضية تحديد ساعة العودة إلى المنزل في المساء. وليس المهمُّ مجرَّد تحديد ساعة العودة إلى المنزل، وإنما أين هو ومع من كان خلال هذا الوقت. ·        تأكد دوماً أنك تعلم أين سيذهب، ومع مَن، ولكن لا تعرِّضه لاستجواب وتحقيق قبل خروجه وبعد عودته إلى المنزل. ·        علِّمه أن يكون صريحاً معك، يفتح لك قلبه ويصارحك في كل الأمور. ·        انتبه إلى العبارات التي تستعملها وأنت تتحدث معه: فبدل أن تقول: "أين أنت ذاهب؟" قل له: "هل ستذهب إلى مكان ممتع اليوم؟" وبدل أن تسأل: "ماذا فعلتم اليوم؟" اسأله: "هل استمتعتم بوقتٍ طيِّب؟"، وبدل أن تقول: "من سيذهب معك؟" يمكن أن تقول: "هل سيذهب صديقك عمر؟". ·        اتفق معه على وقت العودة إلى المنزل، وحاول أن يكون وقتاً معقولاً يرضيك ويرضيه. ·        أوضح له تماماً كيف أنك تثق به، وتتوقع منه الالتزام بهذا الاتفاق. ·    إذا عاد يوماً متأخّراً، استمع له أوّلاً فقد تكون هناك أسباب وجيهة مقنعة، ولكن علِّمه أنه كان بإمكانه أن يكلِّمك بالهاتف من منزل صديقه مثلاً، وبذلك يرتاح بالك وأنت جالس تنتظره. ·        ذكِّره كيف أنّ الآباء بشكل عام يشعرون بالقلق والخوف على ولدهم. ·        وإذا لم يلتزم فقل له بأنّه إذا تكرَّر التأخُّر في العودة فلن يستطيع عندها الخروج من المنزل في المساء لمدة أسبوع مثلاً.   11- إذا وقعت عيناك على أمر خاصٍّ لولدك لا يريدك أن تراه، فماذا تفعل؟ تذكَّر أوّلاً غرفة الولد هي غرفته الخاصة، وتذكّر أنك إن صادرت ما رأيت وأتلفته فإن هذا التصرف لن يمنع ولدك من الاستمرار في هذا العمل، ولكنه سيتعلّم من هذه التجربة أن يكون أكثر حذراً في إخفاء حاجاته الخاصة بعيداً عن مراقبتك وعيونك. اسأل نفسك: هل هذا الأمر ضارٌّ به أم لا؟ فإن لم يكن له ضرر عليه فالأفضل أن تتركه في مكانه، أما إذا شعرت بضرر هذا الأمر وخطورته فالأفضل أن تفتح معه الموضوع مهما كانت صعوبة الحديث في الأمر، ولكن حاول ألا تعرض الموضوع بأسلوب المواجهة والتحدي كأن تقول له مثلاً: "تعال معي أريد الحديث معك في أمر خطير، هيا أغلق الباب واجلس هنا أمامي، انظر ماذا وجدت اليوم في غرفتك، إنّ هذا لأمر مخجل ومعيب حقّاً، يا لك من ولد عاصٍ ومتعب...". وربّما كان من الأفضل أن تقول له: "لقد وجدت اليوم هذا الشيء في غرفتك بالخطأ، ولقد تفاجأت بالأمر رغم أني أعلم أن معظم الشباب قد يفكِّر في هذا الأمر في مرحلة ما...".   12- ابني في السادسة عشرة.. يريد قيادة السيارة: كثيراً ما يطلب الولد في هذا السن – أو ربما قبله – من أبيه أن يسمح له بقيادة السيارة لأوّل مرّة. والأب العاقل يجيب: بالتأكيد ليس لديَّ مانع، فأنا أثق بمهارتك، وقد علَّمتك القيادة بنفسي، ومع ذلك فأنت تعلم أنّ السنَّ الذي تسمح به الأنظمة محدد بالثامنة عشرة، ومن ناحية أخرى، فهناك نصيحة وادة، وأظنني لست بحاجة لذكرها (لأنني أعلم مقدار وعيك)، وهي أنّه لا اندفاع ولا طيش.. فنحن لسنا من طينة الشباب الطائشين!.. وسأبقى معك في السيارة حين تقودها لأنّ القوانين لا تسمح لسنِّك بذلك على الرغم من ثقتي بك.   13- نصائح للوالدين: ينبغي أن يراعي الوالدان ما يأتي: 1-     ألا يتشاجرا أمام الأطفال أو المراهقين. 2-     أن يسوَّى أي خلاف حتى الخلافات المادية بعيداً عن الأولاد، وألا يتمّ أي جدال بصوت مرتفع أمام الأبناء. 3-     لا يتدخل الوالدان في كل أمور حياة المراهق، وألا تأتي التوجيهات في صورة أوامر. 4-     أن يشجِّع الوالدان المراهق على الاستقلال والاعتماد على نفسه. 5-     أن يلفتا نظره عندما يغضب بشدّة لأسباب تافهة. 6-     ألا يضيِّقا عليه في الجانب المالي، فينحرف ليحصل على المال أو يشعر بالدونية، ولا يسرفا في إعطائه فينحرف أيضاً. 7-     إذا اتضح أنّ الرفقة التي ينتمي إليها الصبي منحرفة أو فيها أشخاص منحرفون، فلا يصح أن تأمر المراهق فجأة بتجنُّب تلك المجموعة. ولكن حاول تقليل الفرص التي يلتقي فيها بالأشخاص السيئين، وشجِّعه على مصاحبة ذوي الميول الطيِّبة، ووفِّر له فرص لقاءٍ مع شخص آخر جيد يشبهه في ميوله واهتماماته. 8-     شجِّعه على أن يستخدم عقله في نقد ما يرى أو يسمع. 9-     أثِرْ فيه نوازع الخير وخدمة الآخرين. ذكِّره بحديث رسول الله (ص): "من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يُسرِع به نسبه". 10- شجِّعه على النجاح في النواحي الدراسية والمواقف العملية. 11- احترم آراء الابن واسمح له بالقيام بتدبير أموره بنفسه، وتنظيم خططه واتخاذ قراراته. 12- جنِّب ابنك الشعور بالفشل والإحباط، ولا تعيِّره بنقائصه، ولا برسوبه ولا بفشله. 13- أشعره بأنّه شخص مرغوب فيه دائماً، وموفَّق في عمله غالباً، ويتعلَّم من أخطائه القليلة.   المصدر: كتاب أبناءك في هذا الزمان

ارسال التعليق

Top