• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الثبات والإيمان في شخصية الإمام الحسين (عليه السلام)

عمار كاظم

الثبات والإيمان في شخصية الإمام الحسين (عليه السلام)

إنّ عدم التكافؤ في العُدّة والعدد بين طرفي الحرب في ملحمة كربلاء واضح جداً؛ فجيش يزيد بن معاوية كان أُلوفاً مؤلّفة، بينما كان جيش الإمام الحسين (علیه السلام) أفراداً من أهل بيته وأصحابه. والتكافؤ عنصر ضروري ما بين الطرفين ـ سواء كان بينهما تقارب أم تنازع ـ ويتأكّد وجوده في النزاعات أكثر من أيِّ مكان أو وقت آخر. إنّ التصدي لخصم غير متكافئ يستلزم عقيدة عسكرية تكفل طريقة للتفكير في عدم التكافؤ، وفلسفة عمليات لا تُغفِل ذلك النوع من عدم التكافؤ، وإنّما تأخذه في الحسبان جملةً وتفصيلاً. أمّا الإمام الإمام الحسين (عليه السلام) كان وارث الإسلام، ووارث تلك الثورة التي فجّرها جدّه، وأوصلها أبوه وأخوه، لكنّ الحسين في المقابل لم يرث جيشاً ولا سلاحاً ولا ذهباً؛ وبالتالي لم يرث أيَّ قوّة جبهوية تُذكر، ولا حتى مجموعة منظّمة!! وكان هذا يعني بادئ ذي بدء أنّ القيادة الحسينية التي آمنت بالنضال وأقرّته كقاعدة أساسية لوجودها، هذه القيادة كانت ـ ككلّ قائد أو إمام يؤمن بالنضال ـ غير حرّة في اختيار طريقة هذا النضال، وإنّما كان عليها أن تخضع للظروف التي تُحيط بها، والتي تفرض عليها شكلاً معيّناً من أشكال الحرب.

أراد الإمام الحسين (علیه السلام) من خلال ملحمة الطف إعطاء درس متكامل في المبادئ، والقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية لكلّ بني البشر؛ حتى لا يبقى لأحد من عذر يتحجّج به باسم عوامل الضغط وغيرها، فالقائد والمصلح يضحّي بكلّ ما يملك في سبيل إقامة أُسس العدل والخير، وليس شرطاً أن يبقى هذا القائد حيّاً بعد الثورة، وليس شرطاً اعتبار بقائه حيّاً في تحقّق النصر، بل ربّما يكون موته فاتحة للنصر الأكبر. إنّ ما فعله الإمام الحسين (علیه السلام) يدحض النظرية القائلة: إنّه (علیه السلام) أراد بثورته طلب السلطان. بل إنّ قائد الثورة يسير نحو الموت، وأنّ ثورته لن تنتصر بحسب المقاييس العسكرية، بل هي حركة فدائية تضحوية.

من أكبر عوامل النصر ـ النفسية والحقيقية ـ هو اليقين الثابت والإيمان الصلب الموجود في معسكر الإمام الحسين (علیه السلام). يقول الكاتب والمفكِّر والمستشرق الإنكليزي توماس كارلايل: «أسمى درس نتعلَّمه من مأساة كربلاء هو أنّ الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا فعلاً بعملهم ذاك أن التفوّق العددي لا أهمّية له وقت المواجهة بين الحقّ والباطل، والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلّة الفئة التي كانت معه».

كان معسكر الإمام الحسين (علیه السلام) يطغى عليه التعبّد والتبتّل، والصلاة والتهجّد، بينما معسكر عمر بن سعد؛ معسكر واجم، مظلم، غارق بالذنوب، ويتّصف أصحابه بسواد القلوب، مع سواد الوجوه والنيِّات. ولقد أثّر معسكر الإمام الحسين (علیه السلام) في أصحاب عمر بن سعد؛ فخرج بعض منهم والتحق بمعسكر الإمام الحسين (علیه السلام) لمّا شاهد سيماء الطاعة والخضوع لله تعالى عليه. وفعلاً فقد بشّرهم الإمام الحسين (علیه السلام) بالجنّة في يوم العاشر من محرم، فلمّا فرغ (علیه السلام) من صلاة الظهر من ذلك اليوم، قال لأصحابه: «يا كرام، هذه الجنّة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وزُيِّنت قصورها، وتؤلّفت ولدانها وحورها، وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والشهداء الذين قُتلوا معه، وأبي وأُمي، يتوقّعون قدومكم عليهم، ويتباشرون بكم، وهم مشتاقون إليكم».

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه مع أبي ذر الغفاري في وصف معسكر الإمام الحسين (علیه السلام) ومكانتهم السامية: «واعلم يا أبا ذر، أنّ للواحد منهم سبعين بدريّاً، يا أبا ذر، واحدٌ منهم أكرم على الله من كلّ شيء خلق الله على وجه الأرض». وقال عنهم أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (علیه السلام): «لا يسبقهم مَن كان قبلهم، ولا يلحقهم مَن كان بعدهم».

ارسال التعليق

Top