• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحسين (عليه السلام) وتلبية الأمر الإلهي

عمار كاظم

الحسين (عليه السلام) وتلبية الأمر الإلهي

جسّدت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) عمليّاً الغرض الرئيس لوجود الإنسان في هذه الحياة، فالقرآن الكريم يصرّح به قائلاً: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56). ولعلّ السرّ الأسمى لكمال العبودية هو التسليم المطلق لإرادة الله عزّوجلّ، وقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) وآل بيته وأصحابه المصداق الأكثر انطباقاً على التسليم لإرادة الباري سبحانه، فقد يخطر في البال أنّ خروج الإمام (عليه السلام) ومعه عياله وأصحابه لمعركة غير متكافئة في العدد والعدة فيه من الغرابة ما لا يخفى، لكن هذا الخاطر يهن مع الاعتقاد بعصمة الإمام (عليه السلام)، وبأنّ نهضته كانت تسلمياً مطلقاً للأمر الإلهي، وقد وضّح الإمام بنفسه هذا الأمر لمن قابلوه في أثناء رحلته مبيّناً لهم أنّ طاعة الله وتقبّل أوامره والتسليم لها يستدعي مثل هذه التضحية النفيسة.

أقرّت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) أنّ الركون إلى الظاليمن والعيش في كنفهم خطأ فاحش يرتكبه المسلمون يورثهم الضجر وضيق العيش، على حين أنّ طلب الشهادة عند ضياع الحقّ وانتصار الباطل هو السعادة بعينها، يتضح ذلك في قول الإمام (عليه السلام): «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربِّه محقاً، فإني لا أرى الموت إلّا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا بَرماً». فالإمام (عليه السلام) ضحّى بنفسه، وهي أطهر النفوس وأزكاها حينذاك، وضحى بآل بيته وصحبه الكرام، بل ضحّى بكلّ ما يملك لنيل رضا الله، ومنه يفهم أنّ مثل هذه التضحية واجبة، ولو اقتضت شهادة أعزّ الأنفس عند الله وأعظمها ذلك أنّ الأنبياء والأولياء هم قدوة البشرية إلى كلّ خير وإصلاح.

إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن رجل حرب وبطل مواقف جهادية فحسب، وإنما كان يكمل مسيرته الجهادية بمسيرة عبادية. هذا الرجل العظيم الذي كان يتفرّغ إلى الله ويبكي ويتهجد ليلاً، هو نفسه الذي حمل السيف في يوم عاشوراء، وصرخ بذلك الدوي الذي ما زال هتافه يحرك الملايين: «هيهات منا الذلة» فالإيمان هو الذي يحدد مسار الإنسان، وهو الذي يوجب عليه أن يسلم تسليماً مطلقاً، ويكيّف مواقفه بحسب ما يأمره به الله تعالى.

لقد ارتبطت عاشوراء بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام)، هذه الشخصية التي تربت في حضن الرسالة ونهلت من معين الإسلام الصافي، وامتلكت رصيداً من المحبّة في قلوب الناس، وجسّدت مجموعة من العناوين الإسلامية والإنسانية، التي ما زالت تلهم كلّ طالب حقّ، وكلّ ثائر ضد الظلم، وإذا كانت بعض القراءات للثورة الحسينية تقدم البعد العاطفي على العناوين الأخرى، ولا ترى في الحسين (عليه السلام) إلّا إنساناً وأباً مفجوعاً بأهله وأولاده وأصحابه، فإنّ هذه الرؤية تظل قاصرة عن الارتقاء إلى مستوى العناوين الأخرى في هذه الشخصية.

لم يكن الحسين (عليه السلام) يطلب فتحاً عسكرياً أو نصراً سياسياً وإنما كان يطلب في خروجه إحداث هزّة عنيفة في أروقة الحكم وإثارة إرادة الجماهير وتحريكها للمطالبة بحقوقها. إثارة الضمائر والنفوس والعواطف والعقول بقوة فعل المأساة المفجعة التي تَحمَّل عذاباتها الحسين وأهل بيته وأصحابه. كانت غاية الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه المأساة المفجعة هي تحريك أفراد المجتمع واختراق المنظومة الفكرية التي أشاعها بنو أمية من قبيل الاستسلام للحاكم الجائر وقبول الأمر الواقع وإلغاء روح الجهاد. وكان هدفه استبدال هذه المفاهيم لإشاعة مفاهيم الإسلام في مقاومة الحاكم الظالم وتحريك المسلمين ضد سلطان لا يقوم على الشورى والعدالة.

ارسال التعليق

Top