إذا كانت الدهون هي المسؤولة الأولى عن التسبب في السمنة، لماذا تفشل الحميات التي تعتمد على المنتجات الغذائية خفيفة الدسم، والخالية من الدسم في تخليصنا نهائياً من الكيلوغرامات الزائدة؟
اكتسبت الدهون سمعتها السيئة منذ عقود، لأنّ العلماء افترضوا يومها، انطلاقاً من تفاسير مغلوطة لبضع دراسات كبيرة، أن تناول الأطعمة التي تحتوي على دهون يقود مباشرة إلى البدانية ومرض القلب. وقد تم على أثر ذلك التعامل مع الأطعمة الدهنية وكأنها "الخطيئة" الغذائية الوحيدة المسؤولة عن ارتفاع مستويات الـ"كوليسترول"، انسداد الشرايين، وعن التسبب في السمنة. ولم يكن ذلك صعب التصديق، فقد بدا بديهياً ومنطقياً الاعتقاد أنّ الدهون التي نأكلها تتحول إلى دهون متراكمة على أفخاذنا ومؤخراتنا. لكن الدكتور فرانك هوو، أستاذ علوم التغذية والأوبئة في كلية الصحة العامة في "جامعة هارفرد" يقول: إنّ النظام الغذائي خفيف الدسم الذي راج خلال الفترة السابقة أدى إلى نتائج معاكسة. فنسبة البدانة في الولايات المتحدة والكثير من البلدان الأخرى، ارتفعت كثيراً وسجلت أرقاماً قياسياً في الوقت نفسه الذي تراجعت فيه كمية الدهون التي يتم استهلاكها. وقد دفعت هذه الظاهرة الكثير من العلماء إلى إعادة النظر في الاتهام الذي كانوا يوجهونه إلى الدهون ودورها في التسبب في السمنة.
- فوائد تناول الدهون:
مثلها مثل الكربوهيدرات والبروتينات، تُعتبر الدهون عنصراً مغذياً أساسياً. وهذا يعني أنّ الجسم يحتاج إليها لأداء وظائفه الرئيسية، مثل امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون مثل فيتامينات A وD وE وK. وتقول المتخصصة الأميركية في التغذية بوني توب ديكس: إنّ الدهون ضرورية أيضاً كمصدر للطاقة، وهي مهمة جداً للحفاظ على صحة الجلد والشعر. والأهم من ذلك، هو ما أظهرته الأبحاث الحديثة، فقد تبين أن تناول الدهون الجيِّدة يمكن أن يساعدنا في الواقع على التخفيف من خطر الإصابة بالسكري، ومرض القلب، والبدانة، كما أنّه يُحسّن مستويات الـ"كوليسترول" لدينا.
ويعلق الدكتور هوو قائلاً: إن سبب ذلك يعود إلى أنّ الدهون ليست جميعها متشابهة، فهناك دهون جيِّدة وصحية، وهناك أخرى ضارة. وكمية الدهون التي نأكلها في وجباتنا ليست هي التي تحدد وزننا، أو تجعلنا أكثر عرضة للإصابة بمرض القلب، بل نوع الدهون التي نختارها هو الذي يحدد ذلك. أمّا الحرارية التي نتناولها هو الذي يحسم الأمر في النهاية، وليست كمية الدهون التي نأكلها.
- الدهون الجيِّدة:
* الدهون الأحادية غير المشبعة Monounsaturated fatty acids المعروفة اختصاراً بـMUFAs موجودة في الأطعمة النباتية، مثل المكسرات، الأفوكادو، زيت الزيتون، وزيت الكانولا وفي لحوم الدواجن. وهذه الزيوت تساعد على خفض مستويات الـ"كوليسترول"، وتخفف بالتالي من خطر الإصابة بمرض القلب. وكانت دراسة نشرتها مجلة رابطة الطب الأميركية قد أفادت أنّ الاستعاضة عن النظام الغذائي الغني بالكربوهيدرات بواحد غني بالدهون الأحادية غير المشبعة، يمكن أن تساعد على تحقيق هذين الهدفين، إضافة إلى خفض ارتفاع ضغط الدم.
* الدهون المتعددة غير المشبعة Polyunsaturated fatty acids المعروفة اختصاراً بـPUFAs موجودة في الأسماك الدهنية، مثل السالمون، الأسقمري، زيوت الذرة والصويا. ومثل الدهون الأحادية غير المشبعة، تبين أنّ هذه الدهون المتعددة غير المشبعة تساعد أيضاً على تحسين مستويات الـ"كوليسترول"، وعلى التخفيف من خطر الإصابة بمرض القلب. وتعتبر أحماض أوميغا-6 الدهنية الموجودة في اللحوم، زيت الذرة وزيت فول الصويا. وتشير الأبحاث إلى أن كثيراً من الناس يتناولون من أحماض أوميغا-6 أكثر من 20 ضعف ما يتناولونه من أحماض أوميغا-3، هذا في الوقت الذي ينصح فيه المتخصصون بألا تزيد هذه النسبة على 4 أضعاف. ولتحقيق ذلك ينصح الدكتور هوو بالاستعاضة عن اللحوم بالأسماك كلما أمكن ذلك.
- دهون يجب أن تؤكل باعتدال:
* الدهون المشبعة، موجودة في اللحوم والحليب ومشتقاته مثل الجبن، الزبد واللبن. وكان المتخصصون ينصحوننا منذ عقود بالتخفيف قدر الإمكان من نسبة الدهون المشبعة التي نأكلها، لأنها في اعتقادهم، ترفع مستويات الـ"كوليسترول" الضار، وتسهم بالتالي في زيادة خطر الإصابة بمرض القلب والسكتة الدماغية. لكن يبدو أنّ الأبحاث الحديثة ستدفعهم إلى إعادة النظر في هذه النصيحة. فقد تبين مثلاً في مراجعة نشرتها مجلة "التغذية العيادية الأميركية" في عام 2010، وشملت أكثر من 21 دراسة، أنّه لا توجد علاقة بين تناول الدهون المشبعة وزيادة خطر الإصابة بمرض القلب أو السكتة الدماغية. وقد تمت على أثر ذلك تبرئة العديد من هذه الدهون تبرئة تامة. ويقول الدكتور دافيد كاتز، مدير مركز الأبحاث الوقائية في "جامعة يال" الأميركية: إن حمض الستياريك الموجود في الشوكولاتة السوداء مثلاً، غير ضار على الإطلاق. وقد ينطبق هذا أيضاً على حمض لوريك الدهني، وهو نوع من الدهون المشبعة الموجودة بوفرة في زيت جوز الهند، لكن كاتز يقول إننا نحتاج إلى مزيد من الأدلة لتأكيد ذلك.
وفي الوقت الذي يقول فيه بعض الخبراء، إنّه لا أضرار صحية تنتج عن حذف الدهون المشبعة من نظامنا الغذائي، يعتقد خبراء آخرون أنّ الإبقاء عليها يساعد على تفادي إفراطنا في تناول الكبروهيدرات المكررة الضارة عوضاً عنها. وخلاصة القول هو أننا لا نحتاج إلى منع الدهون المشبعة بالكامل، بل نحرص على أن يكون القسم الأكبر من الدهون التي نتناولها غير مشبعة. يمكننا مثلاً الاكتفاء بتناول اللحوم الحمراء مرة أو مرتين في السبوع، ونستخدم زيت الزيتون عوضاً عن الزبدة كلما أمكن ذلك.
- دهون ضارة:
* تُعتبر دهون ترانس الموجودة في بعض الأطعمة المقلية، السمنة، وبعض الوجبات الخفيفة المعلبة مثل البسكويت والحلويات، دهوناً ضارة جدّاً بالصحة. وقد زادت سمعتها سوءاً منذ سنوات عدة عندما قامت إحدى الولايات الأميركية وبعض المدن الأخرى بمنع استخدام النوع الاصطناعي منها (موجود في الزيوت المهدرجة جزئياً) في المطاعم. وتجدر الإشارة إلى أنّ دهون ترانس تكون موجودة بكميات صغيرة بشكل طبيعي في بعض الأطعمة. وقد أظهرت الأبحاث أن دهون ترانس الاصطناعية ترفع مستويات الـ"كوليسترول" الضار وتخفض مستويات النوع الجيِّد منه، ما يسهم في زيادة خطر الإصابة بمرض القلب والسكتة الدماغية. ومع ذلك نجد أنّ الزيوت المهدرجة جزئياً لا تزال تشكل عنصراً شائعاً على لائحة محتويات الأطعمة المصنّعة، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن إضافة الزيت النباتي المهدرج إلى المنتج الغذائي تطيل فترة صلاحيته.
ويُجمع الخبراء على ضرورة حذف دهون ترانس بشكل كامل من نظامنا الغذائي، ولحسن الحظ فإن ذلك ليس صعباً جدّاً. ويقول كاتز: إنّه يكفي أن نحد من تناول الأطعمة المصنعة والمنتجات الغذائية التجارية (رقائق البطاطا) والوجبات السريعة الجاهزة، كي نتفادى هذه الدهون. ومن جهتها تقول توب – ديكس: إنّ علينا الانتباه جيِّداً عند قراءة لائحة المحتويات على منتج غذائي، فوجود عبارة "سفر دهون ترانس" لا تعني أنّ المنتج خالٍ منها. فقد سُمح لشركات إنتاج المواد الغذائي أن تكتب هذه العبارة على المنتجات، إذا كان المنتج لا يحتوي على أكثر من 0.5 غرام من هذه الدهون في الحصة الواحدة. لذلك علينا التدقيق في لائحة المحتويات وإذا رأينا كلمة مهدرج، فهذا يعني أنّ المنتج يحتوي على دهون ترانس، وعلينا تجنب شرائه.
- الدهون وتخفيف الوزن:
يتساءل الكثيرون، كيف يمكنهم أن يتحكموا في عدد الوحدات الحرارية التي يتناولونها إذا كانوا يأكلون الشوكولاتة، زيت الزيتون، والمكسرات التي يدعونا خبراء التغذيةإلى تناولها؟ فمن المعروف أن غرام الدهون الواحد يحتوي على 9 وحدات حرارية، مقابل 4 وحدات لكل غرام من البروتينات أو الكبروهيدرات. والواقع أن ذلك ممكن لأسباب عدة، منها أننا عندما نأكل طعاماً يحتوي على بعض الدهون، تزداد إمكانية إحساسنا بالشبع، في وقت أسرع مما نفعل عندما نأكل طعاماً خالياً من الدهون. وهذا يعني أننا سنتناول كمية أقل من الطعام، وسيخفف ميلنا إلى قضم الأطعمة المختلفة في ما بعد. وكانت بعض الدراسات قد أشار ت إلى أن بعض أنواع الدهون تساعدنا في الحفاظ على رشاقتنا. مثل على ذلك، فقد وجد البحاثة في جامعة هارفد الأميركية أنّ الأشخاص الذين يأكلون المكسرات بانتظام يكسبون خلال فترة أربع سنوات نسبة أقل من الوزن الذي يكتسبه الآخرون الذين لا يأكلونها. من جهة ثانية، فإنّ المنتجات الغذائية المصنفة "خفيفة الدسم" أو "خالية من الدسم" يمكن أن تحتوي على عدد أكبر من الوحدات الحرارية مقارنة بالأنواع كاملة الدسم، لأنّ الشركات تلجأ عادة إلى الاستعاضة عن الدهون بالسكر وبالنشاء والمواد الأخرى التي لا تتمتع بقيمة غذائية، وذلك لإكتساب المنتج نكهة لذيذة تضعف عند إزالة الدهون منه.
أمّا بالنسبة إلى مشتقات الحليب، فقد سمعنا جميعاً أن شرب الحليب أو تناول اللبن يمكن أن يعزز صحة العظام ويخفض ضغط الدم، كما يساعد على التخلص من الوزن الزائد. وإذا كنا نتناول حصصاً عدة من الحليب ومشتقاته يومياً، كما ينصح الخبراء، فالأفضل أن يكون بعضها خفيف الدسم، وذلك لضبط كمية الدهون المشبعة، والوحدات الحرارية التي نتناولها فيها. أمّا بالنسبة إلى الجبن فينصح هوو بتناول الأنواع كاملة الدسم من وقت إلى آخر، فهي تتمتع بنكهة ألذ من الجبن خفيف الدسم، وهذا يعني أننا نكتفي بتناول قطعة صغيرة.
أمّا بالنسبة إلى كمية الدهون الجيِّدة التي يُفترض أن نتناولها، فإن رابطة أطباء القلب الأميركية توصي بأن تشكل الدهون غير المشبعة ما بين 18 و28% من الوحدات الحرارية التي نتناولها يومياً. أمّا الدهون المشبعة فلا يجب أن تشكل أكثر من 7% من مجمل الوحدات الحرارية هذه. ويقول هوو: إن هناك طريقة أبسط لتحقيق ذلك، وهي مجرد الحرص على أن تأتي الدهون التي نتناولها من أطعمة صحية، مثل الزيوت النباتية، السمك، البقوليات، المكسرات، والأطعمة النباتية الأخرى. وإذا فعلنا ذلك، لن نحتاج إلى إجراء أي حسابات.
ومن جهتهم، يقول الخبراء في رابطة التغذية البريطانية: إننا إذا كنا نحاول تخفيف وزننا، فيجب أن تشكل الدهون أقل من 30% من مجمل الوحدات الحرارية اليومية، وهذا يعني تناول نحو 50 غراماً من الدهون في اليوم، وهي الكمية التي توفرها: حصة من الأسماك الدهنية، ملعقتا طعام من زيت الزيتون، و300 ملل من الحليب خفيف الدسم. أما إذا كنا نحاول الحفاظ على وزننا الصحي، فيمكننا أن نأكل 70 غراماً من الدهون في اليوم، وهي مساوية لِما ذكر أعلاه، إضافة إلى حفنتين من المكسرات.
- دور أحماض أوميغا-3 المميزة في تخفيف الوزن:
يؤكد الدكتور أودو إيراسموس، المتخصص في التغذية والزيوت بشكل خاص، ومؤلف كتاب "الدهون الشافية والدهون القاتلة" أن زيادة كمية أحماض أوميغا-3 الدهنية في نظامنا الغذائي، هي وسيلة ممتازة للمساعدة على التخلص من الوزن الزائد. وهو يَذكر سيدة من كاليفورنيا نجحت في التخلص من أكثر من 40 كيلوغراماً من الوزن الزائد عن طريق إضافة 3 ملاعق من زيت بذور الكتان إلى نظامها الغذائي المدروس. ويقول إنّها كانت قبل ذلك تجد صعوبة كبيرة في التخلص من الوزن الزائد، على الرغم من اتباعها خطة غذائية صحية.
ويشرح إيراسموس قائلاً: إنّ أحماض أوميغا-3 الدهنية تساعد على تخفيف الوزن بثلاث طرق:
أ- تساعد على تخليص الكليتين من المياه الزائدة المحتسبة في أنسجة الجسم. وغالباً ما يعاني أصحاب الوزن الزائد انتفاخات في أجسامهم نتيجة احتباس الماء، وأحماض أوميغا-3 تساعدهم على التخلص منها.
ب- تساعد على تنشيط الأيض وعلى تعزيز إنتاج الطاقة، ما يعني زيادة كمية الدهون والغلوكوز التي يتم حرقها، وخفض كمية الدهون التي يتم تخزينها. وما يحصل هنا هو عكس ما يحصل عند اتّباع الحميات القاسية أو الامتناع عن تناول الطعام، فمن شأن هذين الآخرين أن يؤديا إلى إبطاء نشاط الأيض، ويمكن أن يتسببا في تراكم الوزن الزائد في الجسم، على الرغم من تناول كمية قليلة من الطعام.
ج- تسهم في رفع مستويات الطاقة بشكل طبيعي، ما يشجع على تبني نمط حياة غني بالأنشطة البدنية، ما يسهم في بناء النسيج العضلي الذي يحرق الوحدات الحرارية، وينشط الأيض، ويُحسّن الصحة ويساعد على خسارة الوزن الزائد بشكل دائم.
أما أبرز الأطعمة الغنية بأحماض أوميغا-3 فهي: بذور الكتان وزيتها (أفضل المصادر النباتية)، الجوز، بذور اليقطين والسمسم، الأفوكادو، الخضار الورقية الخضراء (سبانخ، سلق)، الأسماك الدهنية (سالمون، سردين، أنشوجة، تونة)، زيت جنين القمح، بيض الدجاج الذي يقتات على أطعمة غنية بهذه الأحماض.
- دور الدهون الأحادية غير المشبعة في مكافحة السمنة:
تشير الأبحاث إلى تناول الدهون الأحادية غير المشبعة (خاصة زيت الزيتون) مكان الدهون الأخرى التي نتناولها، يساعد الناس على التخلص من نسبة متوسطة من الوزن الزائد، من دون أن يُدخلوا أي تعديلات أخرى على نمط غذائهم أو نشاطهم البدني. كذلك أظهرت الدراسات أن اتّباع نظام غذائي غني بالدهون الأحادية غير المشبعة وفقير في الكربوهيدرات، يؤدي إلى خسارة نسبة من الوزن الزائد تفوق تلك التي نخسرها عند اتباع نظام غذائي فقير في الدهون وغني بالكربوهيدرات.
* 3 أطعمة يجب شراؤها كاملة الدسم:
- زبدة الفستق: في أغلب الأحيان تحتوي الأنواع خفيفة الدسم من زبدة الفستق على نسبة عالية من السكر، الملح، وشراب الذرة التي تضاف إليها. أما النوع كامل الدسم، فهو يحتوي على كل الدهون المفيدة الموجودة في المكسرات.
- الجبن: لا يوصي الخبراء بالتهام كميات كبيرة من الجبن كامل الدسم، بل ينصحون بتناوله باعتدال لأنّه ألذّ طعماً ويجعلنا نشعر بدرجة أكبر من الرضا، مقارنة بالجبن خفيف الدسم. فنكتفي بقطعة صغيرة منه.
- صلصة السلطات: غالباً ما تحتوي صلصات السلطة على زيت الكانولا أو الزيتون أو الصويا، وجميعها دهون جيِّدة. وكانت دراسة كبيرة قد أظهرت أن إمكانية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية الخطيرة تتراجع بنسبة 50% لدى النساء، اللواتي يأكلن سلطة مع صلصة الخل (تحتوي على زيت، خل وخردل وبهارات) على الأقل 5 أو 6 مرات في الأسبوع، مقارنة باللواتي نادراً ما يتناولن هذه الصلصة.
ارسال التعليق