• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الزهايمر وهموم كبار السن

الزهايمر وهموم كبار السن

الإنسان في الشيخوخة تحيط به الهموم من كلّ جانب، حتى يبدو أحياناً أنّ كلّ الظروف المحيطة به لم تعد مواتية كسابق عهدها، هذا بالإضافة إلى همومه الداخلية، وهنا عرض لبعض معاناة كبار السن من سوء المعاملة التي يتعرض لها بعضهم في شيخوخته، ومعاناتهم من الملل والفراغ وبعض ما يتسبب فيه عجزهم عن ممارسة حياتهم والقيام بأنشطتهم المعتادة ومسائل أخرى.

ويظل كبار السن إحدى أكثر الفئات المستهدفة بالتعرض لسوء المعاملة من جانب المحيطين بهم من الأقارب والذين يقومون على رعايتهم وغيرهم، ولا يقتصر سوء المعاملة على حالات استخدام العنف والأذى البدني للمسنين حين يتعرضون للدفع أو للضرب أو الأذى المباشر لكنه قد يأخذ صوراً أخرى مثل الأذى النفسي بتوجيه السباب إليهم أو الصياح في وجوههم أو نهرهم والمبالغة في لومهم، وثمة نوع آخر من الأذى يتعرض له المسنون عن طريق ابتزازهم أو تجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم وهم في حالة ضعف الشيخوخة لا يملكون القوة للدفاع عن ما لديهم ضد الطامعين فيهم، كما أنّ سوء المعاملة قد يكون عن طريق الإهمال وعدم العناية بنظافتهم ومنع الطعام والشراب والملابس عنهم.

ونظراً لأنّ حالات سوء معاملة المسنين تشكل ظاهرة في بعض المجتمعات فقد تم دراسة ظروفها وملابساتها من واقع الحالات التي يتم اكتشافها أو الإبلاغ عنها وهي لا شكّ أقل بكثير من تلك التي لا يعلم أحد عنها شيئاً، والذين يقترفون هذه الأعمال هم أقارب المسن أو القائمين على رعايته بتأثير عوامل مختلفة، فأحياناً يكون القائم على رعاية المريض من أقاربه كأحد أبنائه أو إخوته ممتعضاً من هذا الدور ويشعر بأنّ مسؤوليته عن مسن عاجز قد غيرت مجرى حياته، فيعبر عن نفوره أحياناً حين يضيق ذرعاً يمطالب المسن الثقيلة، وذلك حتى لو حاول أن يخفي ما يشعر به، وقد رأينا نماذج لذلك منها على سبيل المثال السيدة التي توزع وقتها ومجهودها بين أُسرتها المكونة من زوجها وأطفالها وبين والدها العجوز، وسيدة أخرى وصل عمرها إلى الستين وتقوم برعاية أخت لها في السبعين حيث تعيشان معاً في أواخر أيامهما وكلّ منهما بحاجة إلى مَن يرعاها.

وكبار السن الذين يتعرضون لسوء المعاملة في الغالب هم أولئك الذين يعانون عجزاً يقعدهم عن الحركة ويجعلهم في حاجة ماسة للرعاية الكاملة حيث لا يتمكنون من خدمة أنفسهم أو الاستقلال في أمور حياتهم، وكذلك الذين يعانون من صعوبة في التعبير والتفاهم مثل الأصم أو الأعمى أو المريض العقلي، وكذلك الذين يعيشون في فقر مدقع ولا يملكون أي دخل، وغالباً ما يصعب علينا التعرف على ما يصيب هذه الفئات وما يتعرضون له من سوء معاملة غير أنّ العلامات تمكننا من الاستدلال على ذلك مثل الكدمات والجروح بأجساد المسنين، وكثرة تعرضهم للحوادث والسقوط بسبب الإهمال، أو حين نلاحظ أنّ القائمين على رعاية المريض في حالة عصبية دائمة، ويطلبون من الأطباء نقل المريض المسن إلى المستشفى وعدم خروجه من هناك!!

ومن هموم كبار السن التي تنغص حياتهم في الشيخوخة مشكلة الفراغ والملل الذي يصيبهم حين يجدون أمامهم الوقت الطويل دون وجود أي عمل أو شيء يشغل هذا الوقت، وتظهر هذه المشكلة بشدة في الفترة التي تعقب التقاعد إذا لم يتم الإعداد المسبق لهذه الفترة جيداً قبل التقاعد عن العمل، ويشبه وضع المسن هنا حالة لاعب الكرة المعتزل، فبعد أن كان موضع اهتمام الناس والكلّ يتابع أحواله يصبح في طي النسيان فيتحسر على أيام المجد الخوالي، لكن البعض من اللاعبين يعد نفسه قبل الاعتزال للقيام بعمل آخر مناسب في مجال يشبه ما كان يقوم به مثل التدريب أو التحكيم وبالتالي لا يبتعد مرة واحدة عن مجال عمله، وهذا ينطبق على كبار السن الذين يتم تأهليهم جيداً قبل التقاعد.

إنّ مشكلة الفراغ هي أمر جاد هام وليست مشكلة كمالية كما يتصور البعض من الذين يعتقدون أنّنا إذا وفّرنا المسكن والملبس والطعام للمسنين فقد انتهت متاعبهم، إنّنا إذا تأملنا أحوال بعض البشر من العناصر المتميزة حين لا يجدون ما يفعلونه نجد أنّ الكثير منهم يتجه إلى لعب القمار، أو إدمان المخدرات، كما يتجه البعض منهم إلى ممارسة الرياضة العنيفة المدمرة، والأمثلة على ضحايا الفراغ كثيرة ومتنوعة على مدى السنين، وبالنسبة للمسنين فهذه المشكلة تبدو واضحة في دور المسنين التي توفر لنزلائها كلّ ما يحتاجونه، وتقوم بخدمتهم ورعايتهم الكاملة، والنتيجة أنّ هؤلاء النزلاء الذين يفترض أن يكونوا في غاية السعادة على ما يلقون من رعاية واهتمام يكون حالهم عكس ذلك تماماً، حيث تتدهور حالتهم بسرعة أكثر من غيرهم ويكونون فريسة للأمراض البدنية والنفسية ولكثير من المضاعفات نتيجة للملل والفراغ القاتل.

وأحد هموم كبار السن هو ما تفرضه عليهم حالة الشيخوخة من صعوبة التنقل من مكان لآخر ما ينال من قدرتهم على المعيشة المستقلة دون الاعتماد على الآخرين، ومن الأمور الشائعة شكوى المسنين من عدم السماح لهم بقيادة السيارات وقد يكون هذا الموضوع من الأهمية بالنسبة لمن يفرض عليه كسب العيش أن يستمر في قيادة السيارات مثل السائقين من كبار السن أو الذين يسكنون في أماكن بعيدة من المسنين ويعتمدون في تنقلهم على سياراتهم الخاصة، وفي الحقيقة فإنّ كلّ واحد منا يقود سيارة يجب أن يعلم جيداً أنّه سوف يأتي اليوم الذي لن يتمكن فيه من الاستمرار في ذلك عاجلاً أو آجلاً إن لم يكن بسبب تقدم السن فبأي سبب آخر، كما إنّنا عادة ما نذكر البعض منا بأنّ التخلي عن القيادة لا يجب أن يكون هماً بهذه الدرجة حيث أنّ استخدام المواصلات العامة أو سيارات الأجرة قد يكون أفضل وأوفر في التكلفة من الاحتفاظ بسيارة خاصة وتحمل أعباء نفقاتها المرتفعة.

وتحتم قوانين المرور في بعض الدول عدم منح رخصة القيادة بعد سن السبعين إلّا بموجب فحص طبي يتكرر كلّ ثلاث سنوات، ورغم وجود سيارات مجهزة للمعوقين من كلّ الأعمار يمكن استخدامها بسهولة، لكن هناك من الحالات ما يتعذر معها السماح للشخص بالقيادة حتى وإن كان يعتقد أنّ بإمكانه ذلك، من هذه بعض الأمراض العقلية الشديدة، وضعف القدرة على الإبصار والأمراض العصبية التي يصاحبها نوبات فقد الوعي في أي وقت، وتذكر إحصائيات حوادث المرور أنّ معدل الحوادث يأخذ في الزيادة فيمن تزيد أعمارهم على 55 سنة.

وفيما يلي أقدم مجموعة من النصائح والإرشادات الهامة موجهة إلى إخواننا من كبار السن عليهم أن يتذكرونها جيداً حين يجلسون خلف عجلة القيادة فهي السبيل إلى قيادة آمنة دون حوادث إن شاء الله، تتلخص فيما يلي:

-         التركيز.. عليك بالتركيز في القيادة ولا تسمح لأي شيء أن يشغل انتباهك مثل الحديث مع الآخرين أو الاستماع إلى الإذاعة.

-         عليك بالتحضير جيداً قبل القيادة حسب المسافة مع عمل حساب الوقت الذي تستغرقه الرحلة كي لا تكون في عجلة أمرك.

-         عليك بالقيادة لمسافات قصيرة ثم تنال قسطاً من الراحة حيث لا تدع التعب والإجهاد يصيبك أثناء القيادة.

-         يجب تفادي القيادة في الأماكن المزدحمة، أو في ساعات الذروة، كذلك تجنب بقدر الإمكان القيادة أثناء الليل.

-         تحتاج إلى مزيد من الانتباه عند بداية التحرك بالسيارة، وعند الوقوف، أو عند تغيير الاتجاه.

ومن الأمور الأخرى التي تهم بعض المسنين مشكلات السفر بالطائرات لكبار السن الذين يرغبون في الطيران للانتقال مع معاناتهم من المشكلات الصحّية المعروفة للشيخوخة، ومن المعروف أنّ نسبة الأكسجين تقل في طبقات الجو العليا حتى في الطائرات المجهزة، وقد ينشأ عن ذلك بعض المتاعب في كبار السن، ويمكن أن تحدث بعض المضاعفات في حالة الطيران عقب العمليات الجراحية بمدة أقل من 10 أيام، كما يصاحب ركوب الطائرات بعض القلق لدى المسنين، ويجب إعداد الترتيبات اللازمة عند سفر المرضى والمعوقين من المسنين في المطار لتوفير الكراسي المتحركة والفراغ الملائم داخل الطائرة، ويجب التأكد من هذه الترتيبات مع اصطحاب الدواء والغذاء اللازم أو الأكسجين إن كانت هناك حاجة لذلك أثناء الطيران، ولا يمكن الاعتماد في ذلك على طاقم الطائرة فهم لا خبرة لديهم في التمريض أو الإسعاف عند حدوث الطوارئ الصحّية.

وقبل أن نختتم هذا العرض لبعض هموم كبار السن نطرح بعض هذه المسائل الأخلاقية التي كانت ولا زالت تشغل الأسط والدوائر التي تهتم بالمسنين في الغرب، فموضوع قتل المرضي الميئوس من شفائهم للشفقة يجد مَن يدافع عنه بزعم أنّ ذلك يحفظ اللشخص كرامته حين لا يكون في حاجة إلى استمرار معاناته من الشيخوخة والمرض الذي يستعصي علاجه، ويقابل ذلك أصوات الرفض التي تعارض أي تدخل لإنهاء حياة إنسان مهما كان المبرر، والواقع أنّ هذه المشكلة غير مطروحة في بلادنا نهائياً لأنّ موقف الدين الإسلامي منها واضح ولا يقبل أي جدل.

ومن أمثلة القضايا الأخلاقية المثارة في الغرب أيضاً مشروعية إجراء الأبحاث العلمية والتجارب على المسنين لاختبار تأثير الأدوية الجديدة مثلاً، وهناك من يقول بأنّ ذلك قد يفيد في التوصل لعلاج مشكلات الشيخوخة، كما أنّ هناك مَن يرفض ذلك ويرى أنّه لا داعي حتى لاستخدام أي علاج قد يزعج المريض في شيخوخته ويضايقه، ومثال آخر أدعوكم إلى التفكير في الحل المناسب لمشكلة أحد المسنين يتعرض لسوء المعاملة من جانب بعض من أفراد عائلته الذين يعيش معهم ويقومون برعايته، وقد تأكد للأطباء حدوث ذلك، فهل الأنسب أن يكون التدخل بالطرق القانونية لحل هذا الوضع؟ إنّني لا أخفي أنّ مثل هذه المشكلة قد صادفتني أثناء عملي في مجال الطب النفسي، وإذا سألني أحد عما فعلت، فإنّني أقول له أنّني تصرفت فعلاً دون اللجوء للطرق القانونية وأمكن حل مثل هذه المواقف بطرق "سليمة"!

وقد ورد سؤال بإحدى أوراق الامتحان للأطباء الذين يتقدمون للتخصص في طب المسنين بكلية الأطباء الملكية بانجلترا حول حالة واحد من المسنين ينتمي إلى أقلية من المغتربين يعيش في خارج وطنه، والسؤال هو عن المشكلات الصحّية التي يتوقع أن يعاني منها مثل هذا المسن؟.. والإجابة أنّ هذا الرجل الذي شاء القدر أن يقضي أيامه الأخيرة في بلاد غريبة، ويعاني في شيخوخته بعيداً عن مجتمعه يمكن أن يتأثر بالعزلة الإضافية التي يفرضها عليه وجوده بعيداً عن أهله ومعارفه، ويتأثر في هذه السن أكثر من ذي قبل بالاضطرابات النفسية حين لا يقوى على الكفاح في الغربة كما كان يفعل في الشباب، إنّ هذه الحالة ليست سوى أحد الأمثلة على ما يعانيه كبار السن من الهموم في الشيخوخة.

 

الكاتب: د. لطفي الشربيني

المصدر: كتاب الزهايمر ( مرض أرذل العمر)

ارسال التعليق

Top