• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السعي في قضاء حوائج المؤمنين

عمار كاظم

السعي في قضاء حوائج المؤمنين

الإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانية واجتماعية واقعية، يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسة عملية في جميع جوانب الحياة ومتطلِّباتها الفردية والاجتماعية، وذلك على مبدأ التراحم والتكافل والتناصح والمودّة والإحسان والتضحية والإيثار، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2)، وهذا ما يلزم الأفراد بالكثير من الواجبات تجاه بعضهم بعضاً كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان اجتماعي يحتضن الجميع، من أهمّها خدمة الناس وقضاء حوائجهم. رُوِي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فَرَّجَ عن مسلم كربة فَرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومَن سَرَّ مسلماً ستره الله يوم القيامة».

لقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً في العلاقات بين البشر، يقوم على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع وبث روح التعاون والخدمة المتبادلة بينهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90)، فالتقيُّد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان عن التقصير في حقوق الناس، ويدفعه للعمل الدؤوب في خدمتهم، وأداء مسؤوليته تجاههم، وقد حثّ النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّ مسلم ليكون مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، من خلال الاهتمام بأُمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):«مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم»، ودعا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الالتصاق بجماعة المسلمين، فقال: «مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه». ورُوِي عن ذي الخُلق العظيم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «مَن قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهره».

فكم يكون سامياً ذلك المجتمع الذي يسعى، بل يهرع كلّ واحد لقضاء حوائج إخوانه بهذه الروحية العالية والنيّة الخالصة، ثمّ إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «والله، لقضاء حاجة المؤمن خير من صيام شهر واعتكافه». ينبغي التعاون بين المؤمنين لتأسيس ثقافة تربوية تُمكِّن المؤمن من الاستعانة بأخيه المؤمن، إذ لا مانع من أن يطلب المؤمن العون والحاجة من أخيه، لقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا ضاق أحدكم فليُعلِمْ أخاه، ولا يعين على نفسه». وليس ذلك منّة من المؤمن على أخيه المؤمن، بل هو من نوع توفيق المؤمن لخدمة المؤمنين، وهو ما نفهمه من رواية الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال: «إنّ الرجل ليسألني الحاجة فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها فلا يجد لها موقعاً إذا جاءته».

کما دعا القرآن الكريم جميع المسلمين إلى التمحور حول العمل الصالح، فالإسلام يعطي العمل الصالح القيمة الأساسية ويجعله محور التنافس في المجتمع. ففي أكثر من مئة وعشرين موضعاً، يؤكد القرآن الحكيم على الربط العضوي بين الإيمان والعمل الصالح، ويُصرِّح بأنّ الذين يرثون الأرض هم الصالحون. والصلاح ليس شيئاً جامداً، وإنّما هو حركة وعمل في الاتجاه الصحيح. وهو ليس فقط في أُمور الدِّين كالصلاة والصيام والزكاة والحجّ، وإنّما كلّ عمل يحكم العقل والدِّين بصلاحه، فخدمة الناس، وبناء المساكن صلاح، وتعبيد الشوارع صلاح، وإقامة المصانع صلاح، وزراعة الأرض صلاح، وكلّ ما كان من شأنه عمارة الأرض فهو عمل صالح. ويؤكد القرآن الحكيم على أنّ ما نعمله من خير وخدمة للناس، سنجده عند الله، يقول تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 110). فإنّ كلّ عمل نعمله في طريق الخير فهو لنا، حتى لو كان في مظهره من أجل الآخرين، لأنّنا حينما نعمل للآخرين، فإنّ هذا العمل سيتضاعف وتعود إلينا نتائجه من حيث نشعر أو لا نشعر، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) (آل عمران/ 30)، ويقول سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).

إذاً، فإنّ أعمال الخير وأعمال الشرّ تبقى ولا تزول، وهي محور جزاء الإنسان في الدنيا والآخرة. ومن أجل أن يدفعك الإسلام إلى أن تجتهد في سبيل عمل الخير، ولا تدع عمل خير إلّا وتقوم به، ولا تبقي من عمرك لحظة إلّا وتُعمِّرها بعمل الخير. رُوِي عن وصيّة أمير المؤمنين (علييه السلام) أنّه قال لكميل بن زياد: «يا كميل، مُرْ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويُدلِجوا في حاجة مَن هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلّا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تُطرد غريبة الإبل». واسعَ ما استطعتَ أن تُلقي السرورَ في قلوب المؤمنين، فإنّ ثواب ذلك لا يُحدُّ بحدٍّ، فإنّ إدخال السرور على قلب المؤمن خيرٌ من بناء بلد، رُوِي عن مُسرِّ المؤمنين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «إنّ أحبَّ الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمنين». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «مَن سَرَّ مؤمناً، فقد سرّني، ومَن سَرَّني فقد سَرَّ الله».

ارسال التعليق

Top