(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح/ 29)، (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة/ 128)، (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4). هكذا كانت صورته في القرآن؛ كانت الصورة الّتي تعبّر عن عمق إنسانيّته في كلّ إنسان دعاه إلى الله وعاش معه، وفي كلِّ إنسانٍ أعطاه وحاوره. كان الإنسان الذي تتفايض إنسانيّته من عقله، فيتحرّك عقله بكلّ الفكر الإنساني المنفتح على الحقّ كلّه، وكانت إنسانيّته تتفايض من قلبه، فكان قلبه القلب اللّيِّن الرقيق الطيِّب، الذي ينفتح على أعدائه ليحبّ لهم الهداية، كما ينفتح على أوليائه ليحبّ لهم الاستزادة من الإيمان والتقوى.. نحن هنا من أجل أن نعيش مع رسول الله أخلاقه وإسلامه وإيمانه وجهاده وشريعته، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مجرّد إنسان عاش في التاريخ، ولكنّه أيضاً نبيٌّ بقي في عقولنا عقلاً، وفي قلوبنا قلباً، وفي حركتنا دعوةً وجهاداً وعطاءً.
رغم أنّ الانتصارات التي تمت على يد الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت برعاية الله سبحانه وإمداده إلّا أنّ ذلك كان اقتراناً بعوامل عديدة أيضاً، ولعلّ أحد أهم هذه العوامل هو: سمو الأخلاق عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاذبية شخصيته، حيث إنّ أخلاقيّته (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت من العلو والصفات الإنسانية السامية لدرجة أنّ ألد أعدائه كان يقع تحت تأثيرها كما أنّ مكارم الأخلاق التي أودعت فيه كانت تجذب وتشد المحبّين والمريدين إليه بصورة عجيبة، وإذا ما ذهبنا إلى القول بأنّ السمو الأخلاقي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان معجزة أخلاقية فإنّنا لا نبالغ في ذلك، كما في هذا النموذج الإعجازي الأخلاقي.. ففي فتح مكّة وعندما استسلم المشركون أمام الإرادة الإسلامية، ورغم كلّ حربهم للإسلام والمسلمين ولشخص الرسول الكريم بالذات، وبعد تماديهم اللئيم وكلّ ممارساتهم الإجرامية ضد الدعوة الإلهية.. بعد كلّ هذا الذي فعلوه فإنّ رسول الإنسانية أصدر أمراً بالعفو العام عنهم جميعاً، وغض الطرف عن جميع الجرائم التي صدرت منهم، وكان هذا مفاجأة للقريبين والبعيدين (الأصدقاء، والأعداء)، وكان سبباً في دخولهم في دين الله أفواجاً بمصداق قوله تعالى: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا) (النصر/ 2).
جاء في حديث عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام ) أنّه قال: «سألت أبي أمير المؤمنين عن رسول الله كيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلم إلّا في ما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كإنّما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث». نعم، لو لم تكن هذه الأخلاق الكريمة وهذه الملكات الفاضلة لما أمكن تطويع تلك الطباع الخشنة والقلوب القاسية ولما أمكن تليين أُولئك القوم الذين كان يلفهم الجهل والتخلف والعناد، ويحدث فيهم انعطافاً هائلاً لقبول الإسلام ولَتفرّقَ الجميع من حوله بمصداق قوله تعالى: (لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159). كما جاء في حديث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولذا فإنّ أحد الأهداف الأساسية لبعثة الرسول السعي لتكامل الأخلاق الفاضلة وتركيز الخلق السامي .وجاء في حديث آخر عنه ( صلى الله عليه وآله) : «إنّ المؤمن ليدرك بحُسن خُلقه درجة قائم الليل وصائم النهار». عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً». إنّ حُسن الخُلق مفتاح الجنّة، ووسيلة لتحقيق مرضاة الله -عزّوجلّ-، ومؤشر على عمق الإيمان، ومرآة للتقوى والعبادة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق