• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشباب وأزمة الاغتراب

الشباب وأزمة الاغتراب

إن الشباب العربي يعيش أزمة اغتراب حقيقي وقد أكّدت الدراسات التي أجريت في العديد من الدول العربية وبين مختلف الطبقات الاجتماعية هذه النتيجة.

إن مواجهة الشباب بالأنظمة البيروقراطية وأنماط السلطة غير الديمقراطية لا تبقيه خارجها فقط ولكنها تجعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها مما يشعره بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته. والاغتراب هنا هو مرحلة وسطى بين الانسحاب من المجتمع والتمرّد عليه. هو يلجأ إلى ثلاثة أنواع من التصرّفات: إمّا الانسحاب من هذا الواقع ورفضه، وإمّا الخضوع إليه في الوقت الذي يعاني فيه النفور، وإمّا التمرّد على هذا المجتمع ومحاولة تغييره ولو كان ذلك بقوة السلاح.

إن استمرار تجاهل قضية الشباب في مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة ما يلاقيه من تدهور في مناهج التعليم وابتعاد الشباب عن الاهتمام بالسياسة وجهلهم بتاريخ أوطانهم وموقف اللامبالاة مما يجري حولهم هو نتيجة حتمية لسياسات التجاهل لمواجهة قضاياهم، وقد حوّلتهم تلك المشاعر المتناقضة في داخلهم إلى مخزن يغرف منه كلّ من لديه مصلحة خاصة في تجنيدهم واستخدامهم.

شبابنا اليوم إمّا أن يكونوا الأداة الأولى في بعث نهضة حديثة لدولنا وشعوبنا، وإمّا أن يتحوّلوا إلى وسيلة لتدمير ما بنته الأجيال السابقة، ففي عصر العلم والعولمة، ليس أمامنا كثير من الخيارات ولا الكثير من الوقت لنفكّر ونقرر، فنحن والزمن في سباق مميت وعلينا - حكومات وقيادات في كل المواقع - أن نبدأ في وضع قضيتهم في مقدمة المسائل الوطنية ونشرع في وضع الحلول وتطبيقها لمصلحة أجيال الشباب. هذا إذا أردنا أن نجتاز حاضرنا إلى مستقبلنا بأمان, وعلينا أن نعيد تنظيم مجتمعاتنا وحياتنا وفق واقعهم وحجم قوتهم ومدى تأثرهم بما يجري من حولنا في العالم وأن نعترف بأنّ شبابنا لن يكونوا أقل تأثّراً بالدور الذي يقوم به نظراؤهم في بقية تلك القرية الكونية، فهم يراقبون وسيحاولون أن يكسروا قيود الواقع ويتمرّدوا عليه ومؤشرات التمرّد بدأت منذ فترة وبأشكال مختلفة وحسب ظروف كلّ بلد، وسيحاولون أن يؤسسوا سلطتهم بمعزل عن مجتمعاتهم، وكذلك عن السلطات الاجتماعية والثقافية التي يعيشون تحت مظلتها، ولكي نتدارك الوضع, وقبل أن يتجاوزنا الزمن لابدّ من الاعتراف أولاً بأن نوعية تعليمنا ومستواه لا تتناسبان مع العصـر وطموحات الشباب، فالعالم من حولنا يتحدث بشـكل دوري عن (نوعية التعليم) الذي يحتاج إليه في كلّ مرحلة من التطور المجتمعي وربط هذا التعـليم بتطوّر الحياة في مجتمعاته، في الوقت الذي نتحدث نحن في مجتمعاتنا عن الأميّة وتزايدها وتدهور مدارسنا وتسـرّب أطفالنا من المدارس الذي وصل في بعض الدول العربية إلى ملايين من الأطفال خارج المدارس، وفـي بعض الدول العربية يتساءلون عن مدى مواكبة ما لديهم من تعلـيم لمتطلبات وحاجات مجتمعاتهم التي تتطور عشوائياً!

ارسال التعليق

Top