• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصبر على ما نريد

عمار كاظم

الصبر على ما نريد

للإنسان دوافع ورغبات نفسية وحاجات جسدية وغريزية وفكرية، كالطعام والشراب والجنس والسكن والصحة والحب والأمن والعلم والمعرفة والمعتقد.. إلخ، يسعى إلى تحقيقها والحصول عليها. ويحدوه الأمل أن ينال ما يريد بيسر ورضا وربما جنح به الخيال الى أن يحققها وفق احلام وتصورات وردية ولكن، وكما يصور لنا القرآن الحقيقة فليس الامر كذلك. فليس الامور تجري وفق الأماني والتمنيات والخيال والتنظير. لذا يقول لنا: «وَالَّذينَ آمَنُواْ وَعَملُواْ الصَّالحَات سَنُدْخلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري من تَحْتهَا الأَنْهَارُ خَالدينَ فيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّه حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ منَ اللَّه قيلاً * لَّيْسَ بأَمَانيّكُمْ وَلا أَمَانيّ أَهْل الْكتَاب مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به وَلاَ يَجدْ لَهُ من دُون اللَّه وَليًّا وَلاَ نَصيرًا» (النساء: 122 و123). وهكذا فليس بالاماني والرغبات يتحقق المراد، بل بالارادة والعمل ويوضح القرآن أيضاً ان الحياة كدح ومعاناة: «يَا أَيُّهَا الإنسَانُ إنَّكَ كَادحٌ إلَى رَبّكَ كَدْحًا فَمُلاقيه» (الانشقاق: 6)، فالحياة تنطوي على حزن ومسرات، وأفراح وأتراح ذلك ما نقرأه في قوله تعالى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا» (النجم: 43 و44).

إذاً، فالانسان يواجه الحياة، وهي صورة مختلطة من المسرات والآلام والأحزان، والشدة والرخاء واليسر والعسر. فهي صورة لمتناقضات وأضداد، يسبح الإنسان في أجوائها، ويتحرك في صراعاتها. وفي كلّ ذلك يحتاج إلى «الصبر». والصبر كما يعرفه الشيخ محمد مهدي النراقي، أحد أبرز علماء الأخلاق هو: «ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب». ثم يعلق بقوله: «بحيث لا تخرجها عن سعة الصدر، وما كانت عليه قبل ذلك من السرور والطمأنينة».

والصبر، هذه الصفة الأخلاقية المتعالية، يضادها الجزع وفي بيان الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) نقرأ تحليلاً نفسياً إيمانياً.. يكشف لنا العلاقة بين الإيمان والصبر والجزع. قال (ع): «الصبر يظهر ما في العباد من النور والصفاء، والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة». وفي آفاق القرآن نجد الاهتمام الواسع بالأخلاق والتربية الأخلاقية بصورة عامة، وبالصبر بصورة خاصة؛ لأهمية هذه الملكة الأخلاقية والسلوكية في حياة الفرد والمجتمع. نقرأ ملخص التقييم والأهمية البالغة لملكة الصبر وأخلاقية الصابرين، وآثرها في دنيا الإنسان وأخراه. نقرأ ذلك في قوله تعالى: «وَالْعَصْر * إنَّ الإنسَانَ لَفي خُسْرٍ * إلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحَات وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ. وَتَوَاصَوْا بالصَّبْر». لعظم الأمر وأهميته الكبرى يقسم البارئ - جل وعلا - على أن الانسان لفي خسر؛ يحيط به الخسران والضياع والضلال، ولا شيء ينفع في هذه الحياة إلاّ الإيمان وعمل الصالحات، وإلاّ التواصي بين الناس بالحق والتواصي بالصبر. إذاً فهذه المبادئ الأربعة: الإيمان، عمل الصالحات، التزام الحق، التزام الصبر والتواصي بهما، والحرص عليهما. الحرص على الحق والحرص على الصبر ذلك هو المنهج وخريطة الطريق، وأساس الربح والفلاح والنجاح. إذاً من يفقد الصبر يفقد الربح والنجاح والسعادة والفلاح، ويعرّض نفسه لخسارة فادحة في الدنيا والآخرة.

ارسال التعليق

Top