أنبياؤنا وأولياؤنا قدوة لنا في التحمّل والكفاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبليغ الرسالات، وترك الدُّنيا ونبذ زخرفها، والزُّهد فيها، والصبر على مصاعبها، وقد قال الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت/ 2)، وقد جرت عليهم المحن والابتلاءات العسيرة فكان عادتهم الصبر على كلِّ ما يعتريهم، وكلّ نبيّ وولي لنا فيه أُسوة في جهاده وكفاحه.
نتعلّم الصبر من سيِّدنا ونبيّنا محمّد خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال: «ما أُؤذي نبيّ قط مثل ما أُؤذيت»، فلقد لاقى من قومه وهو يدعوهم إلى النجاة أشدّ أنواع البلاءات العسيرة، فاتهموه بالجنون والسِّحر والكهانة، إلى غير ذلك من أنواع الأذى والبلاء الذي يعجز البيان عن وصفه، فخرج مهادراً إلى ربّه بعد أن فَقَدَ كلّ محامٍ عنه وناصر وقد تآمروا على قتله، وخاض الحروب ضد المناوئين المعتدين، حتى نصره الله في مواطن كثيرة، ولقد أقسم الخالق به ولم يقسم بغيره من الأنبياء وذلك لأنّه كان الأسوة الحسنة في كلِّ أفعاله وأقواله. قال الإمام عليّ (عليه السلام): «ولقد كان في رسول الله كاف لك في الأُسوة ودليل ذلك على ذم الدُّنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها، ووطئت لغيرها، أكنافها، وفطم عن رضاعها، وزوي عن زخارفها».. يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107). وامتدّت هذه الرحمة الرسالية التي أفاض الله بها على العالم كلّه، ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليجعل العالم كلّه يعيش في سلام مبنيّ على عدل يشمل كلّ الناس، لأنّ الله تعالى جعل منطلق الرسالات كلّها وغاياتها القيام بالعدل.
ومنذ أرسل الله تعالى النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة، والرسول يتحرّك من أجل تأكيد عقيدة التوحيد، وإسقاط عقيدة الشِّرك التي تمثّل العقلية المتخلّفة، وخصوصاً في عبادة الأصنام التي كان يلتزمها المشركون، عندما كانوا يحوِّلون الأحجار إلى آلهة يعبدونها. وعانى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عاناه من تعنّت المشركين، وامتدّت حياته حتى ركَّز قواعد الرسالة التي حاول المشركون أن يمنعوا امتدادها في العالم، ولكنّ الله تعالى أراد لهذه الرسالة أن تمتد إلى كلّ زمان ومكان، لأنّ الرسالة الإسلامية التي جعلها الله خاتمة الرسالات، كما جعل رسولها خاتم الأنبياء، هي رسالة للحياة كلّها. وانطلق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في تأدية رسالته، وتعرّض لما تعرّض له من قِبَل المشركين الذين أخرجوه من مكّة، في مؤامرة تحدّث القرآن الكريم عنها.
وتحدّثنا كُتُب السيرة، أنّ المشركين كانوا إذا ضاقوا بالنبيّ ذرعاً، فلم يستطيعوا أن يهزموا موقفه، أو يُسقطوا حجّته، أو يقابلوا دعوته، تمنّوا له الموت، لتنتهي قصّة الصراع بموته، حتى يخلو لهم الجوّ بعبادة الأصنام، ولكنّ القرآن أكّد له أنّ لا فائدة لهم من تمنّي موتك، فقد يموتون قبلك، وقد يموتون معك، فكلّ نفس ذائقة الموت: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء/ 34). ولأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر كبقيّة البشر، يُولِد ويموت ويُبعث، أنزل الله تعالى عليه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ـ هذا هو القانون الحتميّ الذي فرضه الله على الناس، ولا فرق فيه بين الأنبياء وغيرهم، فلا خلود لأحد في هذه الحياة حتّى لو كان نبيّاً ـ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزّمر/ 31)، حيث يقف الجميع يوم الحساب أمام الله.. وعندما نستقبل ذكرى وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ علينا أن نعرف أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ترك الإسلام والقرآن وعترته من أهل البيت أمانةً عندنا، وعلينا أن نحفظ أمانته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإسلام والقرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، حتى عندما نقدم عليه نقول له: يا رسول الله، لقد أدّينا الأمانة. وصلى الله على محمّد رسوله يوم وُلد، ويوم انتقل إلى رحاب ربّه، ويوم يُبعث حيّاً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق