• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القسوة والدلال.. يفسدان طفلك

وفاء العتيقي

القسوة والدلال.. يفسدان طفلك
◄يتصور البعض أن أسعد الأيام هي أيام الطفولة.. ولكن العلم والواقع يؤكدان عكس ذلك.. فقد يعيش طفلك أسوأ أيام عمره في طفولته يكتئب، يكذب. يمتلئ كيانه بالخوف.. احذري يا سيدتي، فالأعوام الأولى من عمر طفلك هي أخطر أيام العمر.. إذا كانت السنوات الأولى في عمر أطفالنا تعني جذور تكوينهم الجسماني. وفيها يتعلمون تناول طعامهم وإرتداء ملابسهم، فانّ الأهم من كل هذا ان صفاء نفسيتهم وخلوها من العقد يتكون خلال هذه المرحلة.. ويقع الآباء والأُمّهات أحياناً بقصد وأحياناً بدون قصد، في أخطاء قد تدمر شخصية أطفالهم. فهذاالطفل مدلل جدّاً، وهذا الطفل يقسو عليه والده جدّاً. والتدليل خطأ والقسوة كذلك خطأ. فخير الأمور الوسط.. تربية طفل خالٍ من العقد والمشاكل النفسية، أمام كل أم، وأب، ولتحقيق ذلك يجب أن يعلم الأبوان الأسباب التي لا تسبب مشاكل نفسية للطفل، وفي نفس الوقت يعرفان أيضاً كيف يتعاملان معها. الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسي بكلية التربية جامعة عين شمس، ورئيس قسم علم النفس بكلية التربية بالمدينة المنورة يحكي لنا الأسباب ثمّ يحدثنا عن الطرق المثلى للتعامل مع الصغير فيقول: يجب على الأُم الا تبخل على طفلها بأكبر قدر من الحب والحنان. ولكن يجب أيضاً أن تعلم الأُم ان قدر الحب المطلوب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعمر الطفل. فالتدليل مع الحنان مطلوبان في العام الأوّل.. وفي العام الثاني يتعلم الطفل الاعتماد على نفسه بعض الشيء، ويبدأ في تعلم المشي والكلام والأكل بنفسه والتحكم في عضلاته. لذلك يجب أن تبذل الأُم كل جهدها في تعويد الطفل كيف يعتمد على نفسه في مثل هذه الأمور، لأنّ الخوف عليه، وتدليله بصورة مبالغ فيها، مع رغبة الطفل في التعلُّم والاعتماد على نفسه والمشي والحركة بحرية، قد يؤدي إلى خلق صراع بين الأُم وطفلها، فلا ينمو بصورة طبيعية. ويضيف الدكتور سيد صبحي: ان من أكثر ما يدعم العلاقة بين الأُم وطفلها هو خلق جو من التوازن النفسي والوجداني. وان كان هذا يعد من الأمور الصعبة في وقتنا الحاضر، خاصة بالنسبة للأُم العاملة، التي يتطلب عملها خارج المنزل والوفاء باحتياجات بينها واسرتها، وبذل الكثير من الجهد الجسماني والنفسي. إلاّ إن خروج المرأة العاملة ومزاولتها لمهامها الوظيفية يجب ألا يكون على حساب تربية الأبناء ورعايتهم حتى ينشأوا النشأة السليمة.   الطفل الغاضب: من الأمور الطبيعية في الأطفال أننا نجدهم يغضبون ويثورون ويشتركون في المشاجرات بل أنّ الطفل الذي لا يغضب يمكن أن يكون سلوكه غير طبيعي، وقد يكون ذلك نتيجة معاناته من حالة نفسية تتطلب التشخيص والعلاج. وإذا كان الغضب والمشاجرة في غالب الأحيان أموراً طبيعية لدى الأطفال، فاننا نشاهد بعضهم يبالغون في هذا الحب دون مبرر. أما إذا كان الطفل يختلق الأسباب لإثارة الفوضى في المدرسة والبيت ومع أبناء الحي، فهذا السلوك غير طبيعي إذا تكرر بصفة مستمرة، ويشير إلى اضطراب في نفسية الطفل. والسبب هو أن هؤلاء الأطفال حين يحرمون من دوافعهم وحاجاتهم الأساسية من الإشباع يتجهون إلى السلوك الشاذ لإشباع تلك الدوافع والحاجيات بطرق غير طبيعية. ولكي نُخلّص الطفل من هذا السلوك، فانّه يجب على الأبوين عدم اللجوء إلى العقاب البدني لأنّ ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية.. لعلاج هذه الحالة يجب اشباع حاجات الطفل ولفت انتباهه إلى أمور تهمه، وتحويل تفكيره إلى اتجاه أفضل. وهذا يساعد بالتالي على تغيير عاداته القديمة واكتساب علاقات جديدة يسودها حسن التفاهم واحترام الغير.   الطفل المدلَّل: وعن الطفل المدلل يستمر الحديث، فيقول الدكتر سيد صبحي: إنّ من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها الكثير من الآباء والأُمّهات عن جهل وعن غير قصد الافراط في تدليل الأطفال، والشغف بهم، والتلهف عليهم، وتلبية جميع طلباتهم، والعناية بهم عناية فائقة، وإذا نشأ الطفل في هذا الجو الأسري فإنّه يعتاد على ذلك ويتوقع نفس المعاملة في جميع الأماكن التي يذهب إليها. فإذا ذهب إلى المدرسة توقع أن يعامله المدرس كما يعامله والده. وإذا ذهب إلى النادي توقع أن يعامله المدرب كما يعامله أهل منزله من تلبية حاجاته دون تردد. فإذا لم يتحقق له ما يريد، وهذا هو ما يحدث في الغالب، انزعج الطفل وأصبح يشعر بأن مركزه قد تزعزع، وانّه الآن أصبح في عالم آخر يختلف عن أسرته، وانّه في مكان لا يحبه، ولا يهتم به ولا يمنحه العناية والرعاية والاهتمام، فيدب الخوف في نفس الطفل ويفقد ثقته نفسه. ويستجيب لهذا الموقف المؤلم استجابات مختلفة بحيث تنتابه نوبات حادة من الغضب والخوف والقلق، وتطرأ عليه اضطرابات مختلفة مثل الأحلام المزعجة وشرود الذهن واضطابات أخرى كالتلعثم. وإذا كبر الطفل وتخرج في معهده الدراسي ودخل ميدان الحياة الاجتماعية التي لم يألفها ولم يتعود عليها في حياته الأسرية، فإنّه يصطدم بكثير من المواقف، وكثيراً ما يؤدي صدامه هذا إلى فشله في الحياة العملية، حيث يترك وظيفته وينتقل إلى أخرى، حتى ينتهي به الأمر إلى البطالة لأنّه لم يعتد تحمل المسؤولية، ولم يألف مواجهة أي طارئ دون الاتكال على والديه، فلا يقوى بمفرده على مواجهة الصعاب. هذه هي الآثار السيئة الناتجة عن تدليل الأطفال، فلا تتولد في نفوسهم صفات الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية والشجاعة والاقدام في مواجهة الصعاب. وكل هذه الصفات ضرورية للنجاح في الحياة العملية.   الطفل غير المرغوب فيه: ويؤكد الدكتور سيد صبحي أن من الأمور التي لها أثرها السيء في نفسية الطفل شعوره بأنّه مكروه من والديه ومهمل من المجتمع الذي يحيط به ولا يهتم به أحد. وإذا شعر الطفل بقسوة والديه عليه وافراطهما في هذه القسوة أحس بالمذلة والهوان وفقد الثقة بنفسه، واحس بالضعف والنقص، وبالتالي انهارت معنوياته وضاعت شخصيته، وأصبح عديم الفائدة لمجتمعه، ما لم يعالج من عقدة النقص التي يعاني منها. والطفل الذي ينشأ في مثل هذا الجو العائلي ويتعرض لهذه التنشئة الاجتماعية انما يصبح فيما بعد رجلاً ضعيف الشخصية، يبتعد عن المسؤوليات ويخشى القيام بأيّة مبادرة ولا يجرؤ على مناقشة أفكار غيره، كما أنّه لا يستطيع مواجهة الناس والزملاء والمجتمع فيفضل الانطواء على ذاته ويتحاشى الكلام مع الناس. بمعنى أن يكون خائفاً وقلقاً دائماً. إنّ الطفل الذي ينشأ في أسرة تهمله وتقسو عليه ينشأ وهو يشعر بكره المجتمع وعدم الاهتمام به، الأمر الذي يترتب عليه أن يتولد في نفسه شعور الحقد والكراهية ضد المجتمع، وتثور في نفسه دوافع الانتقام، ويؤدي هذا الاتجاه إلى حياة الإجرام والإنحراف. ويخطئ الأبوان إذا ما اسرفا في تأنيب أطفالهما واظهارهم بمظهر المذنبين ومقارنتهم بأطفال آخرين واظهار عيوبهم. فذلك له خطورته لأنّ الاكثار من تأنيب الطفل يجعله يعاني من عقدة الشعور بالنقص، وهكذا يلحق الابوان الضرر بطفلهما دون قصد منهما.►

ارسال التعليق

Top