• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الكاريكاتير بمفهومه الفني الحديث

بوشعيب الضبار

الكاريكاتير بمفهومه الفني الحديث
   إنّ البداية الحقيقية للكاريكاتير بمفهومه الفني الحديث، مثلما حددها التاريخ، ترتبط باسم الفنان الإيطالي انيبال كراكشي الذي توفي في مطلع القرن السابع عشر، والذي يعتبره تاريخ الفن الحديث أول من رسم صوراً باعثة على الضحك بأسلوب يحمل ملامح كاريكاتير واضحة. لكن عند ربط السخرية بأشكال فنية تتضمن صيغاً كاريكاتيرية، بمعنى أو بآخر، فإنّ المصريين القدامى على عهد الفراعنة تركوا لنا رسومات ساخرة محفورة على جدران المعابد والكهوف، تعود إلى حوالي 5000 سنة، ومن أشهر تلك الرسومات رسم جداري قديم، يرمز إلى علاقة العبد بالسيد، ويمثل فئراناً تتجه نحو قط وهي ترفع راية الاستسلام. والواقع أن استخدام السخرية في فنون الرسم والحكي والكتابة والتمثيل بأساليب متعددة كان منتشراً لدى شعوب مختلفة، وقد أبدع العرب في هذا المجال شعراً كاريكاتيرياً رائعاً، وكذلك كتابات، تعتبر قمة في السخرية لأسماء بارزة في تراث الأدب العربي، مثل ابن الرومي الجاحظ والبهاء زهير وغيرهم، مثلما نعثر في هذا التراث على مؤلفات هزلية قل نظيرها، مثل مؤلف "الفاشوش في حكم قراقوش" لأسعد بن مماتي، وديوان زجلي بعنوان "نزهة النفوس ومضحك العبوس" لابن سودون وغيرهما، كما كانت السخرية بتعدد أشكالها منتشرة لدى شعوب قديمة أخرى، مثل الهند والصين واليابان واليونان والرومان والإغريق وغيرهم، أما بالنسبة لأوربا فيرتبط ظهور الكاريكاتير البدائي فيها بلوحة جدارية في روما، وكذلك في مدينة بومبي وذلك في القرن الأول الميلادي، قبل بروز البداية الحديثة للكاريكاتير مع ظهور المطبعة وانتشار جريدة "الشاري فاري" للرسام "فليبون".  

 - الكاريكاتير.. مسار صعب:

الكاريكاتير بالطبع هو جزء لا يتجزأ من الثقافة بصورة عامة، ولأنّ الثقافة العربية تمر بفترة ضمور ملحوظ لكونها تأتي في أدنى مراتب اهتمامات المجتمع العربي لأسباب وعوامل متعددة ذاتية وموضوعية في مقدمتها تفشي الأمية بنسبة كبيرة، والافتقار إلى الأجواء الصحية التي تمكنها من التعبير عن واقعها بقدر مطلوب من الحرية، تكون كل الأجناس الأخرى للثقافة العربية، وليس الكاريكاتير وحده، انعكاساً حقيقياً لواقع الحال الجاثم على صدر هذه الثقافة، على أن هذا لم يمنع الكاريكاتير العربي رغم صعوبة الأحوال والظروف من شق مساره الصعب بالأنياب والأظافر، معاندا بإصرار وتحد لكسر حلقة التدجين المفروضة عليه، ولتقديم اعمال إبداعية بشهادة فنانين أجانب، لا تقل ابتكاراً ومهارة عما يقدم في المعارض وينشر في الصحف الأجنبية المنتشرة عالمياً. هذا رغم الفارق الكبير في الهامش الديمقراطي الذي يتنفس فيه الكاريكاتير هناك ورغم غياب محفزات التشجيع، بل ورغم محاولات الإقبار التي تحيط بالكاريكاتير العربي من كل جانب.   - علاقة الرسم الكاريكاتيري بالمسرح: علاقة الرسم الكاريكاتيري بالمسرح مثل علاقته بكل الفنون الأخرى التي يمتزج فيها العمل الفني بالسخرية المرسومة، وكلما ظفت هذه العلاقة توظيفاً ذكياً وجيِّداً تصبح إبداعاً قائماً بذاته. ولعل أقدم علاقة للكاريكاتير بالمسرح تعود إلى حقبة المسرح اليوناني القديم عندما كان الممثلون يرتدون أقنعة مرسومة بشكل كاريكاتيري لتقديم عروض مسرحية ضاحكة. وقد لاحظنا كيف تحولت تلك العلاقة اليوم إلى دمى فنية كاريكاتيرية تنتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة من خلال تقمصها لملامح مشاهير المشهد السياسي وغيرهم.  

 - الكاريكاتير.. فن اختصار الكلام:

فن الكاريكاتير هو لغة بحد ذاته، لذلك فهو في غنى عن أية لغة أخرى مضافة، ومما يميز لغة الكاريكاتير جماليتها الرائقة وقدرتها الفائقة على التكثيف والاختزال مما لا تستطيعه أي لغة أخرى. إنّ الرسم الكاريكاتيري الذي بلا تعليق تسهل قراءته حتى على غير المتعلم وفي أي مكان من بلدان العالم، بينما يحتاج الرسم الذي يحمل تعليقا إلى معرفة اللغة التي كتب بها هذا التعليق. كما أنّه ينبغي أن نعترف بأنّ التعليق الكاريكاتيري ليس أمراً سهلاً لأنّه يحتاج إلى حس ساخر لا يتوافر للعديد من رسامي الكاريكاتير. ففي العديد من الأعمال الكاريكاتيرية المرفقة بالتعليق القصير أو الطويل وهي لكبار رسامي الكاريكاتير العالميين نعثر على ذكاء لماح وقدرة خاصة تفوق في العديد من اأحيان روعة الرسومات التي لا تحمل أي تعليق. وهو ما لا يعني أن كل رسم ناجح هو بالضرورة ذلك الذي من دون تعليق.

ارسال التعليق

Top