• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المراهقة.. السن السهل الممتنع

د. ياسر العيتي

المراهقة.. السن السهل الممتنع

◄عندما يصل الطفل إلى سن المراهقة تطرأ عليه تغيرات جسدية ونفسية مهمة، ولعل أهم هذه التغيرات هو شعوره بالاستقلال وبالحاجة إلى أن تكون له شخصيته وأفكاره وآراؤه المتميزة. بعض الآباء والأُمّهات تفزعهم هذه التغيرات، لأنّهم يشعرون بأنها تهدد سلطتهم فيتعاملون معها بتوتر وتشنج يقابله المراهق بتوتر وتشنج أكبر، وهنا تبدأ المشاكل.

أريد القول أوّلاً أنّ الساعات الطويلة التي استثمرها الأبوان في التعاطف والتفاعل مع ولدهما منذ أسابيعه الأولى ستؤتي ثمارها في مرحلة المراهقة. بعض الآباء والأُمّهات ينشغلون عن أطفالهم في السنوات الأولى المهمة من حياة الطفل ثمّ يتفاجؤون عندما يصل الطفل إلى مرحلة المراهقة بضعف علاقتهم معه، ويعزون ذلك إلى تمرد ابنهم المراهق وسوء أخلاقه متناسين تقصيرهم في مد جسور التواصل والتفاعل معه عندما  كان صغيراً.

عندما تكون علاقة الطفل بوالديه مبنية منذ السنوات الأولى من عمره على الحب والتفاهم والاحترام المتبادل فإنّ هذه العلاقة تستطيع أن تستوعب التغيرات التي تحملها مرحلة المراهقة إلى حياة كلّ من المراهق ووالديه. عندما يصر الأبوان على معاملة المراهق وكأنّه طفل صغير فإنّه سيتمرد عليهما ليحقق شعوره بالتميز والاستقلال، لذلك يجب أن نترك المجال للمراهق لكي يكون مختلفاً عنا، وألّا نفسر إكثاره من النقاش والحوار معنا على أنّه محاولة منه لإغاظتنا بل هو جزء من عملية النمو والتطور التي تخضع لها شخصيته فسامر الطفل الذي كان يفعل كلّ ما يُطلب منه دون نقاش أصبح الآن بعد أن بلغ سن المراهقة يقول كيف؟ ولماذا؟ وهذا غير صحيح! عندما يجد المراهق صدراً واسعاً وتفهماً لمشاعره وحاجاته سيتحمل منا الحزم الذي نضطر لإبدائه عندما نراه يقوم بعمل نعتقد أنّه ليس في مصلحته. عندما نمد مع أولادنا جسوراً متينة من الحب والاحترام والتفاهم المتبادل لن تتأثر هذه الجسور بالهزات التي تحدث بسبب خلاف هنا أو سوء تفاهم هناك، ولكن إذا كانت هذه الجسور واهية هشة فإن خلافاً واحداً بين المراهق وأحد والديه يكفي لنسفها وإدخال الطرفين في حالة من القطيعة العاطفية التي يفقد فيها  كلّ منهما حبه واحترامه للطرف الآخر.

ومن الأمور المهمة التي يجب أن يستوعبها الوالدان في أثناء تعاملهما مع ابنهما أو ابنتهما في مرحلة المراهقة هو أنّ هذه المرحلة هي مرحلة التقلبات والتغيرات عند الإنسان، إنّها المرحلة التي يكتشف فيها المراهق نفسه وحاجاته ورغباته الحقيقية بعد أن وصل إلى سن النضوج ومن الطبيعي أن تتصف عملية الاكتشاف هذه بالكثير من التقلبات، فالمراهق قد يحب بسرعة ويكره بسرعة كما أن ضعف خبرته في الحياة قد تجعله شديد التشبث بآرائه وقد يعتقد أن باستطاعته تغيير كلّ العالم لوحده وهو يريد الحصول على النتائج بسرعة كما أن قدرته على رؤية ألوان الطيف تكون محدودة فكثير من الأمور لا يراها إلا بيضاء أو سوداء، وهنا يجب ألّا نحكم على المراهق بأنّه متقلب أو متسرع؛ لأنّه إذا سمع تلك الأحكام منا ستزداد قناعته بأننا لا نفهمه وبأننا بعيدون عنه، وسيضعف ذلك من قدرتنا على توجيهه وإرشاده. يجب أن نفسح المجال للمراهق لكي يكتشف بنفسه حقيقة مشاعره ورغباته وحاجاته، وذلك لا يعني أن نتركه وحده دون إرشاد أو توجيه، ولكن يجب أن يكون هذا الإرشاد بغاية الرفق واللطف وبعيداً عن الأوامر والإملاءات. يظن البعض أن معاملة المراهقين بلطف ورفق وإفساح المجال لهم، لكي يكون لهم رأيهم المستقل هو نوع من الضعف والتمييع الذي يفسد العملية التربوية، لكن نظرة سريعة في المجتمع سترينا أن أكثر العلاقات بين الآباء وأبنائهم فشلاً هي تلك القائمة على القسوة والتسلط والإكراه، وأكثرها نجاحاً هي تلك القائمة على التعاطف والتواصل والحوار.►

 

المصدر: كتاب الذكاء العاطفي في الأسرة

ارسال التعليق

Top