قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور/ 55). نزلت هذه الآية الكريمة لتعبّر عن سنّة إلهية جارية، تقضي بأنّ الظلم مهما علا فهو إلى زوال. وقد وعد الله سبحانه وتعالى فيها المؤمنين العاملين بإيمانهم، بأنّه سيخلفهم في الأرض، بأن يحكموا الأرض بعد أن ينتزعوها من أيدي الظالمين والمفسدين، وأن يمكّن لهم دينهم ويبدلهم بعد خوفهم آمناً.
الأرض لن يرثها إلّا الذين التزموا الصلاح، ومن أبرز عناوين الصلاح، مواجهة التحدّيات، وعدم الاستسلام للضعف، وصناعة القوّة، والاستعداد لتحمّل تكاليف هذا الالتزام. وبذلك، نرى خطأ النظرة التي تكتفي عندما ترى ظلماً أو طغياناً أو فساداً، بأن تقلب كفّاً بكفّ، وتقول: «اللّهُمّ عجّل فرجه»، وكأنّها بذلك تضع الأمر عند الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، بدلاً من أن يقوم الفرد والأُمَّة بدورهما في مواجهة الظلم والفساد والانحراف بكلّ مظاهره وأشكاله.. فالإمام (عجل الله فرجه) لن يكون بديلاً منّا في أداء دورنا المطلوب الذي حمّلنا الله إيّاه في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، ونشر العدل وتعميم الخير في الحياة، وتحقيق دوره لن يتمّ إلّا بعد قيامنا بالأدوار المطلوبة منّا، وعندها نستحقّ أن نقول: «اللّهُمّ عجّل فرجه».
إنّ انتظار الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لن يكون انتظار الخاملين واليائسين، بل هو انتظار العاملين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والساعين لإقامة الحقّ والعدل. قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104). لهذا نرى، ونحن في ذكراه، أنّ كلاً منّا هو معنيّ في مرحلته وعمره وزمنه بأن يدرس موقعه من الحقّ والعدل؛ أين هو من هذه القيم في حياته الخاصّة والعامّة؟ وأين موقفه من مواجهة الباطل واستشراء الظلم والطغيان؟ وأين ميدانه الذي لا يقف عند الميدان العسكري فحسب، بل يمتدّ إلى الميدان الثقافي والإعلامي والسياسي والاقتصادي؟
إنّ الأساس في الانتظار، هو إعداد الذّات، والحثّ على إطلاق كلّ طاقات الأُمَّة، لنكون جميعاً على أتمّ الاستعداد والجهوزية، وفي أعلى درجات الكفاءة وفق حاجات الساحة، فهو لن يقبل إلّا بأصحاب الكفاءات والمواقع المتقدّمة وأصحاب الإرادات والقياديين في كلّ ميدان. لذلك، سنقف لنبايعه، على أن نكون معبّرين عنه بإيماننا، بأخلاقنا، بعلمنا، بحلمنا، بصدقنا، بشجاعتنا.. وأن نكون حيث يكون الحقّ، حتى لو كان على حسابنا، ومع العدل، حتى لو عانينا في حمله، وفي مواجهة كلّ ظلم وكلّ استكبار، وبأن لا نهادن ظالماً ولا فاسداً ولا مفسداً، وعند ذلك، نكون فعلاً من أنصاره وأعوانه والداعين إليه، بحيث يكون همّنا الدائم أن نواصل القيام بمسؤوليتنا، لنكون الممهّدين له، إن لم يوفّقنا الله إلى أن نكون معه، وإن وفّقنا لنكون معه، أن نكون قادرين على أن يكون لنا دور فاعل ومؤثّر في مسيرته، وكلٌّ في الموقع الذي ينبغي أن يعدّ نفسه له، في الوقت الذي ندعو دائماً: «اللّهُمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، وليّاً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين».. ما أحوجنا إلى هذه الوصايا الروحية والإيمانية، لنستعين بها على مواجهة أنفُسنا الأمّارة بالسوء، وتحدّيات الحياة وصعوباتها، ولنكن من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
ختاماً، نوصي أنفُسنا بتقوى الله، والعمل بوصيّته عندما قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) (النِّساء/ 131). والتقوى تعني أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، تعني أن لا تحرّك يداً أو سلاحاً، أن لا تنطق بكلمة، أن لا تتّخذ موقفاً، أن لا تؤيّد، أن لا تعارض، حتى تعلم أنّ في ذلك رِضا لله. التقوى تعني أن تخشى الله، ولا تخشى أحداً سواه. أن نتّقي الله، يعني أن نتّقيه في عباده وبلاده، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون...». ونحن لن نخسر مع التقوى، بعدما وعد الله وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3)، وقال: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل/ 128).. فلنبادر إلى التقوى، حتى نكون أكثر وعياً ومسؤوليةً وقوّةً وقدرةً على مواجهة التحدّيات.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق