• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تدريبات عملية لتقوية الشخصية

يوسف ميخائيل أسعد

تدريبات عملية لتقوية الشخصية

◄التدريبات الجسمية:

قبل أن نعرض للتدريبات الجسمية التي تعمل على تقوية الشخصية علينا أن نقدم مجموعة من المقررات التي نعترف بها ونؤكدها، وهي على النحو التالي:

أوّلاً: إنّنا نعترف بالمقومات الوراثية ونعتبرها ركناً هامّاً من أركان الحصيلة العامة للشخصية. بيد أنّنا لا نعترف بفصل المقومات الوراثية عن العوامل البيئية، بل نذهب إلى أنّ التفاعل بين الموروثات والمكتسبات يتم بطريقة تراكبية، بمعنى أنّ ما يرثه المرء من مقومات وراثية لا يظل على حاله، بل يتفاعل منذ اللحظة الأولى للتكون جنيناً في بطن الأُم، ثم تأتي التفاعلات الخبرية التالية مع آخر مستوى نمائي وصل إليه الكائن الحي. ومعنى هذا أنّ ما أتفاعل معه الآن من مؤثرات بيئية لا يتم بين ما سبق لي وراثته من مقومات وراثية وبين المؤثرات البيئية، بل يتم بين آخر مستوى تفاعلي تراكبي بلغته مع تلك المقومات البيئية الجديدة.

ثانياً: إنّ التفاعلات الخبرية التي تتم بين المرء وبين المؤثرات البيئية ليست حتمية، فثمة عامل الاختيار الشخصي المؤثر بالموقف. وبتعبير آخر هناك التحكم الذي يصدر عن إرادة المرء في توجيه دفة التفاعلات الخبرية من جهة، وفي السماح لثمار تلك التفاعلات بالظهور أو الحيلولة دون ظهورها من جهة أخرى. ومن هنا فإنّ المسؤولية تتخذ لها مكانة في تقوية الشخصية.

ثالثاً: إنّ الفرصة تظل متاحة أمام المرء لتعديل سلوكه ولتصحيح ما إعوجّ من شخصيته. فهناك ما يعرف بإعادة التربية ذاتياً، وهي ما يمكن أن نسميه بالتربية الذاتية التصحيحية.

وبعد أن قدمنا هذه المبادئ الثلاثة، فإنّنا نقوم بتقديم عينة بسيطة من كلّ نوعية من نوعيات التدريبات التي تكفل تقوية الشخصية على النحو التالي:

أوّلاً- تدريبات اللياقة العامة:

وهذه النوعية من التدريبات تستهدف كفالة الحيوية العامة للمرء. ذلك أنّ قوة الشخصية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحّة المرء العامة. وما نود أن نؤكده هنا بصدد هذا النوع من التدريبات أنّه ليس فقط بالتغذية والدفء والهواء يحيا الإنسان وتترعرع حيويته، بل لابدّ أن ينضاف إلى هذه المقومات بعض التدريبات الحركية التي تكفل انعاش عضلات الجسم المتباينة ومن ثم التمتع باللياقة البدنية العامة. وفيما يلي بعضاً من هذه التدريبات:

1- الاستلقاء على الظهر ثم تحريك الرجلين والفخذين كما لو أنّ المرء يقود دراجة. ويستمر المتدرب على هذا النحو من الأداء حتى يأخذ به الإعياء كلّ مأخذ.

2- الانبطاح على الوجه ووضع الكفين على الأرض ثم رفع الجسم وإنزاله مع تثبيت مشطى القدمين على الأرض. ويستمر المتدرب في أداء التمرين حتى يتعب.

3- الوقوف في حالة انتصاب القامة بغير أن يكون الظهر مقوساً، ثم وضع الذراعين في موازاة الجسم ثم البدء في تحريكهما على هيئة مروحة من الأمام إلى الخلف عدة مرّات إلى أن يحس المرء بالتعب.

ثانياً- التدريبات الحركية التصحيحية:

المقصود بهذا النوع من التدريبات تصحيح ما نشأ عليه المرء من حركات خاطئة، أو جلسات وأوضاع غير صحّية. ولقد سبق أن قلنا إنّ المجال مفتوح أمام المرء في أي عمر وبخاصة في مقتبل العمر لتصحيح ما إعوجّ لديه من سلوك أيّاً كان ذلك السلوك وفيما يلي نعرض بعض هذه التدريبات التصحيحية.

1- لكي تصحح طريقة مشيك إذا كنت ممن ينحرفون بإحدى الرجلين يميناً أو يساراً. فعليك بالسير مدة طويلة كلّ يوم على خط مرسوم أو متخيل. من ذلك مثلاً السير في موازاة أحد الأرصفة أو على خط مرسوم بالطريق في منطقة خالية من حركة المرور أو على خط مرسوم في أحد الملاعب أو حتى ببيتك على الخطوط المرسومة على البلاط.

2- إذا كان ظهرك مقوساً إلى الأمام، قف مسنداً ظهرك إلى الحائط والصق ساقيك على الحائط واجعل جسمك كلّه إلى الخلف بموازاة الحائط بقدر الإمكان. أمكث على هذا الوضع حوالي خمس دقائق، وكرر هذا التدريب كلما تسنى لك ذلك كلّ يوم.

3- اجلس على كرسي ظهره مستقيم واجعل فخذيك في خط أفقي وقد عملا زاوية قائمة مع رجليك، ثمّ ارجع بظهرك بحيث يكون معتدلاً وقد صار متخذاً شكل زاوية قائمة مع فخذيك. امكث على هذا الحال أطول مدة ممكنة. فهذا التدريب يضمن لك انتصاب القامة والطلعة التي توحي بالثقة بالنفس وقوّة الشخصية.

ثالثاً- تدريبات الرشاقة الحركية:

المقصود بالرشاقة حذف جميع الحركات الزائدة عن المطلوب أو بتعبير آخر تحقيق الأداء الحركي بحيث يؤدي وظائفه المطلوبة بأقل جهد ممكن وبأقل حركات ممكنة، وفي أقصر وقت ممكن. وفيما يلي بعضاً من تمرينات الرشاقة.

1- بالنسبة لاستخدام اليدين في أثناء الكلام. اجعل كلّ حركة تصدر عن يديك عاملاً مساعداً على إيصال ما تقصده من معان إلى مَن يستمع إليك. إنّ الشخصية الرشيقة لا تصدر حركات اليدين جزافاً أو لمجرد التحريك أو لمجرد جذب انتباه المستمع، بل تجعل من كلّ حركة دلالة معينة على معنى معين. والشخص الذي لا يراعي ذلك لا يكون بالتالي رشيقاً في حركاته. والتدريب المفيد في هذه الحالة يكون بالجلوس أمام المرآة بحجرة منعزلة ثم التحدث أمام صورة المرء الموجودة بالمرآة في أي موضوع بغير أن يكون هناك أحد بالحجرة. راقب حركاتك وأنت تتحدث، وليكن الحديث في موضوع ما يهمك. ولك أن تتخيل أنّك متحدث في محاضرة أو منهمك في مناقشة. كرِّر هذه العملية التدريبية وقد وضعت نصب عينيك مراقبة حركاتك بحيث يكون لكلّ حركة تصدر عن يديك معنى يتطابق مع معنى كلامك. واجعل إشارات يديك تدل على الاطوال أو على الاحجام من حيث الكبر والصغر بمقارنة أشياء ببعضها، أو قد تدل على الحركة من حيث البطء أو السرعة. وكلما ابتكرت في الحركات التي تدل على المعاني التي يحملها كلامك صرت بالتالي أكثر رشاقة.

2- في مشيتك تخيل أنّك تحمل طبقاً مملوءاً بالماء على رأسك وأنّك حريص على عدم سكب الماء على رأسك أو كتفيك. اجعل عنقك مرفوعاً وصدرك إلى الأمام وسر في خط مستقيم واجعل عينيك إلى الأمام في خط أفقي مواز لمستوى النظر. درّب نفسك على هذه الطريقة من المشي في منطقة منعزلة أو في حديقة بيتك إذا كان ببيتك حديقة أو في أي مكان بعيداً عن الأنظار. إنّ هذا التمرين سيكسبك خصائص رشاقة الحركة بغير أن تلقي بالاً إلى تكلف هذه المشية في حياتك اليومية.

3- اجلس القرفصاء ثم قم منتصباً دون أن تسند يديك على الأرض وسر خمس خطوات، ثمّ اجلس القرفصاء بغير أن تسند يديك على الأرض. كرر هذه العملية عدة مرات. إنّك بذلك سوف لا تفقد القدرة على الجلوس في وضع القرفصاء كما يحدث لكثير من الأشخاص ولم يكادوا يبلغوا الثلاثين. إنّك إذا احتفظت بقدرتك على الجلوس القرفصاء ثم الوقوف ثمّ الجلوس في وضع القرفصاء مرة أخرى بغير أن تستعين بيديك فإنّ ذلك سوف يوفر لك رشاقة عظيمة في الحركة.

رابعاً- تدريبات الملامح والنظرات المناسبة:

إنّ ما يصدر عنك من ملامح ومن نظرات قد يكون عفوياً، وقد يكون خاضعاً للتدريب. وطبيعي أنّ ما يخضع للتدريب يكون ذا فاعلية في حياتك وفي علاقاتك بالآخرين ممن تتعامل معهم. وفيما يلي بعضاً من تدريبات الملامح والنظرات المناسبة للمواقف المتباينة.

1- إجلس أمام المرآة في حجرة وحدك ومرّن نفسك على الاتيان بالملامح والنظرات التي تعبِّر عن الانفعالات الآتية: الغضب – الدهشة – الشك – الموافقة والارتياح – التهديد والازدراء. لاحظ نفسك وأنت تأتي بالملامح والنظرات. انقد نفسك. كرِّر هذا التدريب كلّ يوم إلى أن تطمئن إلى كونك تستطيع أن تعبر عن الانفعالات المتباينة بطريقة فعّالة ومؤثرة.

2- قم بملاحظة أصدقائك فيما يبدونه من ملامح ونظرات، ثم تقمص بعضاً من شخصيات أصدقائك التي تعجبك الملامح التي تتبدى عليهم والنظرات التي يتخذونها بصدد انفعالاتهم المتباينة. اجلس أمام المرآة في خلوتك وحاول تقليدهم عدة مرات إلى أن تقترب ملامحك ونظراتك من ملامحهم ونظراتهم. إنّك بذلك تكتسب قدرة تعبيرية تجعل منك شخصية ذات أثر بالغ في نفوس المحيطين بك.

خامساً- اتخاذ الأوضاع المناسبة في الوقوف والجلوس والتدريبات المتعلقة بذلك:

لا شكّ أنّ مواقف الحياة المتباينة تتطلب منا اتخاذ وقفات معينة وطريقة جلوس مناسبة لكلّ موقف وعليك بتدريب نفسك على التدريب الآتي:

اختل بنفسك في الحجرة أمام المرآة واتخذ الأوضاع المناسبة في الوقوف والجلوس حسب الشخصيات المختلفة التي تقابلها ونوعيات تلك الشخصيات: من هم أعلى مقاماً منك، ومن هم في مستواك الاجتماعي، ومن هم دون ذلك المستوى. لابدّ أن تتناسب وقفتك وطريقة جلوسك في كلّ حالة من الحالات التي تتخيلها والتي تقابلها فعلاً في حياتك. ولا شكّ أنّ هذا التمرين سوف يكسبك قدرة على التكيف الناجح لحياتك الاجتماعية.►

 

المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك

ارسال التعليق

Top