• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تعزيز الوحدة الوطنية

عمار كاظم

تعزيز الوحدة الوطنية

يقول سبحانه وتعالى: (وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13). لم يكن التعدُّد ـ من وجهة نظر قرآنية ـ سبباً للافتراق والتباعد والتخاصم، بل هو في أصل جعله أو نشأته دافع من دوافع التعارف الذي ينفتح على كلّ ما تتضمّنه كلمة التعارف من تعاطٍ وتعاونٍ وتعاضدٍ ومؤاخاة وتبادل للخبرات والتجارب والثقافات والمعلومات. إنّ الإنسان أخو الإنسان شاء أم أبى، ومن هنا تأتي قيمة (مبدأ التعارف)، وهو مبدأ حاكم على المجتمع البشري برمّته، لأنّه يعني أو يحمل معاني التعاون، والتكامل، والتكافل، والتبادل، والتواصل، وعلى هذه المفاهيم تتحقق الوحدة بين المسلمين بالاحترام والمحبة المتبادلة. لاشكّ أنّ الاختلاف حقيقة لا يصحّ إنكارها، ولذا وضع الإسلام أصلاً في طريقة التعامل مع الاختلاف، وهو أصل الوحدة، فهي أساساً ومعياراً عملياً للتعامل مع مواضع الاختلاف الفكرية والتطبيقية على صعيد السياسة والاقتصاد والثقافة والتربية والاجتماع وغير ذلك.

إنّ المجتمع الإنساني الذي تختلف فيه اللغات واللهجات والألوان والديانات والقوميات، والثقافات، والهجرات، مجتمع غنيّ ومُعافى وقوّي وأكثر انفتاحاً وحضارية وإبداعاً. تنظر الدول المتحضّرة إلى مسألة التنوُّع بكلّ أشكاله، القومية والدينية والفكرية والطائفية والسياسية والاقتصادية على أنّها داعية ثراء ونماء وبركة وعطاء، وسبباً من أسباب تطوُّر الوطن وتقدُّمه. إنّ مفهوم وحدة الإنسانية هذا، قد تم التأكيد عليه أيضاً من قبل النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة الوداع حيث ذكَّر المسلمين بذلك من خلال قوله: «أيّها الناس، كلّكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلّا بالتقوى».

من القيم الإسلامية التي يريد الله تعالى للمسلمين أن يأخذوا بها في حياتهم الاجتماعية، لاسيما في علاقة بعضهم ببعض، أن يحترم المسلم أخاه المسلم وأن يعزّه ويحفظ حقّه، مهما كان الاختلاف في الدرجة الاجتماعية بين المسلمين. من المهم أن تكون إنسانيتنا وإسلامنا هما الأساس في احترام بعضنا البعض، فلا يجوز لمؤمن أن يحتقر مؤمناً لفقره أو لموقعه الاجتماعي، أو لأية حالة من الحالات، لأنّ الله تعالى يريد لنا أن نحترم إسلام المؤمن وإنسانيته، بحيث يشعر بأنّ إسلامه يمثّل قيمة كبيرة عند إخوانه المسلمين. فالإسلام دين المحبة والصفاء والألفة، فهو يشيع مبدأ الأخوة الإسلامية لتذويب الفوارق العرقية والإقليمية والمادّية، فتسمو على كافة الروابط الأخرى من خلال التأليف بين القلوب. نحن في حاجة دائمة إلى التفتح والإشراق في جو دافئ من المحبة والتعاون لبناء المجتمع على أساس المودّة والرحمة والتعاون على البرِّ والتقوى.

لابدّ من العمل لتشكيل المجتمع المتسامح والركون إلى العقل والتفكير الواعي السليم لتأسيس مجتمع العدل والسلام والاعتراف والقبول بالآخر والعمل المشترك من أجل بناء الوطن ووحدته وسلامته وأمنه ومستقبله. والإنسان عندما ينطلق في حياته الاجتماعية، فإنّ لسانه هو وسيلته للانفتاح على الآخرين في مشاعره وعواطفه وأحاسيسه وفي حاجاته وحواراته وجدالاته وفي دعوة الآخرين إلى ما يؤمن به. أراد الله تبارك وتعالى للناس عندما يتحدّثون ويتحاورون أن يدرسوا كلماتهم وأن يحترموا الآخرين ولا يسيئوا لهم، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً) (البقرة/ 83).

وأخيراً، يقول المفكّر الإسلامي الكبير الشهيد محمّد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ : «العدل والعلم والقدرة والقوّة والرحمة والجود تُشكّل بمجموعها هدف المسيرة للجماعة البشرية الصالحة، وكلّما اقتربنا خطوة نحو هذا الهدف، وحقّقنا شيئاً منه انفتحت أمامنا آفاقاً أرحب، وإزددنا عزيمةً وجذوةً لمواصلة الطريق».

ارسال التعليق

Top