• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ثورة الحسين (ع).. خط وعمل

عمار كاظم

ثورة الحسين (ع).. خط وعمل

انتهى يوم العاشر من المحرم عام 61 للهجرة في كربلاء عن معركة دامت ساعتين من نهار. ورفع الستار عن أجساد مضرجة بالدماء تملأ ساحة المعركة وقد فصلت عنها الرؤوس ورفعت فوق الرماح... ولم يبق من ذلك الركب إلا النساء والأرامل والأطفال اليتامى وقد جفت مآقيهم لكثرة البكاء وبحت أصواتهم من كثرة النحيب... وسيق لك الركب المثقل بالهموم والأحزان إلى يزيد بن معاوية في الشام ومعهم رأس الحسين (ع) ورؤوس أهل بيته. رأس الحسين (ع) رأس طالما أشبعه رسول الله لثما وتقبيلاً في حياته. ففي البخاري وابن ماجه باسنادهما عن يعلى بن مره، قال: خرجنا مع النبي (ص) ودعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبيّ (ص) حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت رأسه ثمّ اعتنقه وقال (ص): «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا». «الحسين سبط من الأسباط». والآن نتساءل: لماذا حمل رأس الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) إلى يزيد في الشام؟ والجواب باختصار، لأنّ الحسين (ع) رفض أن يبايع طاغية مستهترا بالأخلاق والقيم والدِّين ولم يرض الإمام (ع) بجرائمه التي لم تقف عند حد وبسحقه لكرامة المسلمين. وما أشبه وضعنا اليوم بالبارحة! عدد من الطواغيت خلفهم يزيد ي يفسدون في الأرض ويستهترون بكرامة المسلمين ويسوقون شعوبهم بالحديد والنار ولا يقيمون لأحد كرامة ولا منزلة. لقد كان الإمام الحسين (ع) صرخة مدوية في ظلام الإرهاب والرذيلة التي صنعتها دولة بني أُميّة وكان برنامجه الذي أعلنه في اليوم الأوّل لثورته هو حديث رسول الله (ص): «مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، الا وأنّ هؤلاء يعني بنو أُميّة قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرّحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله...». ولهذه الأسباب ثار الحسين (ع) واراق دمه الطاهر وتحملت أسرته من بعده السياط والضرب والأسر. إنّ البعض ممكن يعيش في ظل بني أُميّة وممّن يعيش اليوم وهو على أعتاب القرن الواحد والعشرين يعتبر الدين مجرد الصلاة والصيام من دون تطبيق حدود الله ونشر الفضيلة والالتزام بالأخلاق وتهذيب النفس ومساعدة المظلومين والعطف على الفقراء.. بينما كان رسول الله (ص) يلخص الدين في كلمة واحدة ويقول: «الدين المعاملة». والمعاملة مع من؟ أليست مع العائلة في البيت والأصدقاء والاخوان والمعارف خارج البيت؟ والجيران والزملاء في العمل والمدرسة والسوق؟... ثمّ أليس الدين هو الالتفات إلى من الذي يحكمنا ويسير شؤوننا ويقرر مصيرنا؟ وأليس الدين هو أن نعرف ماذا يحدث للمسلمين من حولنا... كم منهم يقتل وكم منهم يسجن ويذبح ويموت جوعاً وكم منهم ينام في العراء؟. أليس الدِّين هو أن نمد يد العون إلى البؤساء من حولنا؟ ألم يقل رسول الله (ص): «مَن أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»!؟ هذا النوع من الدِّين لم يكن له أثر في دولة بني أُميّة وفي ظل الحراب والسيوف وأعواد المشانق.. بل كان الإسلام يعرف بالاسم فقط وبالحركات المجردة من المعان. إنّ القرآن الكريم عندما يتحدَّث عن الصّلاة يصفها بأنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر... وإذا لم تحقّق أهدافها المرسومة لها فلا قيمة لها، لأنّها تعتبر عندئذٍ مجرَّد حركات رياضية، والحديث يؤكِّد: كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش وكم من قائم ليس له من قيامه إلّا السّهر والتّعب!!. وهكذا قل عن من يقرأ القرآن ولا يتدبَّر فيه ولا يدرك معناه ولا يطبِّقه فالحديث يقول عنه: رب تال للقرآن والقرآن يلعنه... ويقول القرآن الكريم عن الركون إلى الظالم: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود/ 113)، بينما نرى انّ كثيراً من يصلّون ويصومون هم أعوان للظلمة ينفذون أوامرهم. والقرآن يدعو إلى نبذ المنكر والأمر بالمعروف، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104)، بينما نرى انّ انماطاً من النّاس يملأ المنكر بيوتهم.. والقرآن يدعو للوحدة تحت ظل الإسلام الصحيح... إسلام رسول الله (ص) الذي يقول عنه: «إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» بينما نرى انّ الذي كان يمثل رسول الله ويجلس مجلسه في دولة بنيّ أُميّة، كان يمزِّق القرآن الكريم بالسهام والآخر يدمِّر الكعبة المشرفة بالمنجنيق ويحرقها ويبيح المدينة المنوَّرة لجيشه ثلاثة أيّام ويقتل ويذبح ذرِّيّة رسول الله (ص)، والقرآن ينادي أناء الليل واطراف النهار: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة/ 124)، و(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة/ 32)، وكان رسول الله (ص) يؤكِّد: «الخلافة محرمة على آل أبي سفيان» ومع كلّ هذا كان طغاة بنيّ أُميّة يعتبرون خلفاء لنبيّ الإسلام والسائرون على نهجه والمطبّقون لتعاليم القرآن ولازال العالم الإسلامي حتى هذه الساعة يعيش الآلام والمصائب التي عاشها في ظلّ حراب بنيّ أُميّة ويبحث عن الحسين يحييه من رقدته ويعيد إليه رشده وصوابه.

ارسال التعليق

Top