تصادف ذكرى ولادة الإمام الحجّة القائم المهدي (عجل الله فرجه الشريف) الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في ليلة النصف الخامس عشر من شهر شعبان. هذه الولادة للإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الذي التقت كلّ آفاق سرّه ومعناه والإعداد الإلهيّ لشخصيته، ليجعل بذلك نهاية الظلم في الحياة، ولتصبح الحياة كلّها عدلاً، لا يظلم فيها إنسان إنساناً، ولا يعتدي فيها إنسان على إنسان. إنّ رسالة الإمام (عجل الله فرجه الشريف) الذي أعدّه الله تعالى ليكون المُنقذ والمخلِّص والمجدِّد للإسلام في حركته وشريعته ومفاهيمه، أن يملأ العالم عدلاً وسلاماً. معنى ذلك أنّ حركته هي حركة العدل، وهي حركة النبوّات كلّها، قال سبحانه وتعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25)، والقسط هو العدل، فمنذ آدم حتى نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانت الرسالات حركة عدل، عدل في العقيدة وفي الشريعة وفي المفاهيم، وفي الواقع وفي علاقة الإنسان بنفسه وبربّه وبالناس من حوله وبالحياة، فالله أرسل كلّ الرُّسل وأنزل كلّ الكُتُب ووضع كلّ الموازين من أجل قيام الناس بالعدل. إنّ مسألة العدل هي مسألة القاعدة التي يرتكز عليها الإسلام، ولابدّ من أن نحمله في أنفُسنا، فيعدل الإنسان مع نفسه، فلا يظلم نفسه بالكفر والانحلال والانحراف، وأن يعدل مع ربّه، فيوحِّده ولا يشرك به شيئاً، ويطيعه ولا يعصيه، والعدل مع الناس فلا يظلم أحداً، والعدل مع الحياة فلا يبغي في الأرض بغير الحقّ، وأن يتحرّك العدل في حياتنا كشعارٍ ننطلق به في كلِّ مواقعنا، بأن نعيش العدل في أنفُسنا وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض وفي علاقاتنا بالواقع. علينا كمسلمين أن نأخذ بالعدل في أنفُسنا وأن نتحرّك في الحياة ليكون العدل هو الخلق الذي يتميّز به المُسلِم، سواء كان العدل مع القريب أو البعيد.. العدل حتى مع الأعداء إذا كان الحقّ معهم، فالعدل لا يعرف فرقاً بين دين ودين، العدل مع كلّ الناس إذا كان للناس حقّ عندكم، لا تظلموا أحداً سواء كان هذا الإنسان مُسلِماً أو غير مُسلِم، لأنّ الله تعالى لا يريد أن يُظلم أحد في العالم حتى لو كان كافراً. وهذا ما أكّده القرآن الكريم في حديثه عن العدل في أكثر من آية: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) (النحل/90)، (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/ 152)، (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ـ ممّن تعادونهم أو تخاصمونهم ـ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8). وقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) الكثير من الأحاديث عن الظلم الذي يمارسه الظالم القوي على المظلوم الضعيف. ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مَظلمةٍ أشدّ من مَظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلّا الله عزّوجلّ»؛ أن تظلم شخصاً لا عشيرة له ولا سلاح، فتستضعفه، وتظلمه حقّه، أو تضربه وتضطهده وتسجنه من دون حقّ، فهذه مَظلمة لا يوجد مَظلمة أشدّ منها. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «اتّقوا الظلم فإنّه ظُلمات يوم القيامة»، أي أنّنا سوف نقف بين يدي سبحانه وتعالى، وسوف يطلب المظلومون من ربّهم أن يقتصّ لهم من ظالميهم، والإنسان المظلوم سيقف بين يدي الله ويقول: يا عدل يا حكيم، أحكم بيني وبين فلان فإنّه قد ظلمني. فعلى الإنسان أن يعمل على أن لا يظلم أحداً؛ أن لا يظلم زوجته، ولا أولاده، ولا الموظّف الضعيف الذي عنده... وهذا ما ينبغي أن نربّي أنفُسنا عليه.
قال أحد الشعراء:
تنامُ عينُك والمظلومُ منتبهٌ******يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تنم
في ذكرى صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، علينا أن ننتظره ونحن في الطريق إلى الحرّية، وفي الطريق إلى العدالة، من أجل أن نكون أُمّة واحدة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، يقول تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران/ 110).
وأخيراً، نختم بالدُّعاء: «اللّهُم وصلِّ على وَلِيّ أمرِك القائمِ المؤمَّلِ، والعدلِ المُنتظر، وحُفّهُ بملائكتِك المُقرَّبين، وأيّدهُ برُوحِ القُدسِ يا ربّ العالمين. اللّهُمّ اجعلهُ الدّاعيَ إلى كتابك، والقائمَ بدينِك، استَخلِفهُ في الأرضِ كما استَخلفتَ الذين من قَبلِهِ، مَكِّن له دينَهُ الّذي ارتَضيتهُ له، أبدِلهُ من بعدِ خوفِهِ أمناً، يعبدُك لا يُشرِك بك شيئاً. اللّهُمّ اعِزّهُ واعزِز به، وانصُرهُ وانتَصِر به، وانصُرهُ نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لَدُنك سُلطاناً نصيراً. اللّهُمّ اظهِر به دينَك، وسُنّةَ نبيّك، حتى لا يستَخفِي بشيء من الحقِّ، مَخافةَ أحد من الخَلقِ».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق