• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

خصائص الإنسان في القرآن الكريم

أسرة البلاغ

خصائص الإنسان في القرآن الكريم

قال تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) (النجم/ 39).

يرتبط سعي الإنسان في الحياة الدنيا بمقدار سعيه عمله بعيداً عن أي اعتبار آخر، من الاسم الذي يحمله، أو الانتماء الذي يواليه، أو الإيمان الذي يعتقده، أو الكفر الذي يضمره، أو المكان الذي يحيا فيه، أو غير ذلك من الكثير من الاعتبارات التي قد تعطيه شأناً أو ضعةً في الحياة الدنيا، لكنّها في الميزان الإلهي ليس لها أي قيمة، فالإنسان بجهده وعمله ومثابرته وتضحياته يصنع حياته بنفسه، وهذه من ألطف الكرامات التي أسبغها الله تعالى على الإنسان حين منَّ عليه بهذه الكرامة.

1- الإنسان لم يُخلق عبثاً: قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/ 115).

فالإنسان لم يخلق ليعيش هذه السنين في الحياة الدنيا بدون هدفٍ أو دورٍ أو رسالةٍ، فهو ليس موجوداً عبثياً أو هامشياً في الوجود.

ومن الواضح أنّ العبثية تعني أن يعيش الإنسان في هذه الدار الدنيا بدون اعتقاد برجوعه إلى الله تعالى، وبالتالي فإنّ الحياة تنتهي لحظة الموت، وما أشدّه من وجود عبثيّ للإنسان إن اقتصرت حياته على هذا الاعتقاد.

2- ولم يُترك سدىً: قال تعالى: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) (القيامة/ 36).

والسدى في اللغة المهمل. وهذه الآية تشير إلى عدم ترك الإنسان مهملاً لا يُؤمر بما هو نفعٌ له، ولا يُنهى عمّا هو ضررٌ عليه، ولا يُكلّف في الدنيا بما يليق بوجوده ولا يحاسب بعمله في الآخرة فيكون المتقون الصالحون والمفسدون المجرمون سواء.

3- إنما خُلق لغاية وحكمة: قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56).

وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود/ 118-119).

وعن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: "(وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ): خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمة الله فيرحمهم".

وعنه (ع) أيضاً: "إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ولم يتركهم سدىً، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلّفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلبَ منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد".

وهذا المعنى نقرأه في روايات أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، فعن الإمام عليّ (ع): "بتقوى الله أُمرتم، وللإحسان والطاعة خُلقتم".

وعنه (ع) – وهو يدعو الناس إلى الجهاد – "إنّ الله قد أكرمكم بدينه، وخلقكم لعبادته، فانصبوا أنفسكم في أداء حقّه".

وحتى لا تبقى هذه العبادة سبيلاً خاصّاً يتيه به الخلق جعل لهم دليلاً وهادياً من أنبيائه ورسله، وولياً لهم على شؤونهم وأعمالهم، فقد ورد عن الإمام الحسين (ع): "أيها الناس، إنّ الله عزّ وجلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه. فقال له رجل: يا بن رسول الله، بأبي أنت أُمّي، فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته".

4- لم يُخلق ليتمتّع كما تتمتّع الأنعام: قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ 179).

فمعيار إنسانية الإنسان تكمن في استفادته مما وهبه الله تعالى من إدراكات وحواسّ يميز بها بين الأمور وإلّا لكان حطب جهنّم كما دلّت الآية.

فعن الإمام عليّ (ع): "المرء بأصغريه: بقلبه ولسانه، إن قاتل قاتل بجنان، وإن نطق نطق ببيان".

وعنه (ع): "للإنسان فضيلتان: عقل ومنطق، فبالعقل يستفيد وبالمنطق يفيد".

وعنه (ع): "المرء يوزن بقوله ويقوم بفعله".

 

صفة الإنسان الكامل:

الإمام عليّ (ع): "قد أحيا عقله وأماتَ نفسه، حتى دقَّ جليله، ولطفَ غليظه، وبرقَ له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل".

وعنه (ع): "ما برح لله – عزت آلاؤه، في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات – عباد ناجاهم في فكرهم وكلّمهم في ذات عقولهم... وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، وأدلّة تلك الشبهات".

5- لم يخلقه لنفسه: فالله لم يخلق الإنسان لمجرد إيجاده، بل خلقه لله، قال تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طه/ 41)، (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه/ 39)، فارتباط الموجودات كلّها له علاقة بوجود الإنسان، إلّا أنّ وجود الإنسان له ارتباط بوجود الله تعالى.

حينما يعتقد الإنسان أنّ وجوده امتداد لوجود الله وأنّه خليفة الله في أرضه، ونائبه في إقامة الحقّ، وإفاضة الخير، وإشاعة الجمال، يشعر أنّ الكون كلّه في خدمته، وأنّ الملائكة الكرام في حراسته، وأنّ ربّ الوجود معه.

6- ولم يسلّمه إلى أحد من خلقه: قال تعالى: (إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (هود/ 54-57).

وفي الخلاصة أنّ الإنسان ما لم يدرك نفسه ووجوده، وهذا الدور الكبير الذي أحاطه الله به لا يمكنه أن يعرف ربه ويحقق ارتباطه العميق بالله تعالى، ولعلّه لذلك ورد في الحديث الشريف: "مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه".

ارسال التعليق

Top