لعل اللحظات التي ينطق فيها الطفل كلماته ونداءاته المبكرة على أمه وأبيه هي من أسعد الذكريات في حياة الوالدين. وعندما يحرز الطفل تقدماً في نموه اللغوي، لا يعني هذا شعور الوالدين بالسعادة فحسب، بل يعني أيضاً أن طفلهم أصبح قادراً على التواصل الاجتماعي بشكل يمكنه من التعبير عن احتياجاته ومشاعره بوضوح.
يتوقف النمو اللغوي للطفل على عوامل عدة، منها العوامل الفسيولوجية مثل جنس الطفل.
فعلى سبيل المثال، فإنّ البنات يتفوقن تفوقاً بسيطاً على الذكور في المحصول اللغوي وفي صحة بناء الجمل، وفي القدرة على التعبير عن المعاني.
وللعوامل البيئية المحيطة بالطفل دور مهم في نموه اللغوي، فزيادة الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أولادهما، ومشاركتهم اللعب أو قص الحكايات أو الغناء معهم -مثلاً- يؤدي إلى إثراء قدراتهم على التعبير. كما أن وجود وسائط متنوعة لنقل الرسائل اللغوية مثل الراديو والتلفزيون يثري من محصولهم اللغوي.
إن وعي الوالدين بدور العوامل البيئية في الارتقاء بالمحصلة اللغوية سيجعلهم يتابعون التطور اللغوي للطفل، وبالتالي يقدمون له الدعم الاجتماعي الذي يحتاج إليه، مما يدفعه بدوره إلى إتقان الكلام، وإدراك أن الصور البسيطة من الاتصال مثل الصراخ والإيماءات ليست مقبولة اجتماعياً، وأن عليه أن يستخدم الكلمات في استجابته لأسـئلة الآخرين أو تعليماتهم.
من ناحية أخرى، فإنّ متابعة الوالدين لنمو طفلهم اللغوي يجعلهم يتوقفون عند أول ظهور لاضطرابات الـكلام التي تلعب العوامل البيئية دوراً في نشـأتها، بل وتطورهـا للأسوأ.
فالتهتهة واللجلجة وإبدال الحروف وكلّ صور الحبسة التي تظهـر عند الطفل في مراحل نموه قد تظل كما هي بمرور الوقت، ما لم تُبذل جهود علاجية مبكرة لتصحيحها.
إن نجاح الوالدين في جعل المنزل بيئة تعليمية سليمة وممتعة هو العامل الحاسم في نمو قدرات أطفالهم اللغوية. ولا تتطلب تنمية القدرات اللغوية مجرد التدرب على استخدام الكلمات فحسب، بل تعتمد أيضا على الربط بين استعمال هذه الكلمات من ناحية ومختلف الوظائف الذهنية من ناحية أخرى.
وسوف أقدم فيما يلى خمسة أنشطة لتنمية القدرة اللغوية للطفل تعتمد على التكامل بين الوظائف الذهنية:
1- إعادة صياغة كلام الطفل باستخدام المفردات نفسها التي قالها، فعلى سبيل المثال، عندما نسأل الطفل: ماذا يحدث للطعام في المبرد؟ ويرد الطفل بأن الطعام يصبح بارداً، يمكننا الرد عليه: هذا صحيح، يصبح الطعام بارداً في الثلاجة. إن تكرار العبارات يساعد الطفل على النمو الفكري، إذ إنّه يسمع الكلام مجدداً فيرسخ في عقله وبتنويعات مختلفة.
۲- شجعوا أطفالكـم على النظر إليكم دون إجبار عندما تتحدثون معهم، حيث يساعد هذا على شعورهم بالراحة، ومن ثم يسهل التفاعل اللغوي ليس معكم فحسب، بل مع الآخرين في حياتهم الاجتماعية.
۳- اسألوا طفلكم عن تجاربه اليومية، فقـد يتحول أي سؤال إلى حوار ممتع بين أحد الوالدين أو كليهما مع الطفل.
قد تسأل الأم طفلها مثلاً: هل تريد تناول البطاطس أم البيض؟ فإذا رد الطفل: أريد البطاطس، تسأل الأم مثلاً: هل تحب البطاطس أكثر من البيض؟ فإذا أجاب بنعم، يمكن تقديم سؤال آخر عن سبب حب البطاطس أكثر من البيض.. وهلم جرا.
إن هذه الأحاديث القصيرة، تعزز نمو الأقسام اللغوية في الدماغ، كما أنّها تصبح أحاديث أطول مع الوقت.
٤- تشجيع الأطفال على استخدام الكلمات منذ الصغر. إن تلبية الوالدين لاحتياجات أولادهم عندما يكتفون بالإشارة إليها دون استخدام الكلمات، لا يحفز الأطفال على استخدام الكلمات في المواقف التالية، طالما أن ما يحتاجون إليه سوف يحصلون عليه بسهولة ودون مجهود.
فالطفل الذي يشير إلى فمه أو إلى المطبخ تعبيراً عن حاجته إلى الطعام، سوف يكون من الأفضل ألا تحضر له الأم طعامه مباشرة.
بل إن حواراً صغيراً يتناسب مع عمر الطفل قد يكون مفيداً ومثيراً للطفل نفسه، إذ يمكن أن تقول له الأم حين يشير إلى الثلاجة: هل أنت جائع؟ فإذا أجاب بنعم يمكن أن تقول له: إذن أنت تحتاج إلى الطعام، ثم تمسك بيده وتقول له: هيا نذهب إلى المطبخ، ونحضر الطعام، علينا أولا أن نحضر الطبق، هيا أمسك الطبق من فضلك، ثم نضع فيه الأرز ونحضر ملعقتك الخاصة.
وهكذا من الممكن أن يتحول كلّ موقف صغير إلى حوار يدور بين الأم وطفلها بهدف تنمية حصيلته اللغوية.
5- استخدام أوراق لاصقة قطع من الكرتون لكتابة أسماء الأشياء على ما يوجد في أرجاء المنزل كالطاولة والكرسي والباب والنافذة والألعاب. ومن الممتع تصبح عملية وضع الأسماء على الأغراض لعبة يشترك فيها الأبناء.
من الممكن أن تخبروه شفهياً بالأسماء، بينما يقوم الطفل بلصقها فـي الأماكن المناسبة وعند إنجازه المهمة قوموا بتهنئته، وتصحيحه عند الحاجة، ثم اطلبوا منه جمع الأوراق وخلطها ثم معاودة اللعب. كلما تحسنت مهارات الطفل اللغوية يصبح بإمكانكم إضافة أوراق لأشياء جديدة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق