• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

خوف الطفل من الامتحان

خوف الطفل من الامتحان
 إن ما يعادل 50 في المئة من أطفال المدارس يخافون من الامتحان. وقد تكون هذه المخاوف قوية إلى درجة أنها تؤثر أحياناً كثيرة في أدائهم فيه، فيكون هذا الأداء ضعيفاً مقارنة بمعلوماتهم، بسبب نسيانهم إجابات بعض الأسئلة الناتج عن شعورهم بالقلق والخوف من الامتحان. يعود السبب الرئيسي لرهاب الامتحان إلى خوف الطفل من تأنيب الأهل له، أو من إعلان الأستاذ عن فشله في الامتحان، أو من المنافسة القوية من قِبل الأطفال الآخرين للحصول على أعلى العلامات، أو من وقت الامتحان المحددة الذي قد يشكل ضغطاً كبيراً على الطفل خوفاً من عدم تمكنه من الإجابة عن جميع الأسئلة، أو من الرسوب وإعادة الصف مرة أخرى، أو الخوف من ألا يكون قد استعد جيِّداً للامتحان، أو من أن ينسى المادة عند دخوله قاعة الامتحان، أو أن تكون الأسئلة من خارج المادة التي درسها، أو من ألا يتمكن من تذكُّر الحقائق المهمة في الوقت المناسب. والأهم، أن ينتهي به الأمر إلى الحصول على علامات متدنية أو الرسوب. وتشكل هذه المخاوف عوائق تمنعه من الإجابة الصحيحة، خاصة أثناء الامتحان. في أحيان كثيرة، يتسبب الخوف من الامتحان، فعلياً، في رسوب الطفل، بغض النظر عن قدراته الذهنية وعن اجتهاده. في الحقيقة إن معظم الذين يتعثرون بسبب رهاب الامتحانات هم في الغالب طلاب أذكياء ومجتهدون، إلا أنهم يخافون من نسيان المادة ساعة الامتحان فيفقدون الثقة بالنفس. والخوف من الامتحان هو شكل من أشكال الاضطراب والقلق اللذين يمكن أن يسببا عوارض صحية سيئة، منها: أوجاع في المعدة، استفراغ، أوجاع في الرأس، الشعور بالدوخة، الصعوبة في التنفس، الخوف من فقدان السيطرة، الشعور بالاختناق، ارتعاش في الأطراف، الشعور بالضعف... إلخ.  

 - كيف يستطيع الطفل مواجهة الخوف؟

من الواضح أنّه كلما زاد خوف الطفل من النتيجة، زاد قلقه من الامتحانات والفحوص، لأنّه يدرك أن مستقبله يتوقف على النتيجة. ولكن، كيف يستطيع الطفل مواجهة الخوف من الامتحان، والمحافظة على أعصابه وهدئه أثناء الامتحان، وعلى ثقته بنفسه، والخروج، ليس فقط سالماً من الامتحان، بل محققاً نجاحاً فعلياً أيضاً؟ بدايةً، يجب أن يدرك الطفل أنّ الحساسية المفرطة نحو أي شيء، بما في ذلك الامتحانات، أمر غير مستحب. فالشعور بالقلق أو الاضطراب أو الارتباك لا يفيد الذهن عند الامتحان. ما يفيد هو الثقة التامة بالنفس، والتي تنجم عن الاستعداد الجيد للامتحان. إنّ القلق المفرط لا يتماشى مع الأداء الجيد، والخوف غير الواقعي يضعف القدرة على الاستيعاب، والضغوط المعقول يدفع الطفل إلى الدرس، لكن الضغط المفرط يؤدي إلى العجز. وهناك عدد كبير من الأطفال الذين يصابون بالقلق والتوتر أثناء الامتحانات، يتوقفون عن النوم وعن الأكل، وينتابهم شعور حاد بالإحباط واليأس الشديد. وقد يشكل هذا خطراً كبيراً على صحتهم. فذهن الإنسان يعمل بصورة أفضل عندما تكون صحته جيدة. إنّ النوم الكافي والأكل الجيِّد يحُولان دون التسبب في كارثة صحية للطفل. إنّ الأداء الجيِّد في الامتحان لا يعتمد على الذكاء فقط. لذا، على الطفل أن ينظم أوقات الدراسة، وأن يضع جدولاً بالمدة التي يحتاج إليها لدراسة كل مادة، آخذاً في الحسبان مدى سهولتها أو صعوبتها. وعلى الطفل أن يصفي ذهنه أثناء الدراسة، وأن يضع جانباً كل الأفكار التي يمكن أن تحوّل انتباهه عن الدراسة أو تشوّش ذهنه. ومع أن مشاهدة التلفزيون تُعتبر تسلية جيِّدة، لكنها من أخطر المعوقات التي تلهي الطفل عن الاستعداد جيداً للامتحان. يجب أن يضع الطفل قائمة بالمعوقات التي تلهيه عن الدراسة ليتجنبها في فترة الامتحانات. من بين هذه المعوقات إجراء مكالمات هاتفية مع الأصدقاء تدوم لفترات طويلة. ولكن من أخطرها الدراسة مع مجموعة كبيرة من الأطفال الآخرين، لأنّها تتحول إلى حلقات ثرثرة. لكن، إن احتاج الطفل إلى توضيح ما، فلا بأس من أن يجلس مع صديق أو أستاذ ليوضح له ما يحتاج إليه. إن تبادل المعلومات والبحث معاً في موضوعات معينة من التمارين العلمية المفيدة، ولكن ليس في ليلة الامتحان عندما يكون للوقت قيمة. بعض الأطفال يحبون الدراسة في النهار، والبعض الآخر في الليل. ومع أنّ الليل وقت جيِّد للدراسة، حيث يكون المنزل هادئاً وجميع أفراد العائلة نياماً، فلا يتلهى الطفل مع أي منهم، إلا أنّ الدراسة في الصباح هي الوقت الأفضل، حيث يستطيع التلميذ استيعاب ما يدرس بسهولة. لذا، عندما يضع الطفل خطة للدراسة يجب لفت انتباهه إلى هذه الحقيقة كي يضعها في الحسبان. من المهم أن يرتاح الطفل بين فترة وأخرى أثناء الدراسة، لأنّه لو تعب ذهنه من الدراسة يمكن أن يمضي ساعات طويلة وهو يدرس، لكن من دون أن يستوعب شيئاً. كما أن من المهم أن يتّبع نظام أكل متوازناً، لأنّه إذا تناول طعاماً صحياً يحتوي على الخضار والفاكهة والألياف، تصبح صحته جيِّدة وتفكيره سليماً. فالعقل السليم في الجسم السليم. كل طفل يشعر بالتوتر قبل الامتحان، ولكن من غير المجدي إعلان حالة طوارئ في المنزل وقت الامتحان، إذ يمكن أن يتخلص الطفل من توتره، من خلال ممارسة تمارين رياضية تساعد على الاسترخاء مثل اليوغا وتمارين التمدد. فإذا عرف الطفل كيف يحافظ على هدوئه وصفاء ذهنه منذ البداية، يتمكن من التركيز أكثر عند اقتراب وقت الامتحان. ويجب على كل طفل أن يشترك في نشاط مدرسي. فالتمارين الرياضية لا تفيد الجسم فقط، بل إنها تساعد على استرخاء الذهن وصفائه أيضاً. لذا، على الأهل السماح للطفل بقضاء مدة نصف ساعة على الأقل في لعب الرياضة، نظراً لأنّها لا تقل أهمية عن الدراسة. فالرياضة ليست مضيعة للوقت، بل إنها عامل مساعد على الأداء الأفضل في كل المجالات. أحياناً كثيرة يكون الطفل قد درس جيِّداً استعداداً للامتحان، لكنه ينسى كل شيء عند المراجعة ليلة الامتحان، فيضطر إلى دراسة المادة مرة أخرى. وللتغلب على هذه المشكلة يجب أن يرتاح الطفل ليلة الامتحان، وأن يكتفي بمراجعة النقاط المهمة فقط. لأنّه لايستطيع دراسة مادة بكاملها ليلة الامتحان. كي يتغلب الطفل على صعوبة بعض الأسئلة، عليه قراءتها أكثر من مرة، وبانتباه شديد، ونحاولة التفكير في الإجابة قبل البدء في كتابة الجواب. كما يجب عليه أن يبدأ في الإجابة عن الأسئلة السهلة أولاً.

 من الخطأ أن يقارن الأهل بين طفلهم وأطفال الجيران. فهم بذلك يزيدون من الضغط عليه. يجب أن يتعاملوا مع الطفل بحرص شديد، سواء أكان معدله 90% أو 60%، ثمّ عليهم مساعدته ودعمه ليحسّن معدله. ويجب أن يكون الأهل من أقوى الداعمين لأطفالهم، وأن يقدموا لهم حباً غير مشروط، ويساعدوهم على تحقيق أفضل ما يمكن.

إنّ اختيار الوقت والمكان المناسبين للدراسة، ومدة الدراسة، من مسؤولية الطفل نفسه. المهم جدّاً اختيار مكان هادئ ومريح يساعد على الدراسة الجادة والتركيز عليها بعيداً عن كل الإغراءات الممكنة. بعض الأطفال يرغبون في الدراسة خلف أبواب مغلقة، وهذه فكرة غير صائبة، لأن هناك احتمالاً كبيراً أن ينام الطفل أو أن يتلهى بأمور أخرى (مثلا الكمبيوتر، البلاي ستيشن، قراءة كتاب غير المادة المطلوب منه دراستها.. إلخ) بعيداً عن مراقبة الأهل. في جميع الأحوال، يجب ألا يغلق الطفل الباب بالمفتاح على نفسه إطلاقاً، حتى لو كان يدرس في غرفته الخاصة. ويجب أن يدرس الطفل لساعات محددة، ثمّ يتوقف عن الدراسة لفترة قصيرة كي يرتاح، إذ من المهم أن يرتاح الطفل بين حين وآخر، خاصة عندما يشعر بالملل أو التعب. ويجب أن يقرأ الطفل ويكتب في الوقت نفسه، أثناء التحضير لامتحان بعض المواد التي تتطلب الوصول إلى حلل، مثل مادة الرياضيات. إذا لا يمكن الاكتفاء بقراءتها مثل الموضوعات الأخرى، حيث يجب حل المسائل الحسابية أكثر من مرة، إلى أن يتمكن الطفل من المادة جيِّداً. كما أن كتابة الملاحظات تساعد على بقاء ذهن الطفل يقظاً. إنّ التدرب على الكتابة أثناء الدراسة يساعد على أن يصبح الطفل سريعاً في كتابة الإجابات. إنّ القراءة بصوت عالٍ، أسلوب من أساليب التركيز على الدراسة، وهي من أفضل المهارات التي يجب أن يتقنها الطفل. ولكن، عندما يكون هناك أطفال آخرون يدرسون في المنزل، يمكن أن تثير القراءة بصوت عالٍ مشاكل في ما بينهم. لذا، يجب أن يختار الطفل وقتاً ومكاناً آخرين بعيداً عن أشقائه وشققاته، عند القراءة بصوت عالٍ استعداداً للامتحان. قد تكون قراءة ودرس أية مادة مرات ومرات متعبة ومملة، لكنها ضرورية. إنّ التحضير للامتحان يستند في الأساس إلى الإعادة. فكلما قرأ الطفل أكثر استوعب أكثر. وكلما كتب أكثر قويت ذاكرته. إنّ القراءة والكتابة والحفظ، هي الوسائل الوحيدة التي تساعد الطفل على الأداء الجيِّد في الامتحان.  

- كيف تساعد الأُم طفلها للتغلب على الخوف من الامتحان؟ إذا كانت الأُم واثقة بأن طفلها درس جيِّداً، لكنه لم يحصل على علامات في الامتحان، فعليها تقديم يد المساعدة له. وقد يفيدها بعض من هذه الاستراتيجيات عند اعتماد خطة في مساعدته: ·                 الخطوة الأولى: هناك أشياء عدة يمكن أن تؤدي إلى القلق من الامتحان، من بينها عدم التركيز على الدراسة جيِّداً. على الأُم أن تضع برنامجاً يومياً للدراسة، وأن تحث طفلها على اتباعه، حتى يكون مستعداً للامتحان في أي وقت. فإذا كان الطفل يميل إلى المماطلة والتهرب من الدرس، عليها ألا تتهاون في هذا المجال، وأن تهيئ له مكاناً هادئاً للدراسة، وأن تظهر له قدراً كبيراً من الاهتمام والمحبة في فترة الامتحانات، وأن تكون إلى جانبه دائماً، خاصةً في ليلة الامتحان، إذ من المحتمل جدّاً أن يتغلب الطفل على خوفه عند دخوله قاعة الامتحان عندما يكون مرتاحاً نفسياً. ·                 الخطوة الثانية: من الأمور الأخرى التي تتسبب في قلق الطفل من الامتحان عدم الإعداد الجيِّد. على الأم أن تعلّم طفلها وتشجعه على تخصيص دفتر ملاحظات لكل مادة يدرسها، يدوّن فيه المعلومات والملاحظات المهمة، في هذه الحالة، يستطيع الطفل الاستعانة به عند مراجعة المادة المطلوبة ليلة الامتحان، كما يجب أن تساعده على المحافظة على ترتيب ونظافة مكان الدراسة. ·                 الخطوة الثالثة: يميل معظم الأطفال إلى الارتباك، ويعانون القلق على مستويات متعددة، وهذا أمر طبيعي. وقد يعود السبب إلى افتقارهم إلى الثقة بالنفس، أو عدم وجود دافع لديهم، أو معاناتهم ضغطاً شديداً داخل غرفة الصف أو المنزل، أو ببساطة خوفهم من الفشل. وكلها أشياء طبيعية جدّاً، خاصة في الصفوف المتوسطة والثانوية. فإذا اكتشفت الأم أن طفلها يعاني أياً من هذه المخاوف، فمن المهم مساعدته على التغلب عليها حالاً، لأنّها تكون بذلك تساعده أيضاً على التغلب على الخوف من الامتحان. ·                 الخطوة الرابعة: إذا كان الطفل يعاني مشاكل عدم فهم مادة ما، فعلى الأُم أن تبين له أنها جاهزة دائماً لمساعدته في هذا المجال. كما أنّه من المهم أن تدعه يعرف أن معلمته أيضاً مستعدة لمساعدته. لذا، عليه ألا يخاف من طرح أي سؤال عليها (معظم الاطفال يترددون في روح أي سؤال على المعلمة أو الأستاذ في الصف خوفاً من تهكم الأطفال الآخرين عليهم، أو خوفاً من أن يبدوا ضعفاء في نظر أندادهم). على الأُم أن توضح لطفلها أنّه إذا لم يسأل يكون ضعيفاً، وأنّه إذا سأل يبدو قوياً وواثقاً بنفسه. ·                 الخطوة الخامسة: على الأم تعليم طفلها ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء عند شعوره بالقلق خلال فترة الامتحانات. فهذا النوع من التمارين يساعد الطفل على الاسترخاء والتركيز على الأسئلة. أما إذا بدا الطفل أنه لا يزال خائفاً من الامتحان. على الرغم من كل محاولات الأم، فعليها أن تطلب من طفلها أن يُطلع المعلمة على العلة التي يعانيها. فقد تستطيع إيجاد الحل الذي يمكن أن يساعده على التقليل من مشاعر الخوف ساعة الامتحان. ·                 الخطوة السادسة: على الأُم أن تشجع طفلها على التفكير إيجابياً في قدراته. عليها أن تطلب منه أن يقول لنفسه: "أنا قادر على فعل هذا الشيء" عندما يبدأ في الشعور بأنّه عاجز عن فعله. عليها أن توضح له أهمية الخوف، لأنّه لولا شعور الإنسان بالخوف لما سعى إلى المحافظة على سلامته. ولكن، مع هذا عليه ألا يخاف من الامتحان. باختصار، يحتاج الطفل إلى أن يكون إيجابياً وأن يؤمن حقاً بأنّه قادر على فعل ما يجب فعله، ليتغلب على الخوف والقلق من الامتحان.

ارسال التعليق

Top